داود الفرحان
لان الهند شبه قارة فهي تستحق لقب أم العجائب. دولة فيها كل التناقضات في الناس والمناخ والجغرافية والاقتصاد والثقافة. ولكنها دولة بمعنى الكلمة، ودخلت النادي النووي منذ سنوات عديدة وهي عضو مؤسس في حركة عدم الانحياز في مجدها الذهبي الى جانب مصر ويوغوسلافيا واندونيسيا. وهي ايضاً عضو فاعل في منظمة الكومنويلث للدول التي كانت بريطانيا تستعمرها .
وتشتهر الهند بثلاثة أمور أولها البهارات التي لا يستغني عنها أي طعام شهي في كل العالم. وقد عرف العرب البهارات الهندية منذ قديم الزمان، وملك تلك البهارات هو الكاري، وولي عهده الفلفل ورئيس وزرائه مخلل المانغا الذي يطلق عليه العراقيون والكويتيون اسم “العنبة” ويتلذذون بها.. وسبحان الذي جمع العراقيين والكويتيين على “العنبة”!
أما ثاني الامور التي تشتهر بها الهند فهي السينما حيث تغزو الافلام الهندية دور السينما حول العالم واقتحمت المهرجانات الدولية حتى فاز فيلم “المليونير” بعدة جوائز اوسكار قبل عامين رغم ان كل أبطاله هم من أطفال الشوارع في الهند. وما تزال الذاكرة العراقية تحفظ جيداً أفلاماً هندية ظلت مسيطرة على الشاشات طوال سنوات مثل “أم الهند” و”جنكلي” تنتقل من دار سينما الى أخرى بدون توقف. بينما ظلت عائلة كابور أشهر عائلة سينمائية هندية يعرفها رواد السينما الهندية، وهي تضم نجوماً من أمثال شامي كابور الذي توفي قبل فترة قصيرة وشاشي كابور وبقية آل كابور. وكذلك الحال مع اميتاب باتشان الذي كان نجم الشاشة وقدوة كثير من الشباب العربي الذين لا يشاهدون الا الافلام الهندية في الاعياد وغير الاعياد.
وكان يعمل في أحد أسواق منطقة زيونة في بغداد شاب عراقي لطيف مغرم باميتاب باتشان ويمشط شعره على طريقة ذلك النجم السينمائي ويجمع صوره من كل مكان ويحرص على مشاهدة جميع افلامه ويضع اسمه على كارتونات التجهيزات المنزلية التي يوصلها الى منزلنا والمنازل الاخرى. وبالاضافة الى كل ذلك فهو يغني للزبائن أجمل اغاني اميتاب باتشان باللغة الهندية التي لا يفهم منها شيئاً!
أما الامر الثالث الذي تشتهر به الهند فهو الشوارب الكثة الا ان هناك ثورة نسوية هندية اليوم ضد اطالة الشوارب واللحى. كما ان الاجيال الجديدة من الشباب الهندي يميلون الى عدم تربية الشوارب ويعتبرونها شيئاً من الماضي لان زمن الشاربين ولى بالفعل كما يقولون. غير ان كثيرين يرون ان الشوارب الضخمة ستبقى في الهند كأحد عناصر الجذب السياحي شأنها شأن تاج محل وركوب الافيال وترقيص الافاعي والرقص الهندي الجميل. ومثلما يحلف البعض من العرب بشاربه يقسم بعض الهنود بشاربه أيضاً دليلاً على الصدق والالتزام. ومع ان الشارب مازال في عزه في الوطن العربي الا ان القسم به لم يعد يحمل تلك المصداقية التي كانت معروفة في المناطق الشعبية والريفية. وكثير من المسؤولين العراقيين – مثلاً – أقسموا بشواربهم انهم سيقضون على الفساد والمحاصصة وانهم سيعملون لخدمة العراقيين جميعاً بلا استثناء ثم اكتشفنا ان شواربهم مستعارة مثل الباروكات أو لحية الممثل في المسلسلات التاريخية التي تقع على الارض في أول عطسة!
وبالاضافة الى تلك الامور الثلاثة التي تشتهر بها الهند تشتهر ايضاً بالديمقراطية. وهي أفضل درس في الديمقراطية في دول العالم الثالث. دولة تضم أكثر من 300 قومية وطائفة ومذهب وستة أديان رئيسة وأكثر من 1500 لغة ولهجة و28 ولاية وسبعة اقاليم اتحادية ومليار و170 مليون نسمة ثلاثة أرباعهم من الفقراء والمعدمين ومع ذلك فان الديمقراطية الهندية درس ثابت في علوم السياسة في جامعات العالم الكبرى.. ديمقراطية بدأت مع الزعيم الراحل المهاتما غاندي وتواصلت مع الزعيم الراحل جواهر لال نهرو ثم مع ابنته الزعيمة الراحلة انديرا غاندي. صحيح ان هذه الديمقراطية تخللها اطلاق رصاص واغتيالات الا ان ذلك كان استثناء وليس قاعدة. فاذا لم نستطع الاستفادة من ديمقراطية الاثرياء في بريطانيا والولايات المتحدة فلماذا لا نستفيد من ديمقراطية الفقراء في الهند؟
لقد سخر بعضنا للأسف في الموروث الشعبي من الانسان الهندي البسيط المتواضع المطيع حسن النية لكن انظروا اليوم: من يسخر مِن مَن؟