هل هناك من ضرورة لبقاء حزب للشيوعيين في العراق؟..(7)
الحلقة الأخيرة مهداة للصديق سمير طبلة
بتاريخ 2/9/210 بدأت بنشر اول حلقة تحت هذا العنوان المستفز .. تبعها حلقات توقفتْ عند السادسة منها بتاريخ 3/10/2010 .. بعد ان تحولتْ بعض التعليقات الى شتائم رخيصة ممن يعتقدون انهم حريصون على الحزب الشيوعي ومستقبله ولجؤا لهذا الاسلوب بدلاً من المناقشة المفتوحة لمضمون ومحتوى ما كنت انوي وأرغب في طرحه عبر هذه الحوارات فيما يتعلق بدور الشيوعيين في هذه المرحلة.. مدققاً باستفحال مظاهر الازمة التي تعصف به وتهدد مصيره ومستقبله.. وما يشهده من تراجع ملحوظ في دوره ومدى الحاجة للتمسك بالشكليات بما فيها التسمية قياساً لجوهر نشاطات الشيوعيين وكفاحهم من اجل التغيير مقارنة بحجم التحولات الطبقية التي حدثت في العراق واجتاحت العالم.. في هذا العصر الذي تتسارع فيه المتغيرات متجاوزة في الكثير من جوانبها الصراعات الطبقية بحكم التطور العاصف للثورة العلمية التكنولوجية التي ازاحت الكثير مما يتعلق بتفاصيل الصراعات الطبقية التقليدية وباتت تتطلب التفكير بجدوى التمسك بالهياكل والتسميات الأيديولوجية التي تجاوزها الزمن وتحتاج للبحث عن الجديد في فن الممارسة السياسية في نطاق تعريفها بـ فن الممكنات..
اردت عبر تلك الحلقات التي كنت انوي الاستمرار بها جر جمهور الشيوعيين لمناقشة مسألتين جوهريتين تتعلقان بالأوضاع المعقدة الراهنة وما تفرزه من نتائج تطغي وتتجاوز الكثير من جوانب الصراعات الطبقية وضرورة وأهمية التوقف الجدي عند ظاهرة الإستعباد الديني في هذه المرحلة وفقاً للمفهوم الماركسي.. كنت انوي ان اصل معهم الى التدقيق في الكثير من تفاصيل الكفاح والنضال البطولي الذي اقترن بمآثر كبيرة من أجل تحريرهم من الاستغلال الطبقي في العراق..
هذا الاستغلال الذي كان في حدود المرحلة الانتقالية للمجتمع العراقي ولم يتعداه في التطور الى المرحلة الرأسمالية كما تفيد وثائق الحزب نفسه الذي تبنى بعد اربعة عقود من تأسيسه مفهوم التطور اللارأسمالي في حينها.. وقدم الحزب عبر مسيرته الطويلة الى اليوم الكثير من التضحيات لأجل هذا الهدف.. هدف التخلص من الاستغلال الطبقي..
السؤال الذي يتبادر للذهن في هذه المرحلة التي يتهيأ فيها الشيوعيون لعقد مؤتمرهم العاشر في ظل اوضاع معقدة ومتشابكة تشهد تفاقماً للصراعات الاجتماعية في العراق.. وتبرز للوجود مظاهر ليسَ الاستغلال الطبقي الذي كرس الشيوعيون في العراق اكثر من ثمانية عقود من تاريخهم وجهودهم لمكافحته.. وتصدوا للمستغلين وهم على حق لا يختلف على صحة اختيارهم.. الاّ من يقف في الصف المُستغِل لعرق وجهود الكادحين من عمال العراق على قلة وصغر تواجدهم وحداثة ظهورهم .. تبعاً لطبيعة المرحلة الانتقالية وتحولات طور ما قبل الرأسمالية.. التي لم تفرز في الواقع طبقة برجوازية كبيرة ومؤثرة.. ولم تشهد وتترافق بمظاهر التطور الصناعي المنتج للطبقة البرجوازية البشعة بحكم هيمنة الدولة على المؤسسات الصناعية المسُخرة للأهداف العسكرية بالدرجة الاولى.. وكانت النتيجة القضاء على الطبقة البرجوازية الوليدة ووأدها وازاحتها من قبل الفئات الطفيلية التي نشأت في الدهاليز المعتمة لاقتصاد الدولة.. دولة العشيرة.. دولة القبيلة.. دولة الحزب.. دولة الدكتاتور.. دولة أية تسمية ممكنة.. الا أن توصف بالدولة البرجوازية وفقاً لقياسات التطور الرأسمالي كما تحدث عنها وحللها ماركس وغيره من المفكرين الاقتصاديين المهتمين بمراحل التطور وعلاقات الانتاج والقوى المالكة لوسائله والقوى المرتبطة به وطبيعة الصراع بينهما..
