ميسلون هادي
على برد الهوا
كم من المليارات صرفت على السيطرات والخطط الامنية وكم من العقول احتارت وداخت في لغز الكهرباء الذي لم يحله أحد لحد الآن، والنتيجة أن كلا الأمرين يصبان في نتيجة واحدة وهي إصابة العقل العراقي بالدوار وجعله يدوخ بين (الوطنية والمولدة) وزحام السيطرات
التي لا تفتح إلا منفذاً واحداً للمرور فتحجب (السراوات) كل خط للأفق وتشوغ الروح وتتحقق الدوخة، ليس هذا فحسب ولكن الطبيعة تسبب دوخة أخرى للإنسان العراقي لأن (الجو الصافي) لايعني أن الجو صاف كما هو عند باقي خلق الله ولكنه يعني إنه مليء بالغبار ودخان المولدات لهذا تدور ربة البيت في دوامة التنظيف من الصباح وحتى المساء وبسبب ضغف الصيانة وتراكم الخراب يدور رب البيت في دوامة لا تنتهي من الترميمات والتصليحات..بعد ذلك يأتي السياسيون ليصيبونا بدوار آخر عندما (يتناقرون) ويتصرفون كـ(الحية والبطنج) بدلاً من أن يتحابوا ويتصافوا كـ(الدهن والدبس) وهذا سبب مضاف لكي نصاب بالدوخة والدوار بينما هناك في العالم طرق أفضل من كل ماتقدم لجعل الانسان يدوخ وينشغل عن أهوال السياسة إلى سحر الكون وذلك بجعل سكينة القلب تحل عليه اذا ما جلس أمام منظر جميل أو حديقة غناء أو بحيرة يسبح فيها البط فتنغسل روحه وتتطهر ويأخذه التأمل بعيداً إلى صمت الفم والرأس والأذن .. فأين حكومتنا الرشيدة من جعل العراقي (يصمت) خاشعاً بهذه الطريقة الفريدة؟
لماذا لا تكون مثلاً أزقة بغداد كلها أنيقة ونظيفة وشبيهة بأزقة جسر الجادرية ؟؟ أؤكد لكم إنني كتبتها عدة مرات بـ(جدر الجاسرية) بدلا من جسر الجادرية وحسب مزاعم علم النفس فان أخطاء اللسان هي ليست زلات عفوية وانما كلمات فالتة يقولها اللاوعي ليقول لنا الحقيقة التي نخفيها تحت طبقات من الأقنعة ..إنها الحق على فطرته والصح على ندرته وفي هذا قال لنا الأولون (خذوا الحكمة من أفواه المجانين) ..وبناء على ما تقدم فهذا يعني اني قلبت الجملة عدة مرات لأن الوضع مقلوب في بغداد فبدلاً من أن يكون المسؤول مسؤولاً عن المواطن وفي خدمته أصبح المواطن في خدمة المسؤول ويضحي من أجله بكل شيء…فهو يعيش بين الحفر والأنقاض والمناظر البشعة ودخان المولدات بينما المسؤول في واد آخر من الحياة السابحة في نعيم الدفع الرباعي والمقتطعة من أجمل مناطق بغداد، وهي الأخرى أصبحت تذكرنا بما يقوله أهلنا الأولون عندما يمسكون عن الكلام في حضرة مايخيفهم من الإنس والجن فيقولون إن (الكاع محظورة ) ….
ولأعد إلى سؤالي الذي سألته قبل قليل :
لماذا لا تكون الأزقة التي يعيش فيها أطباء العراق وأدباء العراق ومعماريو العراق وخبازو العراق وحلاقو العراق كلها مثل ازقة (جدر الجاسرية) أو(الجدر المعلق) الذي دخل ضمن المحظورات منذ سنين عدة، ووينك ياأم العظام تشهدين مرورنا العذب أيام الطفولة والهواء يلعلع أمامنا وبين أيدينا حيث لاسد بيننا وبين دجلة سوى (جامة) السيارة ووينك ياكرادة مريم تشهدين زياراتنا الجامعية للمسرح القومي وقاعة الخلد أيام الصبا والشباب …و(وينك ياجسر) هو المسلسل الشهير الذي لم نشهد نهايته منذ أيام النظام السابق ولحد الآن . ونعلم ونقٌدر إن ربع الشط محجوز لأسباب أمنية ولم يكن الأمر ليعنينا لو أنهم جعلوا الإنسان ينشغل عن أهوال السياسة إلى سحر المدينة لكي تحل عليه سكينة القلب إذا ما تحولت بغداد إلى حدائق غناء وبحيرات يسبح فيها البط.. وفي هذا قال أهلنا الأولون: يامسعدة وبيتج على الشط منين ماملتي غرفتي.كدام بابج يسبح البط وآني بطرف عيني دمعتي.