محمد الزهراوي أبو نوفل
غُصْنٌ فارِِعٌ..
كُلُّ مَنْ يَراها
في الْمُطْلَقِ..
يَتَرَنّحُ وَيَهْتاجُ.
جِهَةٌ هِيَ تَحُجُّ
إليْها النّوارِسُ.
آهٍ عَليْها مِنّي
تَهْزُمُ ..
جَدائِلُها الرّيحَ
وَلا يتَجاسَرُ
عليْها الْمُلوكُ.
مَجْبولةٌ مِنْ
شِفاهِ الْحَجَرِ
وَمِنَ الماءِ وَالنارِ
ما هذا الكائِنُ
المسْكونُ بِالغُرْبَةِ؟
لَمّا لَمْ يَكُنْ لِيَ..
مَكانٌ أمْشي إليْه
سِرْتُ خطواتٍ.
وَكعادَتي كُلّ
يَومٍ أمامَ ساعَةِ
الْمَيْدانِ بَدَلَ أنْ
أسْمَع الموسيقى..
رَأيْتُ ما لا يُرى.
رَأيْتُ العارِيَةَ
تَنْزِلُ البُرْجَ..
واثِقَةً بِوُجودِها
مِثلَ كوْكَبٍ دُرّي.
وَأذْهَلَني فضاءُ ما
حَوْلَ سُرَّتِها الغامِضُ
الّذي بَدا بِلَوْنِ الرُّؤى
وَالقَدَمُ الحافِيَةُ..
تَحْمِلُ خلْخالَ أنْدَلُسٍ.
وَيَنْقُصُها ما
عَدا خطْوِها الْمُقَفّى
فقَطّ..رِداؤُها
الملَكِيّ وَعِقْدُ لؤْلُؤٍ
حوْل الرّقَبَة.
وَتِلكَ كانَتْ
وَبِلا مَشَقّةٍ..
لا مُغامَرتُنا بَلْ
مُغامَرَتُها هِيَ.
بَعْضُهُمْ تَغاضى
وَبَعْضُهُم كانَ
أكْثَرَ فسْقاً..
وَالبَعْضُ تنَحّى عَنْ
حَوافِ الطّرُقِ
لَرُبّما حتّى تمُرّ.
وَرغْمَ ذلِك لَمْ
يتَغيَّرْ شَيْء..
إذْ ظلّ تعْذيبُها
لنا مُسْتَمِراً.
ألا كمْ كانَ..
خَجَلُها مِنّا فاحِشاً
مثْل امْرَأةٍ أثْناءَ
ذُرْوَتِها مَعَ
قَرامِطَةٍ في كِتابِ
الْمَطَرِ والعُشْب.
أنا مُضْنىً إلى قَدَحٍ
وَانْكِساراتِ الْخُزامى.
ها قدِ اكْتشَفْتُ
هُنا صِبايَ..
الأفْجارَ الثّمِلَةَ
وَالْخَواصِرَ الْمَوْعودَة.
هذهِ امْرَأةُ فُرْسانٍ
وَهِيَ الأيائِلُ أيْضاً
وَحالَةُ سُكْرٍ مُسْتَمِرّة.
عَليْها تحْلُمُ أنْ
تحُطّ طُيورُ
الْبَرِّ وَالبَحْرِ وَأنا
أتَبَعْثرُ مَعَها في
الغَسَق وَالرّوْضُ
يَفوحُ مِنْها عَليَّ.
أحَلّتْ هُنا مِنْ ما
وَراءَ الْخُلود ..
لفَظَتْها سَبْعةُ أبْحُرٍ؟
جاءَ بِها نَهْرُ
هِرَقْليطَ أمْ خَرَجَتْ
مَنَ الغابَةِ كوْثراً ؟!
عَدا اليَدَيْنِ
السّاتِرَتَيْنِ ما
يَشِفّ عَنْ كنْز..
وَكَرْمِ الذّهَبِ وَالفِضّةِ
وَعَدا مَجْرى نَهْرِ
الفَيْروزِ وَالسّاحِلِ
وَطَرائدِ الظِّلال
وَالياقوتِ وَالطّينِ
يَلُفُّها حَفيفُ صَمْتٍ
أخْضرَ وَأذرُعُ
النّهارِ الْخَفِيّةُ..
وَكُلّ أوْصافِها
تفاصيلُ أغْنِية.
فَالكَمالُ هُنا..
لا يَكْمُنُ فقَطّ في
الوَراءِ بلْ هُوَ الّذي
أيضاً أمامي هُنا !
هذهِ هِيَ الْمُعاناةُ
أَهِيَ سِيرينا..
اصْطادَها صَياّدونَ
مِنَ الْمُحيط تنْتَظِرُ
حتّى ياتِيَها البَحْر؟
آهٍ لوْ يُمْكِننُي..
أنْ أُكَلِّمَها ؟!
وَآهٍ مِنَ السّعيرِ
وَجُنونِ العُيونِ.
مِنْ بَياضِها نَسَبي
وَالكُلّ أسيرُ
سِحْر ِهذهِ السّاحِرَة.
تَقولُ لسْتُ أنا
ليْلى أوْ حورِيَةُ الْحُلولِ.
وَأنا أشُمُّ لها العِطرَ
الجُنوبِيّ وَريحَ الشّرق.
فَهذهِ الغانِيةُ كَالوَطنِ
الْمُمْتدِّ مِنَ البَحْر إلى
البَحْرِ بِطبْعِها مُسْتَبِدّة.
أُنْظُروا جِنانَ أبي
نُؤاسٍ تتَدافَعُ
في الْمَجْهولِ..
وَكَما يَقولُ ديكُ
الجنِّ تَضْحَكُ
مِنْ أرْدافِها !
ألا قُلْ لَها يا
نَدى الصّباحِ..
قُلْ لَها إنّيَ
أقْرَأُ الرّوْضَ العاطِرَ
وَأُفيقُ مَع الطّيْرِ
عَلى بَسَماتِها.
في سُهوبِها أقْضي
الليْلَ مَع نُدامايَ
أكْرَعُها كأْساً
إثْرَ كَأْس..
وَليَ القَميصُ
الْمَقْدودُ مِنْ وَراءٍ
حَتّى يَاتِيَ السّلْطانُ
بِنَفْسهِ وَيَرى