هادي جلو مرعي
تمضي الأمور الى موافقة عربية كاملة على المشاركة في أعمال القمة العربية المزمع عقدها في العاصمة العراقية بغداد في التاسع والعشرين من مارس المقبل,والتي طال إنتظارها ليتعرف العرب من المغرب الى المشرق شكل المنظومة السياسية في بلدانهم الناشئة, حتى وإن لم يكتمل إطارها بعد أن علقت الأمور في دول مثل سوريا والبحرين واليمن, وتواصل أعمال العنف في بلدان شهدت التحول لكنها ماتزال في إطار التشكل والمماحكات الداخلية كمصر وتونس وليبيا .
رئاسة القمة ستكون بيد بغداد ,وبيد حكومة مكروهة من سادة الجامعة العربية الجدد, ومحركي خيوط ( الأراجوز) ,والذين لعبوا دورا أساسيا في إسقاط زعماء شكلوا غصة مستديمة لهم خلال عقود,وسينتقل أمر الرئاسة الدورية الى العراق, بعد أن كان بيد دولة قطر التي شهدت فترة رئاستها تحولات جسيمة في كل المنظومة العربية ,عدا عن دور الدوحة الأساسي في دعم حركة الإحتجاجات التي اطاحت بتلك الأنظمة,وماتزال تؤدي دورا أساسيا في محاولة إسقاط آخرين يتقدمهم الرئيس السوري بشار الأسد ,الذي تحوم الشكوك حول مشاركته في قمة بغداد.
العرب متورطون في القمة المقبلة,والعراق يشاركهم الورطة,وليس كل العرب,فالتوانسة, والمصريون, والليبيون ,واليمنيون يرغبون كثيرا بالحضور الى عاصمة الرشيد لإثبات التحول ,وقدرة الزعامات الجديدة على إدارة الأمور في بلدانهم ,وأبرزهم المتحمس جدا السيد المنصف المرزوقي الذي يرى أن تونس ليست أقل شأنا من قطر في إدارة التحول حتى مع فقر بلاده, وعجزها المالي والسياسي,بعد أن تحمس لعقد القمة المغاربية,ومؤتمر أصدقاء سوريا,وساهم في طرد السفير السوري.
الورطة الأساسية يقع في دائرتها ( العراق ,والسعودية, وقطر),فالعراقيون يتبنون مواقف متحمسة من إحتجاجات شيعة البحرين, ويروجون ضد نظام آل خليفة ,بينما يؤكدون على أهمية بقاء سوريا متماسكة, ولايخفون رغبتهم في بقاء الأسد,وليس الأمر مرتبطا بنوايا الحليف الإيراني ,فالشيعة في العراق يسمعون لهتافات رجال دين عرب وسوريين يرون في إسقاط الأسد فرصة لقلب المنظومة العقائدية السائدة في الشام ,والتي دعمها التحالف السوري الإيراني,ورئاستهم للقمة العربية ,وضيافتهم للزعماء أو من ينوب عنهم يتطلب منهم النزول عند الغجماع العربي في كافة القرارات التي ستصدرها القمة ومضمون الخطاب الختامي الذي سيتلوه الامين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي,عدا عن أن بغداد ستتعرض لضغوط مسبقة من طهران ودمشق لتسير بالقمة الى جهة دعم موضوعة الحوار الداخلي والإصلاحات التي تبناها الرئيس بشار الأسد ,وهو ماعقد العرب الآخرون العزم على تجاهله.
في المقابل فإن ورطة السعودية وقطر لاتقل صعوبة عن مضيفي القمة من العراقيين,وقلنا إن قطر كانت طوال سنوات ترأس القمة التي تأجل موعد عقدها في بغداد طويلا ,وقد إستثمرت تلك الرئاسة في عزل نظام القذافي في ليبيا ثم نقلت ملفه الى مجلس الأمن,وهاهي تعيد الكرة مع دمشق,لكنها تواجه بصعوبات حقيقية بسبب مواقف الصين ,وروسيا ولإيران, وجنوب أفريقيا ,ودول في امريكا اللاتينية, ودول في الجامعة كالجزائر ,وموريتانيا, والعراق ,ثم هي تتعرض لضربة قاسية, فعليها أن تسلم الراية الى الرئيس الجديد( العراق), وهو ماسيؤدي بالحتم الى تخفيف الحماس القطري, ووضع العراقيل في طريقه ,إذ ليس من السهل التعاطي مع شخص( جرئ جدا) مثل المالكي سيقاتل لكي لاتتمكن السعودية وقطر من تسيير الجامعة بالطريقة التي تريدان.
هي ورطة بالفعل لدول عدة ستشارك,وستثير القمة زوابع سياسية وإعلامية وستفجر أزمات ,ومواقف قد تنعكس سلبا على الواقع العربي,لكن المهم الآن هو مالذي سيجنيه بلد مثل العراق مر على تجاوزه العاصفة أكثر من ثمان سنوات تلت الإحتلال الامريكي,مثلما أن عقد القمة في العراق يشير الى طبيعة التحول,وهو مايؤكد قدرة العراق على المضي الى أمام بعد أن صار العرب في حال كان يرونها شاذة عاشها العراق تمثلت في الصدام القومي, والطائفي, والسياسي, والتدخل الأجنبي ,والتداخل الإقليمي في شؤونه,فهاهي بلاد العرب تعاني الفوضى والخراب من المغرب الى المشرق, وبعضها لم يستطع الى الآن توفير حكم طبيعي لشعوبها, ولا أن تنتخب رئيسا يمثلها في الإستحقاقات المقبلة,على العراق إذن ان يستثمر خراب البلدان العربية, وضعف سواها ,وتردد أخرى, وحيرة بعضها, وهو أمر لن تنجو منه دولة على الإطلاق.