الدكتور زاحم محمد الشمري
أنا لست فقيهاً في الدين أو صاحب فتوى … ولا حافظاً للقرآن الكريم … لكنني قاريء للقرآن وأحفظ بعض الآيات القرآنية القصيرة وأتمعن بها … وكثيراً ما سمعت الحديث، وآخره ما جاء في مقاطع الفيديو لاحدى القنوات العربية الذي نشر على صفحات شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، والذي تحدث فيه عدد من رجال الدين العرب عن إجازة الإسلام للرجل أو الزوج “ضرب” الزوجة أو المرأة بشكل عام استناداً الى الآية القرآنية الكريمة التي نصها: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.”
وبما أن دراستي للدكتوراه في اختصاص “الأدب الألماني الحديث” بجامعة هومبولدت في برلين كانت تتناول الحوار الحضاري والتسامح بين الأديان، وتركز أكثر فصولها على رؤية رائد حركة التنوير الألماني (غوتهولد أفرايم لسنغ) الإيجابية للإسلام في القرن الثامن عشر وتأثير ذلك على أفكار حركة التنوير الأوربية، وفيها من النقد والتحليل الشيء الكثير، وكان من ضمن المواضيع التي تناولتها الدراسة هو دور المرأة المسلمة وحقوقها وواجباتها في الشريعة الإسلامية، وكذلك المساواة بينها وبين الرجل … فكان لزاماً عليَّ ان أُجيبَ على السؤال الآتي الذي يُطرح دائماً للنقاش في الغرب والشرق: لماذا يبيح الإسلام ضرب الزوجة أو المرأة بشكل عام، علماَ بأن هذا الأمر مخالف لحقوق الإنسان والقيم السماوية والمساواة بين الجنسين؟!
عندها أخذت أفكر وأتمعن في هذه الآية الكريمة وأقارنها بآياتٍ وأحاديث أخرى لمدة ثلاثة سنوات تقريباً لكي أجد اجابة مقنعة لهذا السؤال. حيث بدأت بمدى استجابة العقل والمنطق لهذا الأمر، فوجدتُ عملية “الضرب” منافية للعقل والمنطق … بعدها فكرتُ بأن أُحلل هذا المقطع في الآية ” وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ” وأبحث في اعرابهِ ومعاني كلماتهِ، متسائلاً: ماذا يحصل لو قدمنا وأخرنا في مواقع الكلمات؟ ولماذا وجدتْ كلمة “الضرب” في نهاية المقطع ولم تذكر في بدايته؟ باعتبار أن الفعل يبدأ عادة بـ “الضرب” اذا كانت المشكلة بالغة الخطورة الى هذا الحد وتستحق العقاب، بعد ذلك تأتي المقاطعة، أي “الهجران” والزعل بين الاثنين الرجل والمرأة.
فعند البحث في أصل الفعل “واهجروهن”، نرى أن له معاني عديدة منها: “اتركوهن”، و “أبتعدوا عنهن” … الخ. … أما كلمة “مضجع” فتعني “الفراش”، و “السرير”، و “مرسى السفينة”، و “السكن”، التي منها اشتقت كلمة مسكون ايضاً، أي إن كلمة “مضجع” لاتعني بالضرورة “فراش النوم” فقط، وإنما السكن أو المكان الذي يتواجد فيه المرء … ونقول: قض مضجعه، أي المكان الذي يتواجد فيه … ومضاجع الغيث، أي أماكن مساقطه… الخ. … وأما كلمة “ضرب” فلها عدة معاني ايضاً مثل: “صدَّ”، بمعنى منع أو حبس، أو أبقى على الشخص في مكانٍ ما، و “ضرب”، بمعنى قام بالاضراب عن العمل، وامتنع عن الخروج، وأضرب عن الطعام، أي امتنع عن تناوله، ونضرب، يضرب، اضراب، أي نمتنع عن فعل الشيء، وهكذا إذا جاء الفعل في صيغة الأمر، و بمعنى “كبح” ، و”منع”، و”نضربُ” بمعنى نبين كما في قوله تعالى: “﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾” (الحشر: 21) … الخ.
والآن نعودُ الى قوله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ …” يبين الله تعالى هنا إن الزوجة أو المرأة لم ترتكب المعصية أو الفاحشة بعد حتى يقام عليها الحد بـ “الضرب” أو “الجلد” … كما في قوله تعالى: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة …” والتي تبين المساواة بين الرجل والمرأة في العقوبة ايضاً … حيث لايوجد دليل على إن الزوجة ارتكبت المعصية أو النشوز حتى تعاقب بالضرب أو الجلد، ولكن إذا كان هناك “خوف” أو “شك” لدى الازواج من “نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع”، اي الامتناع عن معاشرة الزوجة والحديث معها. و”المضجعُ” هنا لا يعني بالضرورة “سرير النوم” فقط، وإنما المكان الذي تتواجد فيه الزوجة، أي بيتها أيضاً.
