خضير الحميري
هذا الرقم هو متوسط دخل الفرد العراقي كما اعلنه البنك المركزي مؤخرا (لماذا البنك المركزي وليس وزارة التخطيط لا ادري) واذا كان الرقم صحيحا من الناحية النظرية.. فانه مُضلل ومحير من الناحية الواقعية، فوفقا لهذا المتوسط الذي يمثل حاصل قسمة الناتج المحلي الاجمالي او الناتج القومي الاجمالي (كلاهما من النفط طبعا) على عدد السكان فان الدخل الشهري للفرد هو 366 دولارا، وان الدخل الشهري للاسرة العراقية المكونة من 5 افراد هو 1830 دولارا أو ما يعادل ( 2200000) مليونان ومئتا الف دينار، وهو دخل تبوس العديد من الاسر العراقية يدها (وجه وكفه للحصول على ربعه او خمسه او سدسه ، فهو غير متاح لملايين العراقيين الذين يقبعون تحت او بجوار خط الفقر، ولا يجدون غير التسول والبحث في تلال القمامة سبيلا للحصول على ( المتوسط ) الشهري لسد الرمق اليومي !!
وهذه هي مشكلة الارقام المجردة ، التي تجمع بجرة قلم او (بضغطة زر) بين القمة والقعر ، بين اقصى حالات الغنى وادنى حالات الفقر ، بين المجاعة والبذخ ، بين القصورالمنيفة وبيوت الصفيح ، وتقسمهما على اثنين ليكون الناتج بلا مجاعة ولا بذخ ، بلا غنى مفرط ولا فقر مدقع ، بلا بطون منتفخة و لا اضلاع نافرة ، ناتج مثالي يصلح للخطابات الجماهيرية والبرامج الانتخابية اكثر من صلاحيته لاطعام الجياع وإكساء العرايا .
وللعلم نقول ان متوسط الدخل في بعض الدول العربية بالدولار هو: قطر 93000 ، الامارات 54606 ، الكويت 45920 ، البحرين 27249 ، السعودية 19345، عُمان 18987 ، ليبيا 16114 ، لبنان 7616 ، الجزائر 4588، الاردن 3421 ، سوريا 2756 ، تونس 3907 ، مصر 2748 ، موريتانيا 983 ..
الرقم مضلل كما قلنا على الرغم من تواضعه بين المتوسطات العربية المجاورة وذلك لان التدرج المنطقي في رواتب الموظفين ( مثلا ) غائب حتى الآن حيث يتسلم اغلبهم رواتب تقل عن المليون دينار ، فيما يقبض المسؤولون رواتب ومخصصات تزيد عن العشرة ملايين دينار وفقا لأهون الشائعات ، وهذه الهوة بين الاقل من المليون والاكثر من العشرة ملايين مستعدة لابتلاع ( متوسط ) أي دخل ومسخ دلالاته الاقتصادية والاجتماعية ، كما ان الاخذ بالمعدلات الحقيقية للبطالة بعيدا عن ارقام التلطيف والتخفيف يحول هذا ( المتوسط ) الدولاري الى نكتة يتردد صداها بين جنبات الارصفة وطوابير المساطر ، وقبل هذا وذاك فان متوسط الدخل لوحده من دون المقبلات الاخرى يظل وجبة عصية على الهضم ، ولا يعبر بأي شكل من الاشكال عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلد ، فنحن بحاجة لمؤشرات ( هاضمة ) او مساعدة على الهضم مثل المستوى العام للمعيشة ، ومستوى التقدم الحقيقي ، ومعدل عمر الانسان ، ومستوى الامان ، ودرجة المعرفة ، والصحة العامة ، ومستوى التعليم ، ووسائل الترفيه ، ونوعية الخدمات العامة وسهولة الحصول عليها ، ومستوى النزاهة ، ونوعية المدارس والجامعات ،ومستوى التأمينات الاجتماعية المتاحة ، هذه المؤشرات التي نفتقدها كلا او بعضا هي التي يمكن ان تبث الحياة في الارقام المجردة ، وتجعلها نابضة بالامل .
وإلا .. فما نفع متوسط الدخل المرتفع .. مهما ارتفع … مع حياة متدنية !!