8 شباط الاسود بداية تدمير العراق على يد البعث الفاشي
جواد كاظم ملكشاهي
بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 بقيادة الزعيم الراحل عبدالكريم القاسم وتشكيل الجمهورية العراقية و ايمانا منه بضرورة مشاركة جميع القوى والاحزاب العراقية في وزارته ، دعا حزب البعث ايضا الى المشاركة في الحكومة اسوة بالاحزاب والقوى السياسية العراقية الاخرى ، لكن البعثيين برغم مشاركتهم في الحكومة ، استغلوا الحريات المتاحة في تلك الحقبة القصيرة من تاريخ العراق وخططوا لأغتيال عبدالكريم قاسم وضرب القوى الوطنية والاستحواذ على السلطة بدعم من قوى اقليمية واجهزة المخابرات البريطانية التي كانت لها اليد الطولى في معظم الانقلابات والاحداث في الشرق الاوسط وخاصة في سوريا والعراق ، ومن هذا المنطلق التآمري خطط البعثيون لأغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم برغم المنجزات الكبيرة التي حققتها حكومته للشعب العراقي في فترة وجيزة ، لذلك قام البعث من خلال عصاباته الاجرامية بخمس محاولات لأغتيال قاسم وبعلم ودعم مادي ولوجستي من انظمة المنطقة وبالاخص الحكومة المصرية في ذلك الوقت برئاسة جمال عبدالناصر، لكن قاسم حفاظا على الوحدة الوطنية واستقرار البلد عفا عن منفذي المحاولة الاولى لأغتياله بمقولته المعروفة (عفا الله عما سلف) لكن البعثيين كان يرون ذلك ضعفا منه وليس من اجل مصلحة البلد والشعب ولذلك خططوا لأنقلاب 8 شباط الاسود من اجل ازاحة قاسم و السيطرة على الحكم بالقوة.
لقد كان تشكيل ميليشيات الحرس القومي السيئة الصيت جزءاً من مخطط البعثيين للاستحواذ على السلطة من خلال ممارسة عمليات القتل والترويع وخنق كل الاصوات المنادية للحرية والكرامة.
بعد مضي اسابيع فقط على انقلاب 8 شباط الاسود ، نمت وتطورت ميليشيات الحرس القومي الاجرامية بحيث كانت من ناحية العدد تضاهي قوات الجيش العراقي وكانت تلك الميليشيات تَدخَل في كل صغيرة وكبيرة وحتى في شؤون المواطنين الشخصية و كانت تضيق الخناق وتتجاوز وتعتدي على ضباط الجيش الوطنيين واعضاء السلك الدبلوماسي.
لقد ارتكبت ميليشيات الحرس القومي جرائم بشعة بحق الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه وقواه السياسية الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي الذي كان له في ذلك الوقت اكبر قاعدة جماهيرية واعدمت خيرة قيادات وكوادر الحزب اما عن طريق الاغتيالات او الاعتقالات و التعذيب الجسدي حتى الموت ناهيك عن اعدام اعداد كبيرة منهم بعد محاكمات صورية.
وبعد مضي فترة قصيرة على انقلاب 8 شباط هاجمت عصابات الحرس القومي مقرات الاحزاب الوطنية في جميع محافظات العراق وخاصة العاصمة بغداد وتمكنت خلال ايام من السيطرة على معظم مناطق العاصمة ولم تبق مقاومة امامهم سوى في منطقة عكد الاكراد في شارع الكفاح حيث وقف مقاتلي الحزب الشيوعي وجلهم من الكورد الفيليين بصلابة وشجاعة منقطعة النظير بوجه تلك العصابات وكبدتها خسائرة فادحة في الارواح مسطرين اروع ملاحم البطولة والفداء ولكن استمرار القتال وعدم وصول المؤن والتجهيزات العسكرية وحفاظا على ارواح المدنيين ارغموا على الانسحاب الى مناطق اخرى من العاصمة بعد اعتقال عدد كبير منهم ورميهم في الزنزانات وتعريضهم الى ابشع انواع التعذيب وربما تلك المقاومة البطولية كانت احد اسباب حقد البعثيين على الكورد الفيليين ، اذ توعدوهم بالثأثر وفعلا ثأثروا منهم بعد قيام انقلاب عام 1968 حيث قاموا بعد سنتين من الانقلاب بتهجير عشرات الالاف منهم الى ايران بحجة التبعية الايرانية وذلك خوفا من القيام بمقاومة انقلابهم الاسود.
اما موقف البعث من الكورد والقضية الكوردية فكان سلبيا منذ البداية ، وبهذ الصدد قال طالب شبيب عضو القيادة القطرية لحزب البعث : كان موقف الحزب من القضية الكوردية مبنية على نظرية (ان الكورد قومية نازحة الى الأرض العربية جاءت لتحل ضيفاً على العرب في بلادهم) في حين يمتد تاريخ وجود الكورد على ارضهم الى الاف السنين وهذا ان دل على شيء انما يدل على ان البعث الشوفيني اتخذ الوقوف امام تطلعات الشعب الكوردي والشعوب الاخرى المتعايشة مع العرب في المنطقة نهجا وبرنامجا في نظامه الداخلي و ادبياته ويعد غير العرب دخلاء على المنطقة ولذلك شن البعثيون منذ وصولهم للسلطة حرب ابادة على شعب كوردستان بمختلف الوسائل والممارسات القمعية كالتهجير والتعريب والتبعيث واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا فضلا عن الانفالات سيئة الصيت التي دفن فيها اكثرمن 180 الفا من النساء والاطفال والرجال الكورد احياء وتدمير اكثر من 4500 قرية كوردية واعمال سياسة الارض المحروقة في جميع مناطق كوردستان.
كما شن البعث الفاشي حملات بربرية من المطاردة والقتل والاعدامات ضد جميع القوى السياسية الوطنية العراقية بهدف ابعادهم عن الساحة السياسية كي ينفرد في حكم البلاد ويؤسس لدكتاتورية مقيتة يسحق كل عراقي غيور وشريف ينادي بالحرية وحقوق الانسان ولذلك كانت حقبة البعث من 8 شباط الاسود والى زواله في ربيع 2003 اسوأ مرحلة وابشعها في تاريخ العراق المعاصر.
ونحن اذ نستذكر تلك الحقبة السوداء ننحني اجلالا لجميع شهداء العراق الذين راحوا ضحية لجرائم البعث الوحشية من زاخو الى الفاو و ندعوا شبابنا والاجيال المقبلة ان ياخذوا من الماضي القريب دروسا ويكافحوا من اجل حرية وكرامة الانسان والوقوف صفا واحدا بوجه كل قوة سياسية ونهج شوفيني عنصري تحاول تكرار تجربة البعث في العراق والعبث بمقدرات شعبه وزجه في الحروب والمغامرات الطائشة التي لاتخلف وراءها سوى الدمار والتخلف.
8 شباط الاسود بداية تدمير العراق على يد البعث الفاشي
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا