وَخُنْتَ عَهْدي
إلى رجل مع التحية .. وبلا أسف وكما ارادت جاءت على مهل :
لأني مُذْ عرفتُكَ كنْتَ شَيّا
وفي روحي تُخالِطُني نَبيّا
وإنّي ما ادّعيْتُ فأنْتَ ذاتي
وما سَرَقتْ يدي ما في يَديَّا
وإنّي ما ارتكبْتُ لأيِّ ذنْبٍ
سوى حُبّي لحُبٍّ قد تَهَيّا
وما كانَ التّهوّرُ منْ طباعي
وما كدّرْتُ بالبَغْضا شَقيّا
ولا طأطأْتُ للشّذّاذِ رأسي
ولا مِنْ خِيفتي قدْ ضعْتُ فِيّا
جَعلتُك في قراري صوْتَ روحي
وكنْتَ الفارسَ الأبهى لدَيّا
وكنْتَ هزارَ بستانِ الأماني
وكنْتَ النبعَ يَجري عَبْهَريّا
تَخِذْتُكَ لي أنا محرابَ وَجْدٍ
وَمِعْراجاً لروحي أريَحيّا
فهَيَّأْتُ الأنا وَقدَدْتُ ذَاتي
وكنْتُ أراكَ وَجْهاً يُوسفيّا
فَخلتُكَ بَلسَماً لِشفاءِ جُرْحي
تُعيدُ الرّوحَ لو غابَتْ إليّا
وَخلتُكَ مَنْ تَصونُ جَنوحَ نفسي
وتدفعُ شَرَّ أرزائي أبيّا
أردتُكَ أنْ تكونَ إليَّ دِرْعاً
وَترفعَ عنْ وَساوسيَ الدّنيّا
وَخِلتُكَ مَنْ يغارُ إذا تهادى
نسيمُ الرِّيحِ نشواناً بَهيّا
وإنْ مرّ العبيرُ على ضِفافي
تثورُ بكلِّ إحساسِ عَلَيّا
وَكُنْتَ إليَّ آياتِ التّجَلّي
وَمِثلُكَ مَنْ بهِ وَجْهي تَفَيّا
سحَقْتَ بسهْمِكَ القاسي ضلوعي
فخنْتَ وكنْتَ للماضي زَريّا
فبعْتَ طفولتي ونكَرْتَ يَوْمي
فماتَ الورْدُ في رُوحي نَديّا
لأجلِ تفاهةِ قدْ رُحْتَ تَسْعى
وتركضُ في شوارعِها غبيّا
لتُشْبِعَ روحَكَ الظّمأى حراماً
وتمْلأُ عُمْرَكَ الذّاوي دَويّا
تيَقَّنْ أنتَ عندي صرْتَ ذِكرى
سأنساها وأطوي العُمْرَ طَيّا
فدعْني لا تَلمْني حينَ أنوي
فراقَكَ فالأسى بدَمي تَقَيَا
تذكّرْ أنّني ما خنْتُ يوْماً
وَما لَعِبَ الهوى في أصْغَريّا
زرَعْتَ الشّوْكَ في صَدْري وقلبي
وكنْتَ لكلِّ أيّامي صَفِيّا
لترْسُمَ لي الدُّنى سوْداءَ حتّى
يَموتَ الحُلْمُ في عَيني شَهِيّا
وَتَبْني للجُموحِ لدَيْكَ قَصْرَاً
وتُرْضي مَنْ مَشَيْتَ لها غَوِيّا
فَعشْ حُرّاً بعُمْرِكَ والتَّجنّي
وَمُتْ كَمداً كما تَهوى ظَميّا
خلعْتُكَ مِنْ يدي وَنسيْتُ أنّي
منَحْتُكَ مِنْ بَساتيني الحُميّا
تَخذْتُكَ دونَ كلِّ النّاسِ رَبّاً
وَصَدّقْتُ الكلامَ الشّاعِريّا
وما قدْ كنْتُ أدري نحْوَ صَدْري
تُسَدِّدُ سَهْمَكَ الدّامي خَفِيّا
سأشْهَقُ حَسْرَةً لوفاءِ قلبي
وَعُمرٍ مرَّ مَجنوناً سَخيّا
ساُدْميني إذا حنّتْ عُروقي
وأقْطَعُها إذا ما رُمْتُ غّيّا
نَدِمْتُ لأنّني يا كُلّ حُزني
حفظتُكَ حيْثُ كنْتَ البَرْبَرِيّا
فدْسُ ما شئْتَ إنّي سوَفَ أبقى
ربيعاً في توَهُّجِهِ طَرِيّا
فمَنْ داسَ الوَفا وَمَشى عَلَيْها
سأسْحَقُهُ أنا ليَمُوتَ حَيّا
كرِهْتُكَ لا ولا تأتي اعتذاراً
فما قدْ كانَ بانَ لَنا جَلِيّا
وأدْتُ بداخلي نَفسي وَحِسّي
وماتَ الأمس فيْناناً حَفِيّا
صَحَوْتُ الآنَ مِنْ حُلُمِ تَناهى
ومِنْ أملِ جَعَلتُكَ فيهِ ضَيّا
قدِ اختلفَتْ خُطانا وافتَرَقْنَا
وَدَرْبُكَ صارَ دَرْباً عَسْجَدِيّا
فلسْتُ أُضِيعُ أيّامي هَباءً
وأُتْعِبُ في المَحَبّةِ جانِحيّا
فأنأى عنْكَ نَفسي في مَدَاها
ولو جاوزْتَ في الحُبِّ الثُّريّا
فكمْ غرّاً هنا اسْتَجْدى وِصالي
وَطَوْعَ أناملي يَغدو سَخِيّا
فأخجلُ أنْ أديرَ إليْهِ وَجْهي
وأُغْلِقُ عنْ وَسامَتِهِ المُحَيّا
حَفِظْتُكَ مثلما حِفْظي لأهْلي
ولا نَفسي اشْتَهَتْ يوْمَاً حِلِيّا
فثِقْ إنّي سأسْعى ما لِتَسْعى
وأكسرُ قيْدَ إيماني العَصِيّا
فَخُذْ كأسَ المرارةِ والتّجافي
وذُقْ يا أنْتَ حَنْظلَها هَنِيّا