75 عاما من النضال والتضحيات،تاريخ مشرف والتزام بالثوابت
جواد ملشكاهي
بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها في سبتمبر من عام 1945 والتي تعد من اكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية لما تركته من ملايين القتلى والمصابين من المدنيين والعسكريين والدمار الذي لحق باكثر من 30 بلدا والتي شارك فيها اكثر من 100 مليون شخص بشكل مباشر ، تسارعت الاحداث في منطقة الشرق الاوسط التي كانت مسرحا للتوسع واطماع المانية النازية من جهة والهيمنة البريطانية على معظم دول المنطقة وخاصة العراق لأمتلاكه مصادر الطاقة من جهة اخرى ، وجراء الصراع بين المانيا ودول المحور التي كانت تقودها بريطانيا ، عانى الشعب العراقي بجميع مكوناته من تداعيات تلك الحرب من فقدان جميع المؤن والمواد الغذائية والحاجيات الضرورية.
في تلك الاثناء قاد الثائر والقائد الكوردي الكبير (قاضي محمد) ثورة شعبية ضد النظام الايراني الحاكم انذاك وتمكن من تحرير معظم المدن والمناطق الكوردية واعلان جمهورية كوردستان في مهاباد ، لكن عمر الجمهورية لم يدم أكثر من 11 شهرا بسبب التناقضات في مصالح القوى الكبرى في المنطقة ، حيث تمكن الجيش الايراني من القضاء على الجمهورية واعتقال معظم قادتها ومن ثم اعدامهم في ميدان (جوار جرا) وعلى راسهم مؤسسها القاضي محمد.
نتيجة لتلك الانتكاسة الكبيرة ، تعرض الشعب الكوردي في المنطقة برمتها لخيبة امل واحباط كبيرين ، ولكن ارادته وعزيمته لم تنكسر وسعى بشتى السبل ان يلملم جراحه ويبدأ مرحلة جديدة من النضال السياسي والكفاح المسلح ضد الانظمة التي تقاسمت ارض كوردستان كواقع حال بعد الحرب العالمية الثانية ، لذلك اضحى وجود تنظيما سياسيا لقيادة الجماهير وتعبئتها ضرورة ملحة لأنهاء الاضطهاد القومي والخلاص من الاستبداد والعبودية.
في تلك الفترة العصيبة كان البارزاني الخالد ورفاقه الذين شاركوا حتى الساعات الاخيرة في الدفاع عن جمهورية كوردستان يسعون من اجل تنظيم الجماهير ودفعها باتجاه انهاء حالة اليأس والاحباط الناتجة عن انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد, لذلك قرروا تشكيل حزبا سياسيا قوميا لمجابهة تحديات تلك المرحلة والاستمرار في النضال السياسي الى جانب الكفاح المسلح مستفيدين من تجارب الشعوب الاخرى في المنطقة والعالم بما ينسجم مع واقع كوردستان.
ورغم الصعوبات والتحديات الكبيرة التي واجهها البارزاني الخالد من دول المنطقة وبعض رؤساء العشائر من الاقطاعيين والانتهازيين الذين كانوا يرون في تأسيس الحزب خطرا على مصالحهم الشخصية والفئوية ، الا ان ذلك لم يشكل عقبة امام الثقة العالية بالنفس التي كان يمتاز بها البارزاني وايمانه بقدرات وطاقات الشعب الكوردي للنضال من اجل نيل حقوقه القومية والانسانية.
ففي 16 آب من عام 1946 تشكل تنظيم سياسي كوردي تحت عنوان (الحزب الديمقراطي الكوردي) وظل يعمل تحت ذلك العنوان الى ان تقرر تغيير اسم الحزب
في المؤتمر الثالث الذي عقد في مدينة كركوك في 26 كانون الثاني من عام 1953 الى (الحزب الديمقراطي الكوردستاني).
في السنوات الاولى من تاسيسه ، تمكن الحزب من بسط نفوذه من خلال خلاياه التنظيمية الى جميع مناطق كوردستان فضلا على المحافظات العربية الاخرى في مناطق وسط وجنوب العراق التي كان يتواجد الكورد فيها وخاصة العاصمة بغداد.
اليوم وبعد مرور 75 عاما على تاسيس الحزب ونضاله الدؤوب تمكن الى جانب القوى الكوردستانية الاخرى من تحقيق مكاسب كبيرة بدأ باعتراف الحكومة العراقية بعد ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم بالشعب الكوردي كقومية ثانية الى جانب الشعب العربي ومن ثم ارغام حكومة احمد حسن البكر بالتوقيع على اتفاقية اذار من عام 1970 والتي كانت مكسبا كبيرا لشعبنا عبر تاريخه النضالي الشاق و من ثم اعتماد النظام الفدرالي كصيغة للعلاقات مع الحكومة المركزية وذلك بعد انتصار انتفاضة شعب كوردستان في عام 1990 وتشكيل اول برلمان وحكومة اقليمية.
واليوم وبعد مضي خمس وسبعون عاما على النضال والتضحيات الجسام ، مايزال الحزب يشكل رقما صعبا في توازن القوى على المستوىين المحلي و الاقليمي ويحظى بأهتمام دولي ومايزال ملتزما بثوابته القومية والوطنية التي تشكل من اجلها وله دور متميز في ادارة الصراعات السياسية على الساحتين العراقية والشرق اوسطية.
ولأهمية دوره وثقله السياسي والجماهيري في العراق والمنطقة يتعرض الحزب وقيادته المتمثلة بفخامة الرئيس مسعود بارزاني الى تحديات وضغوطات كبيرة بغية تحجيمه وارغامه على التخلي عن الثوابت القومية والوطنية التي مايزال متسمكا بها ولكن تجربة (75) من النضال والتضحيات اثبتت ان الحزب لم ولن يساوم عليها رغم جميع الضغوطات السياسية والاقتصادية والامنية من اطراف محلية واقليمية.
يقف الحزب اليوم في الخنادق الامامية للدفاع عن المكتسبات القومية الكبرى ويسعى جاهدا لوضع اللبنة الاولى لدولة لكيان كوردي مستقل عبر الوسائل السلمية والديمقراطية بدعم واسناد جماهيري منقطع النظير ويسير بخطى حثيثة وعزيمة لاتلين نحو الاهداف والطموحات الكبرى التي قدم شعبنا من اجله تضحيات جسام وتعرض الى ابشع جرائم القتل والابادة الجماعية على يد النظام البعثي الشوفيني المجرم من الانفالات واستخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمة دوليا.
ونحن نعيش اجواء الحرية والديمقراطية لايسعنا الا ان نقف اجلالا لقائد حركتنا التحررية البارزاني الخالد والقائد الفقيد ادريس بارزاني وجميع شهداء شعبنا من قوات البيشمركة البطلة والمدنيين من الاطفال والنساء والشيوخ التي تشهد على مظلوميتهم المقابر الجماعية وتأريخنا النضالي المشرف.