8 شُباط مُؤامَرة دَمَويَّة لتَدمِيرِ العِراق
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
مُنذُ سِنينَ خَلتْ
كنتُ تلميذاً في الصفِ الرابع الاِبتدائيِّ
عُمري عشرة سنوات
كُّنا نَسكنُ قَلبَ العِراق
فِي دارِ السَّلامِ
فَفِيها الحَياةُ كانتْ
تَسيرُ بيُمنٍ وَيِسرٍ وأًمان
نَحوَ السَّعادةِ والإِزدِهارِ؛
لَكِنْ،
صَباحَ يَومِ جُمعةٍ مِنْ شِتاءِ شُباط
منتصف رمضان ،والبدرُ في التمام
وفِيما الناسُ بَينَ صِيامٍ وَنيامٍ
دوّتْ فِي السَّماءِ مَع ضياءِ الفَجر
صَفَّاراتُ قِطار العَمِّ سَام
وَهوَ يَسِيرُ فِي وَضحِ النَّهارِ
محملاً بِشلَلٍ مِن السَّفاحِينَ
المُدَجَّجِينَ بالحقدِ
وَبِغدارات بُورسَعيد المصريّة
وبإشارات خضراء عَلَى الأذرع
متميزة بالرمز (ح . ق)
مُعلِنينَ بالعديدِ مِن الإذاعاتِ
عَنْ بَدءِ عُرسِ الدَّم
طوال ساعات نهار الجمعة
تتناوب بين فرادٍ أو أزواج طائرات (الميغ و الهوكر هنتر)
في التحليقِ مُنخفضةٍ فوقَ بغداد ،
وهي تدك بحممها ثكنات وزارة الدفاع
و مقر الزعيم في البابِ المعظم
التلفزيون يذيع بيان للزعيم
يحث فيه الشعب أَن يقاوم
قصف الطائرات يخرس بث محطة تلفزيون بغداد
وَ تَحوِيلها إلى حطام
كَتِيبةُ دَبَّاباتِ مُعَسكر الوَشَّاش
تَعلنُ تَمَرُّدها عَلَى القائِدِ العام
وَتأييدها المُطلق للاِنقلاب
دَباباتها تَجوبُ حارات بَغداد
الناسُ تَهرع للشوارعِ وَهم فِي صدمةٍ مروعةٍ
تَتناقل الشائِعات وَالأَخبار
وهي بينَ مَرعوبٍ وَخائفٍ وَمذعورٍ وَحائر
كيف وَبأَيّ سِلاح نقاوم
بِيْنَ لَيلةٍ وَضُحاها
فَي التاسعِ مِنْ شِباط، وقَبيلَ مَوعِدِ الإفطارِ
وبصَليةِ رَصاصَ رشاشات الغدر
سقطَ رأَسُ حُكومةِ العاصمةِ بَغداد
مضرجاً بدمهِ الطهور
لتأكيد صحة خَبر
تَنفيذ إعدام الزَعيم
فِي المَساءِ وَالعراق في اقصَى الهَلع
وَخلال بثّ التلفزيون لفلمِ كارتون أَمريكي
قطعَ البث ونشرت مَقاطع مُرعبة مُصورة
لإعدامِ الزَّعيمِ وثلاثة مِنْ رفاقهِ المَيامين
وبجانبهم الآت لفرقةِ مُوسيقا إذاعةِ بَغداد
نَجَحَ الإنقلابُ
بإصدار بَيان مُرعب يحملُ الرقم المَشؤوم (13)
البيان يبيحُ لعصاباتِ الاِنقلابِ
القتل وَالتنكيل والاِعتقال للناس بدونِ سبب.
حَلَّتْ لُغةُ الزَجرِ وَالرَصاصِ وَالقَصاص
فَنُصبتْ فِي الشَّوارعِ وَالحاراتِ
المِئاتُ مِن متاريسِ التَفتِيشِ
تُطاردُ وُتلتهمُ القوانينَ وَالنظامَ والسُّكان
كَما النارُ في الهَشِيم
زلزالٌ مُخيفٌ ضَربَ البلاد
فَحلَ في النفوسِ الإنكسار وَ الاضطراب
وَأطبقَ رُعبُ الرَدى طَوقـهُ عَلى البلاد و العِباد
فَغصتْ المَقابرُ وَالسجون بالضحايا الأبرياء،
الناس تَذهب لمتاجرها وأَعمالها
وَهي في مُنتهى الرعبِ وَالفزع
أَحدى مفارز الموتِ – الحرس القومي-
التي تَنتشرُ في كلِّ مَكان
تَعتقلُ أَبي بلا سببٍ ، وهو في طريقهِ للعمل
لقد كان يلبس يشماغاً أحمر
وتغطّـي وجهه لحيةُ الوقار
التِي لَمْ تَعجُّبْ شِلَّة الأشرار
تحجزهُ، تجلدهُ، تُدمي عَينيه،
فِي منتصفِ الليلِ تطلقُ سَراحه
بَعدَ أَنْ تسلبَ كلَّ ما يملك
مِنْ حليٍ ذَهبية، رَأس مَال مَتجره
طوال اللَّيل جَلستْ عائِلتنا بدائرةٍ حَمِيميةٍ
حَولَ أَبي
تُشاركنا بجلستِنا مدفأة نفطيَّة
تَنشرُ الدِفء وَتبددُ زَمهرير البرد وَالخوف
أُمي بَينَ فينةٍ وأخرى بِنَشيجٍ وَسيلٍ مِنْ الدموع
تَبكي مولولة حَال أَبي
وَلِفقدانِ مَصدر عَيشنا رأس مال المَحل.
انتشرَ عَلَى طولِ وَعرضِ أرضِ النَهرين
الذلُّ وَالأَسى وَالخَراب
فامتدَ العويلُ والنحيب وَالبكاء
يطرقُ أبواب السماء
لكن بلا رجاء
وَضربَ الكساد بشدةٍ الاِقتصاد
وباتَ يجثمُ الذعرُ والفقرُ
عَلَى الصدور
فأيقنَ الناسُ إن دورةَ التاريخ تُعاد
وَبرهانها عودة المَغول الجَدد.
عَشراتٌ مِنْ الأقاربِ مِنْ أصحابِ المِهن
قرروا الهجرةَ مِنْ العاصمةِ بَغداد
بعد أن أصبحَ الرزقُ فيها شحيحا
وخصوصاً (الصِّياغة)
فهيَ رديفُ الفرحِ والمسراتِ والأعياد
أَبي أمامَ تَحدٍّ كبيرٍ جديد
البحثُ عن مكانٍ للعمل
يَقينا من براثنِ البطشِ وذلِّ ضنكِ العيش
سريعاً جابَ (أَبي) العديدَ من القصبات
فاختارَ (أبن سومر) الخبيرُ بشِعابها
مدينة (الزبيديَّة ) الريفيَّة الصغيرة الوادعة
من نواحي الكوت. وألقـى تعبه فيها ، ولقي الترحابَ من أهلها
مالمو / مملكة السويد في 8 شباط 2021
تعاريف توضيحية لبعض الكلمات التي وردت بالنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غدارات بورسعيد : هو رشاش ألي أنتجتها مصر في أوائل (عام 1950) بعد أن حصلت مصر على ترخيص لإنتاج الرشاش بور سعيد في الخمسينات كنسخة من الرشاش السويدي كارل كوستاف م/45 ..جهزت بها عصابات الحرس القومي (ح.ق) قبل موعد الانقلاب،من جهات أجنبية وعربية.
الزعيم : اللواء عبد الكريم قاسم ، من مواليد بغداد في محلة المهدية (عام 1914) ، قام مع عدد من الضباط الأحرار بثورة (14 تموز 1958) التي أطاحت بالحكم الملكي ، وأعلنت الجمهورية العراقية.
أصبح رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع وكالة والقائد العالم للقوات المسلحة ، حصل على رتبة لواء عام 1959.
إعدم بيد الانقلابيين بصليات من مدفع رشاش بمقر دار الإذاعة ببغداد في غرفة فرقة الموسيقى مع ثلاثة من رفاقه بدون محاكمة في (9 من شباط 1963)