هل يصنع النقد أدبا ؟؟
النقد الادبي عمل مصاحب للعملية الابداعية ، او يأتي بعدها بقليل ، واي قاريء يمكن ان يكون ناقدا مهما كانت درجة ثقافته ، فعندما نقرا نصا ادبيا ، سواء حاز على اعجابنا او لم يحز ، فان موقفنا ذاك يعتبر نوعا من النقد الادبي ، فالنقد يبدأ بانطباع عن النص المكتوب، وينتهي بحكم لصالح العمل الادبي او ضده ، والنقد المبني على حكم معين ، يصاحبه ذوق مرهف مصقول وثقافة متنوعة ، وادراك واسع بجدوى الادب ومميزاته ،واهمية انتقاء اللفظة المحددة وبناء الجملة ،ووضعها مع الجمل الاخرى، لصياغة نص يثير الاعجاب في المتلقي ، فماذا يمكن ان يضيفه النقد للعملية الابداعية ؟ وهل يمكن ان يصنع اديبا مميزا، قادرا على الاتيان بنص جميل متقن ، تتوفر فيه شروط الابداع من موهبة صقيلة وتدريب متواصل ، وحرص كبير على التأثير في المتلقي، وجعله يتخذ عين الموقف الذي وجده الكاتب ،معبرا عن الحقيقة الروحية او الفكرية او العاطفية ، التي يراها المبدع في وقت الكتابة.
والنقد باعتباره فن التمييز بين الاساليب ، او هو القدرة على ايجاد الخصائص الادبية في عمل محدد ، وهو ايضا فن دراسة النصوص الادبية وتقويمها ، ومن ثم تقييمها وفق منهج علمي ، يتحرّى اخراج الزائف من النصوص ، اي تلك التي لاتتوفر فيها الجمالية المطلوبة ، من توازن الشكل والمعنى باسلوب ممتع ومفيد معا ، فما الذي يمكن للنقد الادبي ان يقدمه للكاتب، في ميدان تطوير ادواته الفنية ,، وصقل موهبته ، وتنمية ابداعه وتطويره نحو الافضل والاجمل والارقى ؟ ، وهل يمكن للناقد ان يؤثر على الاديب ، فيدفعه الى اتقان لغته مثلا ، او تجميل وسائل التعبير ، التي يلجأ اليها ، حين تدعوه الكتابة اليها مرحبة وباشة فاتحة الذراعين ، لتحدثه فيسمع لها مصغيا ، ومن ذلك الناقد الذي استطاع ان يغير مسار الاديب ؟ ويجعله يبدل من طرق الكتابة التي لم تعد سليمة بما يكفي ؟
وان كان النقاد الاقدمون ، لهم تأثير كبير على الادباء ، فان ذلك التأثير يكاد ان ينعدم في الوقت الحالي ، حيث انتشار النت ، وكثرة الوسائل التي يجدها الاديب للتعبير عن أفكاره، ووجهات نظره فيما يجري في العالم من احداث، ومن هو الناقد الذي يحاول ان يقرأ النص الادبي ،قراءات عديدة ليعرف مضامينه وطرق التعبير عنها ، وهل نجح الكاتب او فشل ، في التعبير ، من ذلك الناقد الذي يحاول ان يصدر حكما منصفا لاظلم فيه في عصر السرعة ؟، الذي نعيش فيه ، فنجد انفسنا لكثرة ما يكتب فيه من ادب صحافة ورقية، وادب نت واصدرات كثيرة تعجز المرء عن المتابعة والالمام بكل جديد ، هل تخلي النقد عن لعب دوره في تطوير العملية الابداعية جاء من مصلحة الاديب ؟ حيث وجد أعماله مقروءة في كثير من المنابر دون ان يرضي النقاد ، الذين تراجعوا كثيرا ، واخذوا يمدحون من لا تستحق كتابته الثناء الكثير ، مما سبب الغرور ، الذي ان اصاب قلما ، أقعده عاجزا في اول الطريق ، وهل ان تراجع النقد اضر كثيرا بالعملية الادبية ، حيث نجد العديد من الكتب ، تطبع وتوزع في كل الاقطار ، وتعرض في الاسواق والمعارض دون ان تتوفر فيها الشروط الأدنى من خصائص الابداع ، فمن المسؤول عن هذا التردي ؟ وكيف يمكن ان نساهم في تطوير الادب العربي وصقله ، ومساعدة الاديب كي يخرج من الشرنقة التي يجد نفسه داخلها ،بين متاعب مهنية واخرى اقتصادية وصحية ،ومشاكل في الطباعة والتوزيع يعاني منها المبدعون المميزون ،وينجو منها من وجد الجهة التي تقف بجانبه ، لاعتبارات الصداقة والمعرفة وسيطرة السياسة .
هل يستطيع كل قاريء ان يكون ناقدا ناجحا ، قادرا على المشاركة في تطوير العملية الابداعية ، وجعلها تتبوأ المكانة اللائقة بها ، وكيف يمكن ان تصنع جامعاتنا نقادا مجيدين ، يقولون الكلمة الفيصل ، في الحكم على الابداع او لصالحه بعيدا عن المجاملات، او الهجوم على الاديب بما لايخدم المبدع ولا يطور الادب ، وهل هذه المهمة العسيرة تقع على عاتق الحكومات وحدها ؟ ام ان المنظمات الادبية والجمعيات التي تضم الكثير من الكتاب والادباء الذين عليهم ان يقوموا بالمساهمة في هذا الدور ، وهل ان الجامعة لوحدها قادرة على ان تخرّج النقاد المهرة ، ام ان هناك عوامل ذاتية تقف بجانب الموضوعية، لتقدم لمجتمعنا المتأخر نقادا قادرين على الاجادة والتميز، في وضع يشهد تراجعا كبيرا في كل مجالات الحياة.
صبيحة شبر