اقول اذا كان هذا الحجم المحدود من الاستغلال الطبقي يكفل ظهور حزب كالحزب الشيوعي العراقي الذي كافح لأكثر من ثمانية عقود مضت ضد استغلال الانسان لأخيه وتحمل ما تحمل من تضحيات جسيمة يشهد لها الاعداء قبل الاصدقاء ..
فما بالنا ازاء الاستعباد الديني الذي هو الشكل الأقبح والأفظع والإخطر الذي ما زال يتفاقم ويدفع بالصراعات الاجتماعية للدرك الأسفل من الحَيوَنة ويعود بالعباد الى مراحل ما قبل الأنسنة باسم الرب والدين.. وبات طاغياً يغطي بجرائمه كافة ارجاء الوطن.. يستهدف المجموعات السكانية العريقة فيه ويشكل خطورة وتهديداً يؤدي بها للانقراض والزوال..
ناهيك عن حجم الخراب والدمار والحيف الذي لحق بالجميع وتجاوزت اطره كافة اشكال الاستغلال الطبقي وطبيعة الصراعات البشرية وبالذات ما يتعلق بوجه الصراع بين العمال والبرجوازية في المرحلة الرأسمالية..
هذا الاستغلال الذي تجاوزت اطره التقليدية الثورة العلمية التكنولوجية وخففت من معالمه وآلامه.. لا بل حررت العمال وغيرهم من بشاعة الاستغلال ونتائجه بحكم التطور المتسارع الذي حرر في ذات الوقت العمال من تبعات الرأسمالي وبشاعة رأس المال لحد ما.. بعد ان كفلت الدساتير والقوانين في الأنظمة التي توصم بالديمقراطية الكثير من شرور وعيوب ومظالم البرجوازية.. دون ان نبرر وجودها التاريخي بحكم قناعتنا انها.. أي الرأسمالية ليست النموذج الآهل لتحديد الحلم الانساني لتصبح مستقبل المجتمع الكوني مهما بلغت من تطور طالما كان ممكنا القضاء على الاستغلال وطالما بقي هناك من يحلم بيننا بمجتمع افضل خال من الاستغلال الطبقي..
نعود للاستعباد الديني .. حجمه البشع في العراق.. صوره الاجرامية.. مع حالة التحلل في بناء الدولة.. العودة للعشيرة .. واحياء سلطة القبيلة.. وهذا النمط المبتذل من لصوص السياسة وحرامية الحكومة المترافق مع شيوع وتفشي مظاهر الفاشية الدينية والفساد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .. لنقارن هذا مع ما كان من استغلال طبقي في ذلك اليوم (31/آذار/1934) الذي اعلن فيه عن ميلاد حزب من طراز جديد في العراق ونتساءل ..
ان كان هذا الاستغلال.. الاستغلال الطبقي .. يستحق أنْ يتشكل كضرورة الحزب الشيوعي العراقي لمكافحته ويقدم التضحيات التي تحدثنا عنها في سياق تاريخه المعروف. إذا كان هذا يتطلب حزباً شيوعياً في ذلك العهد..
فكم حزباً شيوعياً يستلزم الآن لمواجهة كل هذا الخراب الناجم من الاستعباد الديني وتفشي الفاشية الدينية ؟!!..
كم حزباً شيوعياً يستلزم الآن لمواجهة الجهل والتجهيل والتصدي لقوى الظلام.. لن أتساءل كم حزباً شيوعياً نحن بحاجه لها كضرورة ملحة الآن.. لمواجهة مهام بناء الدولة الحديثة.. دولة المواطنة.. وكم.. كم حزباً شيوعياً نحتاج لتوفير الخدمات والكهرباء واشاعة التعليم وبقية استحقاقات المرضى والأيتام والمعوقين وغيرها من مستلزمات الحياة في هذا العصر..
كم حزباً شيوعياً نحتاج لمكافحة آثار الحروب المدمرة ومخلفاتها.. وآثار الاسلحة التدميرية المحرمة دولياً التي القيت الاطنان منها في العراق وبدأت اشعاعاتها تفتك بالعراقيين وتزيد من اعداد المصابين بالأمراض السرطانية والولادات المشوهة وغيرها من المظاهر التي لا يمكن غض النظر عنها لحدٍ باتت فيه اجزاء من الوطن غير صالحة للسكن والاقامة بحكم تلوثها بالاشعاعات القاتلة وفقاً للتقارير العلمية..
لكن .. اي حزب شيوعي ؟! ..
حزب طبقي يحصر نفسه في حدود صراع العمال والبرجوازية؟.. البرجوازية التي نحن بحاجة ماسة لها اليوم لإعادة الإعمار وبناء الوطن واحياء دورة الاقتصاد وتطوير الانتاج لتوفير فرص العمل لجيش العاطلين وتقليل حجم البطالة وسد رمق الجوعى ..
