ناصر حميد الهيتي
لم نكن نأمل ان تبقى وزارة الثقافة وزارة مكبلة بعدد من مسؤوليها الغير كفوئين ممن اثبتت السنوات السابقة عقم رؤاهم وضحالة امكانياتهم … و كنا نتوسم بالوزير الجديد وهو الرجل العسكري الصارم ان يجري تطهيرا للوزارة وان يقوم بتجريد كل اولئك المسؤولين عن خراب الثقافة في البلد وتراجعها من مناصبهم وعزلهم قبل تقديمهم الى العدالة في حال ثبتت عليهم أي تبعات قانونية . لكن ابقاء الكادر الاداري من مدراء عامين ومدراء اقسام على حالهم او تنقلهم بين المديريات فهو قرار غير صائب وابقى الفساد على حاله ان لم يزده اضعافا . وهم كما يعرف القاصي والداني اصل البلاء المستشري في مفاصل الوزارة وخرابها الدائم … فالمدراء العامين مثلا لا يوكلون مهام ادارة الاقسام الا بذوي الامكانات الضحلة من المقربين واولئك بدورهم يحاربون الموظفين الكفوئين فقط ليطفوا هم ومن اختاروهم على سطح المستنقع .
لذلك نرى بوضوح فشل الوزارة الذريع في اقامة اي مشروع ثقافي لا يتقاطع مع الوسط الثقافي ومثقفيه بسبب تلك الحفنة المتكلسة من الاداريين الطاعنين في الفساد والمحسوبية ومحاربة المبدعين .
فلو اجرينا مسحا شاملا عن طريق لجان مستقلة غير مرتبطة بتلك الحواشي الطارئة عن اعداد الادباء الحقيقيين والمبدعين في وزارتنا لاصابك العجب وهم منزوون في اروقة الوزارة بلا تكليف بالعمل الحقيقي الموازي لقدراتهم بسبب التحسس الذي يشعرون به من قبل من اشرنا اليهم من محبي ادارة مقاليد الوزارة بطريقة مرتجلة ولو على حساب خرابها .
نسأل السيد الوزير انه لو تتبع بشكل جلي عمل المهرجانات لعرف مقدار الدجل المتبع في اقامتها بطرق مرتجلة ولو تقصى عن حقيقة المؤسسات الثقافية التابعة للوزارة مثلا في محافظات العراق لاكتشف انها مجرد دكاكين لجني الارباح من خلال التغطيه على اعداد هائلة من الموظفين الوهميين الذين ينسبون من جميع مديريات الوزارة ويختفون نهائيا بين مدراء تلك البيوت الذين يفسحون المجال لفرض الاتاوات عليهم مقابل عدم تقيدهم بالدوام الرسمي وتقاسم تلك الاموال مع القائمين على دائرة العلاقات الثقافية … ناهيك عن ضحالة في اختيار المدراء لادارة تلك البيوت يتم وفق المعرفة كشرط اساسي للتغطية على عقم رؤاهم وتجاوزاتهم المالية وفسادهم الاخلاقي. متجاهلين حتى الثقافة من خلال اقامة نشاطات ملفقة لا تمت للواقع بصلة وغير حقيقية بل وتثير استهجان وقرف جميع المثقفين وريبتهم في تلك المحافظات … وذلك بسبب التقاطع الحاصل بينهم وبين ادارات تلك البيوت. وما ابعاد احد الشعراء من قبل احدى مديريات وزارة الثقافة عن دائرته بعد كشفه لفساد يندى له الجبين وتجنبا للوقوف على المزيد من مشاريعهم الغير قانونية وتهديده ومحاولة نقله الى ناحية نائية ساخنة امنيا لاغراض مبيتة ضده ! الا مثال صارخ على هذا الفساد الاسود الذي ابتلينا به من قبل نفر محسوب على وزارة افرغت من محتواها وامست رهينة لدى كل من ذي عاهة فكرية ولوثات مستعصية من انصاف البشر وارباع المثقفين .
ينبغي من معالي الوزير الجديد صناعة الثقافة مجددا على اسس سليمة وبدون اعتبار لزيد او عمرو من الناس لان هذه امانة اخلاقية لا يستطيع اداءها الا من هو جدير بها ..
اننا نتساءل هل يعلم المهتم بالشؤون الثقافية ان اغلب البيوت الثقافية في جميع محافظات العراق باتت تدار بطريقة مريبة جدا من خلال اشخاص غير مثقفين ومليئين بالعقد النفسية وغير متفرغين اصلا للعمل بسبب مزاولتهم اعمال اساسية اخرى … و ابتزاز الموظفين والموظفات اضافة الى تجاوزات اخلاقية ومالية اخرى تتعلق باخفاء اوامر التنسيب بالاتفاق مع دائرة العلاقات الثقافية لغرض مصالحهم الشخصية … اما الانشطة فهي مجرد انشطة وهمية وعبارة عن حبر على ورق واقامة انشطة فقيرة لا يحضرها سوى المنتسبون بطريقة اجبارية .
كلنا آمال ان يتم تدارك انتشار هذه الروائح المقرفة التي كانت تفوح على مدار اعوام وما زالت تفوح ولا يستطيع المثقفون اثارتها لكون الرائحة صادرة من المديريات اصلا ومن مسؤوليها بالذات اما دور مدير الاقسام والمراكز الثقافية فهو مجرد اخبار بؤر الفساد بتوخي الحيطة والحذر بين حين وآخر لحين انتهاء التحقيق في ملابسات هذا الاخبار او ذاك دون ردع حقيقي . بل ما يتم فعله بالذات هو التمادي بصورة اكبر واكثر عنادا بالفساد وبكل اطمئنان.. متسائلين هل تم فعلا احالة وصولات الصرف المزورة التي طالما تم التنويه عنها الى التحقيق لكون اغلبها موقع دون علم اصحابها او يتم اجبارهم على توقيعها في نهاية كل شهر لتذهب الى جيوب المنتفعين .
لذا نهيب بالوزير ضرورة تغيير مدراء الاقسام كافة . اما بقاء الوضع على ما هو عليه فمعناه الخراب بعينه … وابتعاد المثقفين والمفكرين عن وزارتهم الحقيقية … مبقينها لكل من هو طاريء وغير متفرغ وفاسد …