خوف مبطن بالسكوت
بأنفها المزكوم
وثوبها العتيق الملوث بالهباب
وأقدامها الموحلة بالطين الاحمر
وبيديها المتورمتين من شدة البرد
تلم الحطب لتكدسهُ عند بابها
ليكن جاهزاً للشتاءبأيامهِ الثقيلة.
تسعلُ بين فينة والاخرى بشدة
تقف وهلة
ثم تعاود عملها المضني
بيما زوجها الكهل
جالساًعند النافذة بالقرب من المدفئة
التي تلتهم الحطب الذي تعدهُ بفمٍ شهي
يراقبها بهدوء وعلى ظهرهِ بندقية صيد قديمة
مزمجرة .
ليحسسها بالامان هناك من يحرسها على الدوام.
ولا تعرف مما يحرسها من هذا المكان النائي
منذان تركوا اهل القرية قريتهم لم يعد احد اليها
سوى هم وبضع عجائز دلكتهم المدن البعيدة جاءوا
ليموتوا مطمئنين في قريتهم
التي تعرضت للنهب والسلب
على ايادي كانت دائما تلوح لهم دائما بالسلام
بعد كل ذلك الذي مر به اليوم عاد مطمئنين
فالمكان مقفر
خالي الا من بعض الثعالب
التي احيانا تجول حول المنطقة
باحثة عن الارانب
وعن اناساً تقتني بعض الفضة؟
فهي لم تعد تخاف من احد
لان ليس هناك من يخسر طلقتهِ على عجوزمريضة
فركلةِواحدة كفلية بقتلها
هي تخاف منه ومن غرورهِ تخشى يوماً قد ينفلتُ منه العيار بقصد او دون قصد ويصيبها اويصيبُ نفسه المحطمة منذ رحيل ابناءهِ الست
باحثين عن مكان آمن ليآويهم فمنذ ان انقطعت اخبارهم هو يشكُ في مكوثه وحيدا برفقة زوجة المريضة في بيته العتيق منذ ان انتبه ان العمر بدء يخذلهُ
بدأت تساورهُ شكوك مريبةحول بقاءهما حياً
وحول مكوثها هي بجانبه مجبرة منذ ان تركها الجميع دفعة واحدة
كما إن سكوتها يوجعهُ وصوت غليان القدر افزعهُ حد الذي جعله يصرخ عبر النافذة بها قائلاً
هيا تعالي ادخلي فالجو قارص وملابسك خفيفة ادخلي يا حبيبتي جهزي لنا الطعام .
تجيب بعصبية وهي تربط حزمة حطب لتدخله الى للبيت
كعادتك منذ ان اكتشفت انك لم تعد تقوى على فعل شيء
ولم تعد تمييز بين صوت القدر وصوت الانفجارات والقصف العشوائي
وبين اصوات اطلاق النار الصيادين وبين اطلاقات قطاع الطرق
اطمئن كل شيء بخير ما دام ابناءنا في مكان بعيد وآمن كما نعتقد او يعتقدون هم اما انا وانت فأن يد القدير
هي التي تحرسنا لا بندقيتك التي لا تقوى على قتل فأر ميت
وضع بندقيته جانباً تحرك ببطء بعد ان فتل شاربه الكث الابيض
لحمل عنها الحزمة الثقيلة اما هي اتجهت فورا الى حيث قدرها لتجهز الطعام وهي تنظر بشؤم وخوف شديد ا
لى تك البندقية القديمة بعد ان رتب الحطب خلف باب على بعضه وقف خلفها ماسدا خوفها بيده التي ترتجف بحكم العمر
قائلاً الا زلتِ تخافين منها يانصفي الاخر لا بل يا كلي انا
هل هناك من يؤذي نفيسه .انظري الى حالينا لقد غدونا احمقين او عالتين كل عالة على الاخر وبأسم عشرة العمر لقد اصبح كل منا في داخل الاخر
بكلامه الموزون والجاد ازال بعضاً من مخاوفها وبدأت تزرر له ازراره الذي لم يعد يقوىعلى ازرارها
وهي ترد بود انت تعرف انت كل حياتي
انا اخاف منك
منذ ان تغيرت احوالك فالذي تبقيا لنا لم يعد يرضيك
ضمها بيديه الواهنتين قائلاً
انا لست كذلك وانما آسير مخاوف الغد الذي يلازمني طيلة الوقت
واثار اقدام الغرباء التي اتبعها دون علم منكِ احياناً
كل خوفي من ان يقتحمني يوما لصاً ويسرقك مني عندما لن يجد ما يريد سرقتهِ قد يسرق مني عينيك الواسعتين وجسدك المكتنز ويلتهم شفيتيك المكتنزين
آه يا حبيبتي المكتنزة كم اخاف عليك فأنتِ كنزي الذي احتفظت به بعد ان خسرت كل تحوشة العمر
على سفر ابناءنا فلم اعد املك غير هذه الحياة الردية وانتِ.
قامت بدفعه بلطف عنها
وهي تفتح غطاء القدر
تصاعدت الابخرة ورائحة البهارات منها
اخذت تضحك عليه قائلة
يا رجل اتقي الله هل انت مجنون
عن اي جمال تتحدث انا جميلة فقط بمخيلتك انظر الي جيدا
لقد تيبس جسدي وجفت اوصالي والزكام لا يفارقني
وخاصرتي تؤلمني وانت تمضي الوقت مصوباً بندقيتك نحوي او نحو شبحاً لم اراهُ
تارة تصوبها نحو الطريق وتارة نحو السماء
يا رجل اسكت وتعال وشم رائحة الطعام
واخبرني هل اعجبتك رائحته ايها العجوز الطيب
ثم اضافت وهي تقهقهُ بصوت مبحوح اذهب واجلس على المائدة
دعني ارتب المائدة
جلس كعادته في الصدر واخذت هي تصب الاكل
ثم سمعت وهو ينهرها تطبخين لحم الصيد الذي اصيده لك وتنكرين الجميل
ردت عليه بخبث عجوز طيبة
كل يا رجل لم تصده بل سقط في الشرك الذي نصبته في الحقل كف عن المديح
واشكر حسناتي انت تعرف هناك فرق بين الصيد وبين السقوط في الشرك كما اسقطتني يوما بشركك. كُل يارجل وانت صامتاً
فتل شاربه قائلاً كنتِ اثمن صيد في حياتي
شرع في الاكل بين لقمةٍ واخرى يتذكران ابناءهما قائلين ليتهما كانا معنا على المائدة ..
وبندقية القديمة المزمجرة قابعة عند النافذة مدهونة جاهزة لإستقبال لصاً اودخيلاً تسولهُ نفسهُ ويقتحم بيتهم الآمن حسب ظنهما…!
هي لا تخاف من الغد بل تخافهُ هو..
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا