الاغتراب الوطني والشخصي في ديوان
“الغجري”
علي فوده
هناك شعراء تركوا أرثا ثقافيا لا يمكن أن يمحى، “علي فوده” من هؤلاء الشعراء، يكفيه أننا إلى الآن نتحدث عن شعراء الرصيف، فهو إذن من المنتمي للفقراء والمظلومين، وهذا نجده في شعره، لكن لم يقتصر الامر على الانحياز فحسب، فنجده يعاني من الاغتراب، وهذا ما أضاف جمالية إلى قصائده، والشاعر يعاني اغتراب مزدوج، اغترابه كشاعر، واغترابه كفلسطيني، يقول في قصيدة “الملعون”:
“…أطعمتكم قلبي وروحي الدامية
لكنني..
رجمت بينكم كزانية
فحينما أتيت في الصباح
طردتني الأشباح
وحينما رجعت في المساء
فوجئت بالخواء والكراهية” ص11،عندما تأتي التاء المربوطة كقافية، فأنها تلفظ بطريقة قريبة من (آه)، وهذا يحمل معنى الألم الكامن في الشاعر، فهو يوصل الفكرة، ليس من خلال المنعى فحسب، بل من خلال القافية أيضا.
قلنا ان الشاعر ينحاز للفقراء وللمظلومين، لهذا نجده يستخدم لغة سهلة سلسة، يستطيع الجمهور أن يفهمها بسير، لكن في الوقت ذاته يقدم صور شعرية، يكمن لأي كان أن يلتقطها، “رجمت بينكم كزانية” فرغم بساطة والصورة، إلا أنها عميقة، فالشاعر عندما استخدم “كزانية” أوصل أكثر من فكرة، اضطهاد المجتمع والأسرة، وايضا حالة الضعف التي تعانيها (الزانية) فهي أنثى في مجتمع ذكوري، وأيضا ينظر إليها كمجرمة، تجاوزت أكبر محرم، شرفها وشرف العائلة شرف المجتمع وأقدمت على جرم ديني وأخلاقي، من هنا يمكننا القول أن الشاعر يستخدم صورة تبدو (عادية)، لكنها مثقلة بالأحمال، وما على القارئ أن يتوقف عندها.
وقبل أن نغادر المقطع، ننوه إلى ان الاغتراب جاء بصورة الفلسطيني، لكن هاك اغتراب الشاعر كشاعر:
“يا قطارات الوداع
يا قطارات اللقاء
ما الذي يجعلني كل مساء
انتحي ركنا وأبكي غرمائي ـ أصدقائي القدماء
آه يا ..
ليتنا نرجع يوما أصدقاء
إنما كيف … وصيفي كبرياء
وشتائي كبرياء؟” ص13و14، ثلاثة ألفاظ تشير غلى حنين الشاعر “الوادع، اللقاء، نرجع” كما أن تكرار “يا قطارات” تحمل الحسرة واللهفة لتلك الذكريات، كما أن استخدام ألفاظ: ” اللقاء، مساء، القدماء، أصدقاء، كبرياء (مكررة) والمنتهية بالهزة، والتي تلفظ (آه) تشير إلى ألم الشاعر وحسرته على الماضي الجميل، وإذا أضفنا يا المنادى “يا قطارات (مكررة)، وآه يا..” يمكنن القول أن الشاعر أوصل لنا فكرة حنينه ليس من خلال المعنى فحسب، بل مكن خلال الألفاظ، وطريقة التقديم أيضا.
ومن معاناة الشاعر الشخصية:
“عادني البرد ولا طيف امرأة
لا ولا حتى رماد المدفأة!” ص15، يتناول الشاعر أسباب البرد النفسية “امرأة” والمادية “المدفأة” واللافت أن كلا اللفظين “مرأة، المدفأة” ينتهيا بالهمزة والتاء المربوطة، واللذان يلفظا من جوف الحلق، فيصل المعنى، فكر ألم الشاعر للمتلقي من خلال طريقة الفظ، وبهذا يكون الشاعر قد أوصل فكرة اغترابه بأكثر من طريقة.
اللجوء إلى الرصيف/الشارع، حالة يعانيها كل المشردين في العالم، وهي ذروة القهر والظلم الواقع على الناس/الأفراد، الشاعر يعنون قصيدة “النوم في الشوارع”، يقول فيها:
“ما الذي يمنع؟
للشارع أحزان كأحزانك
أغصان كأغصانك
أزهار كأزهارك
للشارع وجه رائع ـ
لكنهم داسوه ظهرا مثلما داسوك
فارقد هانئا فوق الرصيف
كنت دوما شاعرا للفقراء
صرت في الشارع
ـ لا فرق
فبين الصوت والموت هنا حرف وحيد واحد
خل إذن عنك البكاء
وأقم كل مساء محفلا للغرباء
نم هنا .. في شارع الحمراء
أو في شارع الصفراء
أو في شارع الزرقاء … نم
أنت إسفلت
وهذا الشارع الوادع من لحم ودم!” ص19و20، هناك علاقة بين العنوان والقصيدة، فقد تكرر لفظ “شارع/الشارع/للشارع” سبع مرات، وهناك الفاظ لها علاقة بالشوارع: “داسوه/داسوك، الرصيف، إسفلت” وهذا ما يجعل القصيدة متكاملة، وبما أن العنوان يشير إلى جماد، والشاعر يريد تقديم مادة إنسانية/بشرية، لهذا نجده يؤنسن الجماد/الشارع، لهذه استخدم: “وجه رائع، داسوه، لحم ودم” وكأنه بهذه الأنسنة يوحد نفسه/الناس مع الشارع.
ونجد اغتراب الشاعر من خلال “أحزانك، داسوك، فارقد، وحيد، واحد، للغرباء” فهذه الالفاظ بوجودها المجرد تشير إلى أن هناك اغتراب عيانيه الشاعر، ويؤكد على هذا الامر بقوله:
“… ساقاي كعكازين مكسورين
قلبي من رماد
رايتي سوداء
نهري يرتدي ثوب الحداد” ص21، فهناك سواد في الفكرة وفي الألفاظ: ” كعكازين، مكسورين، رماد، سوداء، الحداد” وإذا ما توقفنا عند الألوان “رماد، سوداء، ثوب الحداد” سنجدها تؤكد على أن هناك حالة قاسية/اغتراب يعانيها الشاعر.
الديوان من منشورات عويدات، بيروت باريس،
الاغتراب الوطني والشخصي في ديوان -الغجري- علي فوده
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا