عبدالاميرالركابي
يحاول البعض الايهام بان ماتمر به المنطقة والعراق في مقدمتها، ومعه العالم، هو ممايمكن معالجته باستعمال الداء الذي اورثه، وتسبب فيه، من نوع الأفكار المنقولة عن الغرب ابان طوره الحديث المنقضي الى غير رجعه، ومايتصل بها من مشاريع الدول المدنيه، ودول المواطنه، وما الى ذلك من أنماط دول تعود للنموذج الغربي. لا احد يقول من بين النفر “النظيف” من انحطاطيي الانحطاط، او يمكن ان يخطر له، ان مايدعو له، هو الذي افضى بالأحرى وأخيرا الى ماهو حاصل وقائم، او ماقد انكشف من أنواع “دول” وسياسات وأفكار، وان كون هذه القوة او تلك قد وقفت في المعارضة يوما، او دائما، وكانت ضمن معسكر الدعوة الى الإصلاح، لم تكن اكثر من، او هي بالأحرى قوة تكريس للقائم، بما هي حالة تبرير للممكن المتوخى على اعتباره “واقعا” مفروضا، لا مهرب منه، مطلوب ومصادق عليه حتى من حيث تكون بعض اشكاله او ممارساته مرفوضة، الامر الذي تعود تلك القوى لتكراره ضمن اتعس الظروف والحالات التي انتهى اليها وافضى، وهي التي نظرت باسمه، وباسم طبعاته المحسنه ان وجدت، على مدى قرنين، وهي تنادي به كقدر لافكاك منه.
يذكر هذا الملمح البارز للتدليل على عظم وفداحة المازق الحال على الواقع المتردي المعاش، باعتباره مظهر وشكل تجلي للانسداد الأصلي، المبتدء مع زمن الانحطاط الثاني، وكيفيات تشكله وقد قارب لحظة التفارق الأقصى مع الواقع الذي كان بالأمس يدعي التعبير عنه، او “تمثيله” باسم ماسواه، وبناء على طغيان الغرب ونموذجه وافكارة، ذلك مع العلم ان مثل هذا الاجترار المقيت، وقد ثبتت عدم صلاحيته التامه، مازال يجد بعض المنافذ المرضية التي قد تبرره كصوت مستنكر ومعترض، ضمن حال مايزال مغلقا، ولم يعرف بعد ماهو منتظر ولازم لزوما حاسما من انقلاب في الأفكار والتصورات، لاحل من دونه، ومن دون تحوله الى افق ومشروع حياة تاريخي، كان ومايزال منتظرامنذ قرون.
مالذي يترتب على الفرضية أعلاه عند الممارسة، وفي الواقع كما هو ماثل اليوم، لاشك ان الحاصل وبعض مظاهره، يبدو حاليا بحاجة وبناء على ماهو مترسب من ازمان التماهي مع الغرب، واستمرار غياب المطلوب كبديل، من نوع التازم المركب، خصوصا حين تبدو اشكال التحرك الجماهيري، وبعض دالات النهوض، بلا افق من نوعها ومتطابق مع جوهرها غير المتجسد بعد، فلايعود هنالك مايمكن النظر من خلاله، او التفكيرانطلاقا منه، بمايجعل الحراكات المختلفة مكتمله العناصر، او على الأقل متوفرة على الحد الأدنى الضروري من أسباب ومقتضيات المشروع المضاد والبديل لماهو قائم، حتى وان بدا متهالكا ومنحدرا متحللا وايلا للزوال.
والاهم الطاغي، العميق الأثر في عموم مجريات الأوضاع، هو طابعها التاريخي النوعي الفاصل، والفريد الذي بلا سوابق ولا مقدمات او مؤشرات يمكن ان تأخذ اليه، وتدل على نوعه، مايجعل للحالة التعييرية الحالية، شكل ونمط تشكل انقلابي، لاضمن المراحل بحسب ماهي معلومة اليوم او متعرف عليها، فالمنطقة التي نحن بصدد الحديث عنها، وفي مقدمها العراق/ ارض مابين النهرين، يمر حاليا بنمط انقلاب تاريخي مؤجل ومطموس لاسباب مركبه، موضوعية ذاتية، وعالمية تصيرية تاريخيه، مراحليه، اقتضت قبل قرنين من الزمن، الوقوع تحت طائلة هيمنة ظرف عالمي انتقالي عابر، كرسته وجعلته ممكنا، اشتراطات الانتظار/ الانحطاط، وتعذر الانتقال الى الرؤية المطابقة تاريخيا ووجوديا.
وقد يبدو مثل هذا التوصيف للحالة، او اللحظة من قبيل ما يضع التوثب الراهن واشكال ” الثورة”، امام امتحان غاية في الصعوبة، ووقتها تكون العوامل المتراكمه الذاتيه منها، ومن حركة العالم، حاضرة، ومانعه لمحاولة التشوف الفعليه المطابقة للضرورة، وأول ملامحها ” التعبيرالكوني الثاني” الضروري، ليس ذاتيا ومناطقيا شرق متوسطيا، بل عالميا وعلى مستوى المعمورة،.وكما يبدو اليوم فان المستهدف والمقصود، هو اشكال من نظم وحكومات وانماط تنظيم وطرائق حياة، مهترئة وفاسده، خرجت من الاستعمال، مع ان زوالها مايزال غير ممكن فعليا من دون زوال وانتهاء اثر متبقيات المتراكم من أفكار الاستعارة الباليه، التي ماتزال تحاول الإجابة على التساؤلات الكبرى، المتعدية لها كشرط للتغيير الأكبر، المطلوب والمتضمن المضمر في اللحظة التاريخيه.
تقف المنطقة اليوم على مشارف “الابراهيمية الثانيه” مابعد النبوية، التحولية بعد الطور النبوي الأول البنيوي المفتقر للعوامل التحولية المادية، وقد صارت اشتراطاتها المادية والتصيرية التاريخيه متوفره، والأسباب الحياتيه البشرية المجتمعية مهيأة وقريبه من مغادرة ازمان الأحادية والتابيديه.هذا التطور والانعطاف الأكبر، يوافق حقيقة ضائعه ومطموسه أساسها القول بان العالم والمجتمعات هي خارطة موحدة منذ وجدت بداية حين نضجت، بعد ان توفرت فيها أسباب وعوامل “التحول” كشرط لاكتمالها كظاهرة وضرورة، لتبدا من وقتها عملية الانتقال منها ومن شكلها الأول، الى مابعدها، وتعرف أولا شكل الرؤية التحولية البنيوية الصادرة عن البؤرة البنيوية الرافدينيه، باعتبارها رؤية وطن/ كونية تحوليه شامله، بانتظار جمله التفاعلات اللاحقة، وصولا الى اللحظة الحاليه، حيث يغدو العالم اليوم ومن هنا فصاعدا، مشمولا ب، وخاضعا لاليات الانتقال والتحول، بعد ان اكتملت مقوماته المادية، وعناصره ومحركاته الضرورية.
وماقد تقدم بحد ذاته، ينقلنا حتما للتفكير بعالمين ليس ايقاعهما متماثلا، او من الواجب استحضار وقعه الواعي او غير الواعي لاسباغه على سواه، فمسار التغيير، او الايقاعات المعروفة والمرسومه للتغيير ضمن اشتراطات ازمان بذاتها متماثلة، ومنها وبمقدمها الثورات والانقلابات الكبرى، كما تعرف، او هي ماثلة في الاذهان تصورا، ليس من المنطقي الاعتقاد بانسحابها واشكال تجليها، او تفاعل عناصرها ابان ازمان أخرى، ذلك انها وكما نجزم مختلفة نوعا، ومن نمط وبنية غير تلك المتصورة او المستعارة من خارج الواقع المعاش والياته، واشكال تجليه، كذلك فان نوع التفاعلات المنتظرة والمتوقعة من هنا فصاعدا، بحسب المقدر قياسا على الانقلابيه الثانيه النهائية، والنافيه للمجتمعية، وحكم استمرارها السابق المنقضي، يجب ان ينظر لها كما هي، وبما هي عليه من ناحية عوامل استنفاد الصلاحية ومسبباتها.
