هل نفتقد فن الحب….؟!
أحمد لفته علي
يحتاج العراقيون في هذه الفترة أكثر من اي وقت مضى الى معرفة فن الحب.. فالمشكلة العراقية اليوم ليست مشكلة المهجرين والنازحين من مناطق سكناهم، ولا مشكلة البطالة المتفشية في أوساط شريحة كبيرة من الشباب يحملون مؤهلات علمية وجامعية عالية.. ولكنهم لايجدون الفرصة المناسبة لممارسة اختصاصاتهم وتجسيد قدراتهم العلمية في ميدان الأختصاص والمؤهل العلمي.. ولايمكن القول أن المشكلة العراقية هي مشكلة الاحتقان الطائفي والتهجير القسري الذي يمارسه القتلة واللصوص في استباحة اموال وأملاك الغير والاستيلاء عليه دون خوف أو رادع قانوني أو وازع أخلاقي ولامشكلة ازدياد الأرامل والأيتام والمطلقات يوما بعد آخر وبالملايين، وكذلك تسرب الطلاب والطالبات من المدارس ولكافة المراحل الدراسية أو هبوط المستوى العلمي للتربية والتعليم نتيجة هبوط في المستوى العلمي للمناهج التعليمية وكذلك مستوى التدريسيين عموماً لانتشار الرشوة والدروس الخصوصية.. الميراث السيىء لانظمة التعليم في العراق.. كما أن ممارسة قتل المبدعين والمفكرين والعلماء والأدباء والصحفيين والمسرحيين والفنانين، وكذلك هجرة العقول والأدمغة المفكرة الى شتات العالم هربا من جحيم (الوطن العزيز) ليس إلا لفقدان عنصر وكيمياء فن الحب والحياة في العراق.. كل ما يجري في الوطن العراقي من عمليات التخريب والتدمير والتشويه لكل معلم من معالم الثقافة والحضارة وحرق المكتبات مثل حرق الكتب والمكتبات في شارع المتنبي وسرقة المتحف العراقي ومعارض الفنانين الرواد في بداية سقوط الصنم هو دليل وعنوان واضح لفقدان عنصر الحب وغياب العقل وطغيان الجهل والغضب وعدم التعامل مع الحياة بإيجابية.. ولقد جرت سرقة العديد من المصارف وحرق الأبنية الحكومية بعد أفراغ محتوياتها بالنهب والسلب، وجرى تهديم الجسور الأثرية والتأريخية مثل جسر الصرافية… والذي أعيد بناؤه مجددا من نزف عرق وتبديد مال الشعب العراقي وجهوده ليس إلا لفقدان فن الحب وتفاعل الحياة بين العراقيين بإيجابية وفن الحب والحياة هو ممارسة لعلوم مختلفة للارتفاع بالذوق والاحساس والعمل على تنمية وترقية الذات نحو مدارج الرفعة والسمو وهذا الفن يمكن ممارسته داخل الاسرة وبين افراد العائلة وفي السوق والمحلة والشارع ومع بعضنا البعض، والكره والبغض والمقت لاينطلق إلا من الروح والذات المنغلقة على الحياة، لان كل إناء بما فيه ينضح كما يقول القول المشهور، وعملية سرقة نفط الشعب في البصرة أو غيرها وتدمير أنانيب او محطات توليد الكهرباء أو ضخ النفط من قبل الارهابيين، يجري لفقدان عامل او اشعاع الحب وشيوع البغض والكراهية جراء هذا العمل التدميري والتخريبي لكل معلم ثقافي أو حضاري في عراق الديانات والثقافات والحضارات وتنوع هذه الثقافات والحضارات مثل ألوان القوس –قزح في سماء العراق الجميل، علينا أن نتعلم فن الحب والحياة في كل مفاصل حياتنا وإشاعة ثقافة المحبة في رياض الأطفال والمدارس لكل المراحل لان الحب يعني النقاء والنظافة والنزاهة والاخلاص والتجرد من البشاعة والجشع والأنانية وإعلاء شأن الثقافة والقلم والعلم والمعرفة ودحر ثقافة السلاح والتسلح