بنظرة عامة لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان في دورتها الخامسة والأربعون؛ التابعة للأمم المتحدة، وبغض النظر عن عدم إقصاء وجود تأثيرات دولية، أو كتابة أجزاء منها على خلفية أبعاد سياسية، يستنتج الفرد، بل ويتأكد على أن سوريا لم تعد الوطن المأمول لكل مكوناته، فالمتاجرون بها تقصدوا من أن يجعلوها بضاعة فاسدة يتقزز منها الوطنيون الشرفاء، ولكثرة استخدامها في البازارات الدولية وأروقة العهر السياسي من قبل تجار الحروب والمنافقين، وقادة الفصائل الإرهابية، والخونة، ومنسقي الألوية التابعة للجيش الوطني السوري، كلواء السلطان مراد، ولواء سليمان شاه، والحمزات، والعمشات، وأحرار الشرقية، والجبهة الشامية، ولواء المرتزقة الذين سيقوا للحروب التركية الخارجية، أصبحت كالبضاعة الفاسدة ينفر منها كل مواطن سوري صحي عقلا وثقافة، وفي الطرف الأخر السلطة الإجرامية لا تزال تبتذل الوطن بكل أوجهه إلى حد القرف رغم العقود الطويلة من الخداع على المجتمع.
فللتغطية على جرائمهم يلصقونها مع أسماء منظماتهم العسكرية أو المدنية، الإرهابية أو المرتزقة، إلى حد الابتذال، صيغة ومضمونا، لدرجة أصبح العامة والشارع السوري لم يعد يميزون بينها وهي تستخدم من قبل الشرفاء وبين من يبيعها في أسواق النخاسة لمكسب منحط، فيقارنونها بكلمة الخيانة بل العاهرة عندما تنطلق من أفواه قادة تلك الفصائل والمنظمات، فكل من يريد أن يغطي على فساده وفجوره، أو ارتزاقه أو عمالته للقوى الإقليمية المشاركة في تدمير سوريا، لا بد من تحضيره لاستخدامه، كالغطاء المرمي على جسد المغتصبة بعد قتلها، أو كعملة لشراء ليلة من العهر.
تحت أسم الوطن تم تشكيل الجيش الوطني السوري، والائتلاف الوطني السوري، وقبلها المجلس الوطني السوري، ولجان دستور سوريا الوطني، ونصب في رئاسة هذه التشكيلات، أبدع الانتهازيين والمنافقين، والاستثناءات جدا قليلة، إلى أن انتشرت الروائح الكريهة في كل الأصقاع، بلغت الأفاق الإقليمية والدولية، ونحن لا نتحدث عن قذارات مؤتمرات النفاق على حساب المجتمع السوري والتي غطيت بأغطية الوطن، فحتى كلمة المواطن أصبح يستفز منه الإنسان السوري، لأنه يدرك الأن كم منافق تاجروا على حسابه وباسمه كمواطن مهاجر أو معاني أو قريب للشهيد؛ وأصبحوا يملكون الملايين، ومراكز تجارية وشركات، وظهر العشرات من الانتهازيين في قيادة المعارضة السورية الذين سرقوا اللقمة والدواء المرسل من قبل المنظمات الإنسانية الدولية كمساعدات، ونحن هنا لا نتحدث عن الذين لا يأبهون لخيانة الوطن للحفاظ على رواتبهم المغرية.
إن كانت السلطة الإجرامية الحالية، ستظل حاكمة سوريا الوطن، أو السلطة التي ستتمخض من الحوارات بينها وبين قادة المعارضة المذكورة، المدعومين من رؤساء الألوية الفاسدة، فالشعوب السورية ستظل تعاني الويلات، وستستمر معاناته مع الثلة الحاكمة الذين سوف لن يكونوا بأفضل من البعث أو سلطة بشار الأسد ووالده، ومضامين تقارير لجان حقوق الإنسان ستكون أكثر كارثية، ولربما سيتم الحديث مستقبلا عن سوريا المشتتة. وجل الأسماء المعروفة من المعارضة أو أبناء السلطة أو أيتام البعث الحاضرة على الساحة الدولية، والمشاركة في المفاوضات من أجل سوريا المستقبل، ليسوا بأكثر من مصاصي دماء المجتمع، معظمهم استخدموا الوطن كسلعة تجارية لمصالحهم، مثلهم مثل النظام الذي دمر الوطن على مدى عقود طويلة، والجهتين وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة أسقطوا الإنسان السوري في محراب العبودية وأذلوه في معيشته وحديثه وثقافته وإنسانيته، مع ذلك يتبجحون باستخدامهم لكلمة الوطن والمواطن السوري البريئين منهما.