ففي المعنى العام للآية الكريمة مازالت الزوجة في “””المضجع”””، أي في البيت، حين هجرتها اولاً، أي امتنعت عن معاشرتها والكلام معها ربما ايضاً … فليس من المنطق أن تبقى المرأة تنتظر الرجل في الفراش الى مالا نهاية … وبعدها يقول تعالى “واضربوهن”، التي جاءت معطوفة على ما قبلها، بمعنى واضربوهن في المضاجع (للتوضيح)، أي في البيوت، بمعنى امنعوهنَّ من الخروج واحبسوهنَّ في بيوتهنَّ. حيث جاء في الآية الكريمة “واهجروهن في المضاجع” لتبيان طبيعة العقوبة الاولى، أما العقوبة الثانية فهي معرفة مكانياً، وتعني الحجر أو الحبس أو منع الزوجة من خروج البيت، اذا كان لدى الزوج شك في تصرفاتها والخوف من نشوزها.
وعليه فقد تم تقديم فعل الأمر “واهجروهن” على “واضربوهن”، فلو كان هناك ضرب، أي عقوبة، في الموضوع لتم تقديم الفعل “واضربوهن” على “واهجروهن”، وتكون الآية على النحو الاتي: “واضربوهن واهجروهن في المضاجع” (للتوضيح)، لأن في طبيعة الحال وعند تنفيذ العقوبة يأتي “الضرب” في المرتبة الاولى و”الهجران” وربما الانفصال ثانياً.
وبما انه مازالت الزوجة بريئة ولم تثبت عليها التهمة وادانتها حتى يقام عليها الحد كما اسلفنا، فان عقوبة عدم معاشرتها والحديث معها ومنعها من الخروج، أي حبسها في البيت، كفيلة بان تجعلها تطيع زوجها وتسغي اليه في كثير من الامور حسب الآية الكريمة، اذا كانت أمرأة صالحة ولم تركتب الفاحشة التي تستوجب إقامة الحد عليها بالضرب، أي الجلد دون ذنب حسب المفسرين، والذي يكون منافياً لتعاليم الإسلام حسب ما جاء في الآية الكريمة موضوع البحث ايضاً، “فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ”، وآيات كريمة أخرى.
فلا أعتقد اطلاقاً، ولا أُمن ابداً، بأن هناك معنى للضرب الحقيقي في الفعل “واضربوهن”، الذي ذكر في الآية الكريمة والذي يبيح للزوج ضرب الزوجة قبل نشوزها حسب المفسرين من رجال الدين والفقهاء الذين تحدثوا على شاشات التلفاز في احدى القنوات العربية … لكنني أرى بان معنى الآية الكريمة “وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ” فيه نوع من المرونة اللغوية ويحتمل التأويل والتقديم والتأخير في مواضع الكلمات “””حين التفسير””” بحيث لا تفقد الآية الكريمة المعنى العام لها وتكون قريبة الى “التحريف” و”التخريف” منها الى بيان الحقيقة، فالضرب هنا جاء بمعنى المنع، أي امنعوهن من الخروج وليقرنَّ في بيوتهنَّ … وعليه نستطيع القول بأن ضرب الزوجة غير جائزٍ في القرآن بهذا المعنى.
أتمنى أن أكون قد وفقت بهذا الطرح، الذي لايخلو من الحقيقة “صعبة الهضم” حسب اعتقادي المتواضع، وأدعوا السادة رجال الدين الذين تحدثوا في هذا الموضوع الى التفكير ملياً بالأمر وأن يراجعوا انفسهم قبل أن يحكموا ويطلقوا التصريحات الرنانة التي تسيء للإسلام وأهله بشكل مباشر في زمن نحن بأمس الحاجة فيه الى العقلانية والتوازن في الفكر والتفكير، وحتى لا يجعلوا من المؤسسة الدينية الإسلامية مؤسسة مدعاة للسخرية والتخريف ومستهلكة للثقافات الأخرى … أو يلزموا الصمت وذلك أضعف الإيمان … يكفينا ما نحن فيه فلا تزيدوا جراحاتنا عمقاً … ورفقا بالقوارير، كما قالها رسول الرحمة، اللاتي هنَّ أمهاتكم وأخواتكم وحبيباتكم، وليس فقط زوجاتكم اللاتي تحللون ضربهنَّ.
أما اذا كانت هناك خطوط حمراء تحمي التفسير الخاطيء أو الضعيف للآيات القرآنية بما يسيء للإسلام وأهله فهذا بحث آخر ندفع ثمنه في كل لحظة تمر في حياتنا … وأقول لمن يهمهم الأمر أيضاً: أعلموا أن الأفكار والطروحات لا تقوَّم ويصل بها المرء الى درجة الكمال إلا من خلال النقد البناء وعدم الإصرار على الخطأ والرأي الأوحد، وهذا هو سر تفقوق الغرب على الشرق. .. مع خالص احترامي وتقديري لآراء ووجهات نظر المفسرين والقراء التي يؤمنون بها.
يرجى الاطلاع على ما جاء في هذا الرابط لتتضح الصورة،
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=YtkkjkN4yZE