واحلال لغة الحوار بدلاً من التخاطب بالبندقية… والحوار هو لغة العصر والثقافة والحضارة وقد اشار القرآن الى هذه الثقافة منذ أكثر من الف وأربع مئة سنة، “والأمر بأن يقال حتى لفرعون (القول اللين)” وأدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” ولقد قال أريك فروم في تقديم كتابه الصادر في العام 1956 بعنوان (The art of loving) “فن الحب” .. ( أن الحب ليس احساسا عاطفيا يمكن للإنسان ان ينغمر فيه بسهولة من قبل اي إنسان بغض النظر عن مستوى النضج الذي وصل اليه.. وان جميع محاولاته للحب مقضي عليها بالفشل مالم يحاول محاولة أكثر فعالية لتطوير شخصيته الكلية وذلك لكي يحقق هدفا منتجا) وذلك الاشباع للحب الفردي لايمكن الحصول عليه بدون مقدرة على محبة الجار وبدون التواضع الحق والشجاعة والايمان والنظام.. ومن هنا نسأل هل الحب فن يقتضي معرفة وبذل جهد أو إحساس باعث على اللذة.. أن ممارسة هذا الاحساس مسألة ترجع الى الصدفة وأنه شيء، “يقع” الانسان فيه ان كان محظوظا؟ وليس هذا لان الناس يؤمنون بأن الحب ليس شيئا مهما أنهم مشتاقون اليه، وهم يشاهدون عددا لايحصى من الأفلام عن قصص الحب السعيد والتعس وينصتون الى مئات الأغاني التافهة عن الحب، ومع هذا لايكاد إنسان ما يفكر في ان هناك اي أقصاء لمعرفة شيء عن الحب، أن معظم الناس يرون مشكلة الحب ان تكون محبوبا أكثر من أن تحب اي قدرة الانسان على الحب، ومن ثم فإن المشكلة عندهم هي كيف تحب، كيف تكون محبوبا وهم يسعون وراء هذا الهدف، يتبعون عدة طرق منها: أن يكون المرء ناجحا ويكون قويا وثريا وهناك طريق آخر- عادة ما تلجأ اليه النساء كالعناية بنفسها ورشاقتها. والطرق الأخرى التي يلجأ اليها المرء لكي يجعل نفسه جذابا هي تنمية العادات الباعثة على السرور والمحادثة الشيقة وكيف يكون الانسان متعاوناً ومتواضعا وغير عدواني…
ولقد صدق قول الفيلسوف باراسيلسوس ” من لا يعرف شيئاً لايحب أحداً.. ومن لايستطيع ان يفعل شيئا لايفهم أحداً ومن لايفهم شيئا لاقيمة له. ولكن من يفهم فإنه ايضا يحب ويلاحظ ويرى، وكلما أزدادت المعرفة بشيء عظم الحب, وان اي انسان يتصور أن جميع الثمار تنضج في الوقت نفسه الخاص بنضج الفراولة لايعرف شيئا عن العنب.
ويقول سلامة موسى في كتابه الرائع “فن الحب والحياة”: الحياة المليئة تحتاج الى وفرة الاختبارات ومعنى ذلك أن نعيش لنتعلم وندرس الكتب والطبيعة والمجتمع ونهتم بالسياسة والاقتصاد والتطور البشري نهتم بها جميعاً لامتفرجين فقط بل عاملين ايضاً.. ونعيش فيها بروح الأبتكار والتساؤل والاستطلاع حتى نفهم وحتى يستيقظ ذكاؤنا وتستيقظ شبكة المركبات الذهنية في خلايانا المخية. والحياة المليئة تحتاج الى التفاؤل بالدنيا والمستقبل والى السخاء والى دوام الاستطلاع والنمو.. ويجب أن يصدق هذا القول على المرأة كما يصدق على الرجل لان اتعس ما يؤدي اليه حجاب المرأة أو العادات النفسية الذهنية المتبقية من الحجاب هو أعتكافها في البيت واحجامها عن الاختبار والسعي والاستطلاع والتعلم من خلال اختلاطها بالمجتمع. والمرأة لاتقل في الإنسانية عن الرجل ويجب ان تكون لها جميع حقوقه التي تجعلها تمارس انسانيتها وتربي شخصيتها.