ما يجري على سوريا من الصفقات، ونخصها الجارية بين القوى السورية ذاتها، المعارضة السياسية والعسكرية والسلطة، دون التحدث عن القوى الإقليمية التي تستخدمها كأدوات رخيصة، أصبح يدركها كل فرد سوري، وجميع منظمات حقوق الإنسان والقوى الدولية، والتفصيل فيها تدفع بالفرد إلى تمني العدم، فما بين الوطن الذي أبتذل والوطن الذي يعتز به السوري الشريف مسافات أخلاقية لا يشعر بها إلا أصحاب الضمائر الحية، وحملة القيم والثقافة الإنسانية، لذلك أخرجت الوطن كرمز من المنطق المدرج اليوم بين حثالات البشر عن الوطن.
ومن الغرابة أن كل من ذكرناهم، لم يكتفوا بتمزيقه، وتحطيمهم المواطن السوري في حضن وطنه المدمر، بل بدأوا يلوحونها وهي مهترئة في وجه الشعب الكوردي، على أنهم رعاتها وحماتها، يتهمونهم بتقسيمها، متناسين أن القضية أصبحت أكثر من مبتذلة ومعروفة لكل قاص وداني، ولم تعد لها قيمة ووزن لكثرة ما ابتذلوها، وتاجروا بها، ومرروا تحت غطائها خياناتهم، فالكورد بحراكه وشعبه الذي يساند المجتمع السوري المعاني في مناطقه، لا يزال يحتضن الوطن بنقائه في لا شعوره، فالشعب الكوردي يعالج ويحمي إلى جانب الوطن العديد من القضايا التي قد يظن أنه كتب فيها الكثير، ومعروفة للشارع الكوردي، لكن عند ملاحظة ما يجري اليوم على الساحة الإقليمية، تتبين أن ظواهر خطيرة ومدمرة لمستقبل أمتنا بدأت تظهر وتطبق، وبأوجه وأغطية مغايرة للمألوف، ومن عدة جهات.
فالدول الإقليمية وهم يسخرون المتاجرون بالوطن اليوم ضد الكورد؛ أدركوا أنه لم يعد يجدي نفعا أساليبهم السابقة، ولم تعد تتمكن من التعتيم على قضيتهم، وبعدما انفضحت للعالم منهجيتهم في الاضطهاد العرقي، وأصبحت تعرف في الأوساط الدولية كسلطات استبدادية، بدأوا باستخدام أدواتهم الجديدة وبخطط مغايرة للماضي، تتبين يوم بعد أخر على أنهم يكادوا ينجحون في بعضها، مثلما نجحوا على مدى قرابة قرن من الزمن الماضي، وخسرنا رغم ما كتب فيهم، وتم مواجهتهم بثورات، وصراعات سياسية، نعم فشلنا حتى الأن لأننا كنا على شتات، وفي ضحالة معرفية، ومن المؤسف، ورغم معرفتنا التامة ما تجلبه لنا خلافاتنا الداخلية، لا زلنا نغوص في مستنقع صراعاتنا، نبدع في حنكتنا عند وضع الحجج، إلى درجة تظهر انتقاداتنا لأغلبيتنا على الساحة بمنطقية لا غبار عليه، ومن المرعب أنه لكل جهة قدرات غريبة على أقناع شارعه للاشتراك في حروب حراكنا الداخلي…
سيتبع بمقال آخر…