فلا مجتمعية متوافقة العناصر بنيويا داخليا بعد اليوم، ولا مع المحيط البيئي، لامن حيث اليات وصلاحية العملية المنتجية وممكنات استمرارها، ولا على صعيد التوافقية التي كانت متاحة بوجه عمومي مع البيئة الأرضية والطبيعة، حيث الأرجح حلول طور من الاختلال المتزايد والاقصى، بما يولد ويفاقم أجواء المواجهة البشرية مع البيئه، بصيغتها الطاردة ذهابا الى تعميم نمط العيش على حافة الفناء، ومايستثيره من اشكال تفاعل مع الحياة والأرض، على اعتبار التغيير او التبدل النوعي في شكل حضور العامل البيئي التصيري التاريخس النشوئي، وتبدل اشكال فعله وحضوره، بحيث تتطابق الحالة لهذه الجهة، على مستوى المعمورة مع تلك التي كانت قد عرفت بشكل من اشكالها الأولية، في البؤرة الأصل الرافدينه، وكانت وراء تاريخها التحولي المحكوم للدورات والانقطاعات، وصولا الى الشكل الحالي منه، والذي يبدأ من عام 1980 مع الحرب العراقية الايرانيه، حين دخل تاريخ العراق من يومه زمن العيش الثاني على حافة الفناء، حروبا كبرى واضطراب بنى، وتخلخل اقصى وعنف معمم على الصعد كافة.
لن يصبح العالم والمنطقة والعراق الحالي على مقربة من الحقيقة المستجدة الاخذه بالهيمنه على العالم، وعلى الوجود البشري، من دون صراعية وتداخل وتناقضية حادة قصوى،بين تشكل الرؤية الثانية التحولية التي ستواجه بكل ماهو متوفر وممكن من اشكال الرفض والطرد، بالاستعانة بكل ترسانه التعود المديد، مع الرغبة البديهية المتوطنة النازعه الى مد عمر الازمان المنقضية، بمجرد مقارنتها تخيلا بما هو مشار اليه، ومنبه الى قرب حلوله، بوجهه الكوارثي، واحتمالاته المكربة، واهم ماسيكون من خاصيات اليوم مع تبلور الرؤية الثانيه التحوليه، كونها ستكون محكومة من حيث القبول بها، بالكوارثية، وبالانحدار المستمر في شروط الوجود والعيش كدالة تصديق، قبل ان تؤخذ باعتبارها ضرورة ولازمة لاعقال العالم في لحظة تغير وانقلاب مساره الأكبر، الموضوعي، الخارج عن إرادة أي من الفاعلين، والذي هو حقيقة كامنه ومطوية بالاصل، كانت حاضرة ضمن وجود الكائن البشري المجتمعي والمجتمعات منذ وجدت.
ليس بيدنا، ولا مماهو من اختصاصنا راهنا وانيا، ان نعين شكل الثورة العقلية التي ينتظرها العالم اليوم، بينما هو يتهيأ للعبور خلال اخطر ماقد عرفه من قبل، وما كان خبره على الصعد كافه، ولنكن بداية على علم، باننا امام عمليه تخلّق آخرمستجد، هي من نوع تلك التي اخذتنا من الخلية الأولى، الى التحولية الأولى الحيوانيه، قبل انبثاق العقل، واننا الان/ كعقل/ على مشارف مغادرة الجسد والأرض، بعد ان انتهى مايوجب العيش والاستيطان فيها من ضرورات التصيّر الذاهب بالكائن الحي الى الاكوان العليا، قبل ان يصير بإمكاننا تقدير او تخيل نوعها.