أم حزب ايديولوجي.. يكرس جهده لحلم مستقبلي وأهداف بعيدة هي ليست مهمة هذا الجيل المسحوق الذي عاش الحروب وويلاتها.. ولن تكون مهمة الجيل الذي يليه.. بل من مهام الأجيال القادمة في العقود المقبلة.. وذلك متروك للزمن وقدرة الاجيال القادمة في تحويل الاحلام الى واقع وفقاً للتطور الذي لا حدود له.. هذا التطور المنتج لوسائل تغييره أن كانت النظرية التي يؤمن بها الشيوعيون قابلة للتطبيق..
بينما المطلوب الآن ..الآن .. في هذه المرحلة العصيبة .. حزباً “شيوعياً” من طراز معاصر.. يعبر عن الأمل الاجتماعي.. ينقذ العراقيين.. كل العراقيين من المحنة التي يمرون فيها .. يحررهم من الاستعباد الديني .. سطوة رجال القبيلة.. فساد الاحزاب التي تمارس الخديعة.. اللصوصية.. تبجل ممارسة العنف.. تتفاخر بالإحتراب.. تتنازع على السلطة .. تستحوذ على الأموال .. حزباً يكون قادراً على صنع التاريخ .. المساهمة في بناء وتحديث الدولة.. دولة المواطنة الكفيلة بتحقيق اولويات استحقاقات الحياة المعاصرة للجميع..
هذا ما انتم مطالبون بالبحث عنه من خلال مؤتمركم القادم.. ايها الشيوعيون الحالمون بالغد والمستقبل الأفضل ليس للعمال وحدهم بل لكل الناس .. حزب يقود الجموع نحو الخلاص .. خطوة بعد خطوة يقودنا للتغيير .. تغيير المجتمع وانقاذ الناس من العبودية والذل..
حزباً للتغيير.. يسابق الزمن.. يتخطى المحن.. لا يهادن.. لا يستكين في الورش والمكاتب البيروقراطية.. حزباً يتولى المسؤولية فيه قادة ميدانيون من الشباب الثوري المتحمس.. لا من يبحثون عن الرواتب والقصور والرخاء من الذين تغيروا.. وأصبحوا كنبلاء القرون الوسطى يحيط بهم حراس وانتهازيون ينتظرون استلام الرواتب في نهاية الشهر.. منعاً للالتباس.. لستُ ضد استحقاقاتهم الانسانية المشروعة في العيش بكرامة تليق بالبشر في هذا العصر المتقدم ..
لكن هل يجوز الدمج بين النضال والعمل.. هل يجوز ان يتحول المناضل الى موظف؟..هل يجوز أن نستوفي اجوراً لقاء مهمات نضالية؟.. ما الفرق بين المناضلين والمرتزقة؟.. هل يجوز للأمين العام او غيره من الكوادر المنسبين للعمل في البرلمان وبقية مؤسسات الدولة باسم الحزب ان يتقاضوا اجوراً خيالية من دولة اللصوص والحرامية من جراء عملهم ولا يدفعون منها الا 10% للحزب*.. هؤلاء الذين تغيرَوْا بدلاً من أنْ يُغيّروا..
هل يمكن التعويل عليهم في احداث تغيير في مسيرة الحزب تمهيداً لإحياء وتفعيل دوره تؤهله لولوج ابواب التغيير في المجتمع ليعود حزباً معبراً عن الأمل الإجتماعي في هذه المرحلة؟!!!…
ختاماً نقول:..
إنّ الحاجة للتغيير ملحة.. ضرورة التغيير لا جدال فيها ..
فأين موقع الشيوعيون من هذا التغيير الضروري؟ وكيف يمكنهم من التعبير عن الأمل الاجتماعي المنشود وتجسيد طموح الناس للخلاص من المحن والويلات المزلزلة لوجودهم في هذه المرحلة؟..
من يقودنا لسُبل التغيير والانعتاق؟..
تلك هي اسئلة جوهرية تواجه المندوبين في المؤتمر القادم للشيوعيين ..
ـــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
هامبورغ /منتصف نيسان2016
ـ في تجارب مماثلة للاحزاب الشيوعية .. منها تجربة الحزب الشيوعي الالماني الحالي.. الذي يمنح أعضاء البرلمان 12 ألف يورو شهرياً يستبقي منها الشيوعيون الاعضاء في البرلمان لأنفسهم من 2500 يورو ويسلمون الباقي لمالية الحزب.. كذلك الحال بالنسبة لرئيس جهورية قبرص الشيوعي الذي لا يستلم الا راتباً عادياً كأي مواطن .. وهناك تجارب اخرى من المؤكد ان قادة الحزب الشيوعي العراقي وامينهم العام مطلعون عليها بالتفاصيل كان ينبغي التماثل بها.
ـ رابط رسالة سابقة موجهة الى الاميم العام للحزب الشيوعي العراقي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=271776
ـ رابط الحلقة الاولى
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=227825
ـ رابط الحلقة الثانية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=228378
ـ رابط الحلقةالثالثة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=228728
ـ رابط الحلقة الرابعة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=229192
ـ رابط الحلقة الخامسة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=230120
ـ رابط الحلقة السادسة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=230821