هل يورط الكاظمي العراق بديون هائلة محاباة لإقليم كردستان؟
صلاح حسن بابان
عاد الحديث مجددا عن اشتراط الكرد تحمل العراق الديون المترتبة على إقليم كردستان للشركات النفطية الأجنبية العاملة فيها خلال عامي 2014 و2018، والتي تقدر بـ30 مليار دولار، مقابل دعم رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الانتخابات المقبلة.
وعُرف عن الكرد مواقف صارمة مع اقتراب الانتخابات، إزاء الاتفاقات والمشاكل السياسية والاقتصادية بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم في أربيل، معتقدين بقدرتهم على قلب المعادلة لصالح المرشح الذي ينفذ مطالبهم وطموحهم، ولا سيما في ما يتعلق بالمناصب والمستحقات المالية.
هل يتكرر سيناريو 2010؟
قد يتكرر نفس سيناريو عام 2010 عندما تشكلت الحكومة العراقية، حيث حصل الأكراد حينها على مكاسب اقتصادية ومناصب سياسية، عندما منحوا الثقة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لولاية ثانية في اتفاقية عُرفت آنذاك باتفاقية أربيل.
وتمكن الأكراد حينها من قلب المعادلة لصالح المالكي، بعد اشتداد الخلافات حول الكتلة البرلمانية الأكبر التي تشكل الحكومة، والتي كانت القائمة العراقية بقيادة إياد علاوي تطالب بأحقيتها بتشكيل الحكومة على اعتبار أنها الكتلة الأكبر.
ومؤخرا سرّب صحفيون وناشطون معلومات عن اتفاق شبه رسمي -بين الكاظمي والزعيم الكردي مسعود البارزاني- يتضمن تحمل الحكومة المركزية الديون المستحقة للشركات النفطية الأجنبية العاملة بالإقليم بدون موافقة الحكومة الاتحادية منذ العام 2014، والبالغة قيمتها نحو 30 مليار دولار، إضافة إلى دفع رواتب قوات البشمركة الكردية التي تقدر بـ912 مليار دينار عراقي (736 مليون دولار) سنويا، مقابل دعمه في الانتخابات المقبلة.
وبدأ الكاظمي -وفقا لمراقبين- أولى خطواته لتنفيذ ذلك بالموافقة على دراسة هذه الديون، على أن تُشكل بعدها لجنة أخرى من ديوان الرقابة المالية الاتحادية والإقليم لمراجعة تلك الديون، في إشارة فُسّرت على أنها تمهيد لتحمل بغداد لها.
وتحتاج مثل هذه الخطوات وغيرها إلى تشريعات يصوّت عليها البرلمان العراقي، وليس بمقدور الكاظمي اتخاذ القرار بنفسه وهو الذي لا يمتلك أي كتلة برلمانية تدعمه داخل المجلس، كما يرى ذلك المحلل السياسي حسين الركابي، داعيا إلى تشكيل لجنة ممثلة عن المستوى السياسي والقانوني والاجتماعي من قبل البرلمان لمراجعة بنود الدستور والاتفاقات السياسية السابقة بين بغداد وأربيل.
وتختلف حكومة الكاظمي عن المالكي، والأخير كان لديه 105 مقاعد برلمانية عندما كان رئيسا للوزراء خلال 2006-2014، وسيّر الكثير من القوانين والتشريعات من خلال كتلته، لكن الأمر يختلف الآن مع الكاظمي ومراقبة الشعب لجميع القرارات والتشريعات التي تصدر بوجوده باستمرار على أبواب المنطقة الخضراء، على عكس ما كان في زمن المالكي. هكذا يرد الركابي على سؤال للجزيرة نت، عن احتمالية تكرار سيناريو 2010 ما بين الكرد والكاظمي.
رقابة برلمانية
وإذا حاول الكاظمي منح الكرد مكاسب سياسية أو مالية، فسيكون تحت أنظار ومراقبة شديدة من قبل جميع الأحزاب والكتل السياسية، ولا سيما التي تعارضه وتراقب أداءه وأداء حكومته عن كثب -حسب الركابي- مؤكدا أن نظرية الكاظمي السياسية تختلف عن الحكومات السابقة، ويسعى أن لا يفتح أي جبهة معاكسة مع أي طرف سواء كان دوليا أو محليا حتى مع كردستان، في وقت تمر حكومته بمآزق عدة أبرزها الانهيار الاقتصادي وتأخر دفع الرواتب وسط الحديث عن استقطاع ما نسبته 30% منها، ووجود أفواج من الأرامل والأيتام.
وحددت نسبة إقليم كردستان في الموازنة العامة العراقية للسنة المالية 2020 بـ12.67% -حسب المعلومات المسربة- مع تحديد حصة قوات البشمركة الكردية بـ736 مليون دولار سنويا.
وتضم الموازنة العامة للسنة المذكورة مادتين تتعلقان بتصفية الديون والحسابات بين كردستان وبغداد منذ العام 2014 وحتى العام 2018، أما بخصوص الديون والتزامات الإقليم التي جرى الحديث بشأنها، فإن فيها مادة تلزمه بالكشف عن كل البيانات، لكي يتم معرفة لماذا تم الاقتراض، وما هي القروض المتراكمة، على أن تكون خلال مدة 30 يوما.
أرقام مرعبة
وستحمّل هذه الأرقام -إن صحّت دقتها- العراق مبالغ طائلة وعبئا اقتصاديا كبيرا سوف يمتد إلى الأجيال القادمة، وستجعله مديونا للإقليم لعشرات السنوات، حسب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية كاطع الركابي، واصفا للجزيرة نت هذه الأرقام بـ”المخيفة والمرعبة”.
واستبعد الركابي أن يوافق الكاظمي على هذا الأمر في وقت يؤكد الأخير أنه لم يتقدم بعد في الانتخابات المبكرة المقبلة، سواء كان على مستوى رئاسة الوزراء أو عضوية البرلمان، محذرا من نشر هكذا أنباء من شأنها أن تربك الواقع السياسي في البلاد.
وكان مجلس الوزراء العراقي قد أرسل الموازنة السنوية العامة إلى مجلس النواب قبل نحو أسبوعين، إلا أنه تم استرجاعها بعد ساعتين بحجة وجود أخطاء فيها، ولا يزال النواب بانتظار إرسال الموازنة بعد تصحيحها لمناقشتها والتصويت.
وتعليقا على الموضوع، يقول رئيس كتلة المستقبل الكردية في البرلمان العراقي رابون معروف، إنه من الضروري أن يتم التحقيق في الديون المتراكمة على كردستان والتحري عن طريقة صرفها، ومن ثم إيضاح من أين تم الاقتراض وعلى أي شيء تم صرفها.
وأضاف للجزيرة نت، أنه في حال تبين أن تلك القروض تم صرفها بصورة قانونية ولمصلحة الشعب فإن الأمر يقتضي إيجاد حل لها.
ودعا النائب الكردي إلى محاسبة المقصرين قانونيا في حال ثبت أن هذه القروض تمت بصورة مخالفة للقانون أو تم صرفها لمصلحة أشخاص بعيدا عن مصلحة الشعب، وكشف عن وجود حوارات مستمرة بين حكومة كردستان والحكومة الاتحادية، وعلى مستويات عديدة من أجل الوصول إلى اتفاق حول القضايا والملفات العالقة والمختلفة بين بغداد وأربيل.
وأعرب معروف عن تأييده لتفاهم الطرفين والتوصل إلى اتفاق شريطة أن يكون شاملا وشفافا، وأن يستند على أسس الدستور ويضمن حقوق الإقليم.