يوم قالت المرجعية..لقد بحت أصواتنا!
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
اعتدت ان استطلع الرأي في الموضوعات التي تتعدد فيها وجهات النظر او يكون فيها النص قابلا لتأويل نوايا متضادة نوعيا لا يحملها ظاهره..من اخطرها تصريح المرجعية بقولها (لقد بحت أصواتنا) من كثرة مطالبتها الحكومة للقضاء على الفساد.
ولقد مرّ هذا القول كما لو كان عاديا،مع ان له دلالات ويحمل رسائل بالغة الأهمية للسياسيين والناس ومستقبل العلاقة بين الدين والسياسة.وقد يعود السبب الى ما وصفه أستاذ اكاديمي بانه (يعني الكثير لكن الكلام محظور).
وانطلاقا من ان الكلام العلمي الذي يخدم مصلحة الناس والوطن ليس فيه محظور،فقد توجهنا بهذا السؤال:
حين تقول المرجعية (لقد بحت اصواتنا) من كثرة مطالبتها الحكومة بالقضاء على الفساد..فماذا يعني هذا في رأيك؟
شارك في الاجابة عليه (116) معظمهم أكاديميون ومثقفون..تباينت اجاباتهم حد التناقض..فقمنا بتصنيفها الى محاور نعرضها كما هي،تليها استنتاجاتنا المبنية على تلك النتائج.
تحليل النتائج
اولا:دور الناصح
ركز صنف من الاجابات على ان المرجعية ارادت ان تبريء نفسها،وانها مارست دور الناصح للسياسيين،وانتهجت نهجا صحيحا بأن ابعدت نفسها عن التدخل المباشر في السياسة،وانها غير راضية تماما عن الأداء الحكومي،وانها تتوعد الحكومة وتدعو الشعب لاتخاذ موقف والترقب والتهيؤ لنبذ هذه الحكومة التي لا تستمع الى اصواتها.
ثانيا: دور العاجز.
فسّر فريق من المستجيبين قول المرجعية ذاك بأنه يعني انها عاجزة،وانها دخلت مرحلة اليأس من اصلاح النظام السياسي بعد ان وجدت نفسها لا حول ولا قوة لها،وأن الرتابة تفقد المهابة،وانها وصلت الى الحال الذي تعترف به ان صمتها لا يختلف عن كلامها،وانه اعتراف منها بأن السلطة السياسية اقوى من سلطتها الدينية،وانها غير معترف بها من قبل الأحزاب الحاكمة ولصوص لا يخشون رب العالمين ولا يخشونها. وتساءل بعضهم: الغريب ان نداء المرجعية للجهاد ضد داعش ينفذ بساعات فيما القضاء على فاسدين في الحكومة لا ينفذ بسنوات..وانتهى آخرون الى القول بان المرجعية فقدت عصرها الذهبي ولم تعد مرجعية كما كانت.
ثالثا:دور سلبي
رأى هذا الفريق ان قول المرجعية (بحت أصواتنا) يمثل موقفا سلبيا لا يليق بها،ويعني انها تنصلت عن مسؤوليتها الاجتماعية والسياسية بحجة الصوت المبحوح الذي لا يخلي مسؤوليتها عما حدث ويحدث،وانه تخدير للشعب وتراجع منها في سياسة النقد البنّاء،وانها نفضت يدها من المتظاهرين،وان كلامها هذا اسقاط فرض فيما كان الاجدر بها ان تطرح اطارا عاما للاصلاح والتغيير..وتوجّه خطابها الى الشعب وتدعوه الى التظاهر والنزول الى الشوارع،وانها لو كانت تمشي على خطى امامها لما سكتت عن الباطل وهي تعلم جيدا ان صوتها بح الآن.وعلّق أحدهم قائلا:لو ان خطيب الجمعة قالها في فرنسا لهبت الجموع واسقطت حكومتها في الحال.
رابعا:دور الشريك.
يرى هذا الفريق ان صمت المرجعية في السنين السابقة هو سبب تجذر الفساد،وانها تتحمل جزءا من خراب البلد بسبب دعمها لقوائم سياسية،وانها كانت وقفت مع هؤلاء السياسيين من البداية،وهم (سياسيو السلطة)..فرانكشتاين خرج من رحم المرجعية ولم تعد تسيطر عليه،وانها حصلت على مكاسب وثروات ونفوذ ما كانت تحلم بها.وفسّر بعضهم تصريح المرجعية هذا بأنه قول يفهمه هؤلاء:أنتم على أمان تام..وما عاش الذي يدعو بصدق لمحاكمتكم،وانها اعطتهم الضوء الاخضر لارتكاب المزيد من السرقات والصفقات المشبوهة والمشاريع الوهمية وبيع وامتلاك عقارات الدولة بابخس الاثمان.وانتهى آخرون الى القول بأن الناس بدأت تفقد ثقتها بالمرجعية لأنها لا تؤشر مواضع الخلل بالمباشر مع انه كان بامكانها أن تطيح بجميع الرؤوس العفنة..لكنها صمتت عنهم بحجة الدفاع عن المذهب حتى لو غرقت البلاد بالدماء.
استنتاجات
كانت تلك نتائج الدراسة الاستطلاعية،وعليها نبني الاستنتاجات الآتية:
- انقسم المستجيبون في تفسير دلالات او معانى الرسائل التي يحملها قولها (لقد بحت اصواتنا) في مطالبتها الحكومة بالقضاء على الفساد واصلاح العملية السياسية في العراق وتقدير خطورة ذلك التصريح.وهذه حالة طبيعية ان تختلف وجهات النظر في مسألة سياسية دينية اجتماعية معقدة،لكن غير الطبيعي ان تكون بهذا التناقض الحاد.
- نسب المستجيبون اربعة ادوار الى المرجعية هي (الناصح،العاجز،السلبي،والشريك)،وان دور الناصح كان هو الأضعف بين تلك الأدوار.
- يحمل المستجيبون عن المرجعية صورة (المنقذ) الذي خذلهم في محنتهم مع السلطة.
في ضوء ذلك نقول:
برغم ان العينة لا تمثل فئات المجتمع العراقي لكن الدراسة تقدم مؤشرات علمية خطيرة تخص المرجعية الموقرة بالدرجة الأولى، بأن تدرك ان الناس بدأوا فعلا يفقدون الثقة بها بخصوص قدرتها على اصلاح العملية السياسية،وان عليها ان تحدد موقفها بين خيارين:
اما ان تنفض يدها من العملية السياسية وتنأى بعيدا عنها،وتقطع الطريق على من يحاول الصاق شبهات قبيحة بها اواتهامها بالتواطؤ مع الحكومة،واتخاذها اجراءات مشددة بأن تحرّم على كل من يقتدي بها المشاركة في العملية السياسية بتولي مناصب مهمة في الحكومة،وتترك للشعب تصفية حساباته مع الفاسدين،واما ان يتعدى دورها من الكلام الى اجراءات عملية..مقتدية بقول الامام علي (حين يسكت أهل الحق عن الباطل..توهم اهل الباطل انهم على حق)..في واقع صار فيه الباطل يمارس بابشع اشكاله،اقبحها ان الفساد الذي ارتكبته حكومات ما بعد التغيير لم يحدث في تاريخ الدولة العراقية.
والخشية،ان الفكرة التي اشاعها تصريحها بأن صوتها قد بح دون جدوى،قد تتحول الى يقين لدى الشارع العراقي بأن المرجعية تحرص على بقاء السلطة بيد الشيعة حفاظا على المذهب مهما ارتكبت الحكومة من خطايا بحق الوطن والناس.
ان وجهة النظر السائدة في الشارع العراقي تتلخص بأن عدم رضا المرجعية عن اداء الحكومة لا يعفيها من مسؤوليتها في اصلاح العملية السياسية،وان عليها ان تتحول من دور الناصح الى النذير بالحق بأن تمهل الحكومة ثلاثة اشهر لتشكيل محكمة عليا من قضاة مستقلين لمحاكمة الفاسدين بدءا بمن وصفتهم بـ(الحيتان)..فان تحقق،وحتما يتحقق ان كان الانذار حاسما وقطعيا،فان هذا سيكون اعظم انجاز للمرجعية..وبه تكون المنقذ الذي ما خذل من استنجد به.
ملحوظة:
اعدت هذه الدراسة قبل اعلان المرجعية ايقاف خطبها السياسية.والمفارقة انها اختارت البديل الاول الذي اقترحناه..أن تنأى بنفسها بعيدا عن السياسة.وقد يرى كثيرون في موقفها هذا انها خذلت من كان يعدّها هي..المنقذ.