هل تنهض عنقاء إقلیم کوردستان من الرماد الإقتصادي؟
بما أن الإصلاح الإقتصادي أو مایسمی بـ “Economic Reform” هو مجموعة أو حزمة من السیاسات ، التي تستهدف إزالة الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية بالإضافة الی إتباع مجموعة من السياسات التي تستهدف الى إعادة تخصيص الموارد لرفع الكفاءة الانتاجية ، في إطار تحرير الاقتصاد المحلي وإعتماده على آليات السوق والحد من دور الدولة في الحياة الاقتصادية ، یمکن القل بأن الإصلاح یتکون من جناحین:
الجناح الأول هو عملیة التثبیت الإقتصادي ” Economic Stabilization Policies” الهادف الی إنجاز شروط حالة الاستقرار الاقتصادي في الأمد الزمني القصير ، أي أقل من سنتین ، مع البدء بخفض عجز كل من ميزان المدفوعات والموازنة العامة ، وخفض الانفاق العام وكبح معدلات نموه، وخفض معدلات التضخم بتقييد التوسع في حجم الائتمان المحلي.
الجناح الثاني یتمثل بعملية التكييف الهيكلي للاقتصاد ” Structural Adjustment Policies” الهادف الی إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية لانجاز النمو المستدام أزاء بيئة خارجية أكثر سلبية، وهي ترتبط بالأمد الزمني الطويل المتراوح بین ثلاث الی خمس سنوات. وهذه العملیة تشمل أیضاً تعزيز ميزان المدفوعات وإستقرار الأسعار وأداء النمو السليم ، وإعادة التوازن العام الداخلي والخارجي في غضون مدة زمنية معينة لتأهیل الاقتصاد المحلي في نهاية المطاف الى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
لقد تناول واضعي السياسات الاقتصادية والباحثين موضوع الإصلاح الإقتصادي بإعتباره إجراء لازم للوصول الی مستوى مرتفع من الكفاءة والتنافسية من خلال تحقيق علاقة متوازنة بين الموارد المتاحة للمجتمع ومتطلباته في سبیل تصحيح الاختلالات الأساسية في الأقتصاد وإستعادة التوازن الاقتصادي العام.
ما یشهده إقتصاد اقلیم كوردستان الیوم من من قصور في الإيرادات وزيادة في النفقات العامة وجمود إقتصادي وحالة قلق و تململ من تدهور الأوضاع الإقتصادية وهبوط القوی الشرائیة وتراجع أجور موظفي القطاع الخاص وتأخير صرف رواتب منتسبي القطاع العام لأشهر بسبب قطع حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية العامة وإنخفاض أسعار البترول وإستضافة الإقلیم مایقارب ملیوني نازح عراقي ، بالإضافة الی مصاريف الحرب ضد تنظیم “الدولة الإسلامیة” الإرهابي ، کل هذا ولّد لدی عدد غير قلیل من رجال الأعمال والمستثمرين المحلیین في القطاعين السیاحي والتجاري نوع من التشاؤم من المستقبل وحالة من اللایقین لدی المجتمع ، مما جعل الكثير منهم يتخلون عن العقلانیة ویتصرفون بشكل عاطفي بإتخاذهم العديد من القرارات اللاعقلانیة من دون التفكير في العواقب.
من یدرس الجانب الإقتصادي في الإقلیم بشكل منهجي یری بکل سهولة ظاهرة التخلف الإقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي المتميز بسبب السیاسات التي كانت تنتهج من قبل الأنظمة القمعیة الحاکمة في العراق. فبنیة الإقتصاد في الإقلیم إعتمدت كما في العراق بشكل أساسي علی موارد النفط الخام كإقتصاد إستخراجي ريعي وإنتهجت سیاسة الباب المفتوح أمام إستیراد بضائع إستهلاکية ذات نوعیة هابطة وسلع زراعیة تؤثر بشكل سلبي علی ضرورة التصنیع و تحدیث الزراعة من أجل تنمیة الدخل القومي.
أما فيما یخص البطالة المقنعة المكشوفة ، المتراوح عددها تخمینیاً بین ٥٠ الی ٦٠ في المئة ، فإن إقلیم كوردستان لم یسعی في السابق حل هذه المعضلة الإقتصادية بوضع حلول و برامج إقتصادية تقلل من بروز هذه الظاهرة ، التي تستنزف الدخل القومي وخزینة الإقلیم بشكل واضح. وهي نتیجة لسیاسة التدخل الحزبي في شؤون توظیف المنتسبين في القطاع العام، مما أنتجت عدم تطبيق فلسفة “الشخص المناسب في المكان المناسب”. وما شهده الإقلیم في السنوات الماضیة هو عدم سعي القطاع الخاص نحو الإستثمار في القطاعین الصناعي والزراعي وفي الخدمات الإنتاجية والدراسات الفنية والمهنية والبحث العلمي ، رغم وضع حکومة الإقلیم شکلیاً الإهتمام بالصناعة والزراعة والسیاحة من أولویات أجندة عملها ، کإستراتیجیة تنمیة غير دقيقة الی حد ما.
إن تبني حکومة الإقلیم سیاسة التقشف المالي بهدف معالجة العجز في الموازنة العامة و تخفيض معدلات التضخم أمر ضروري. وهي ترتبط بشكل مباشر بتخفيض النفقات العامة ذات الطابع الاجتماعي، مثل نفقات الدعم للسلع التموينية وتعيين الخريجين والتعليم والصحة ومحاولة تحصيل رسوم عن هذه الخدمات وهذه السیاسة یجب أن يتضمن رفع أسعار خدمات المرافق العامة كالمياه والكهرباء وذلك من أجل زيادة الإيرادات العامة بالرغم من أن الخطوة الأخير سوف تضرّ بفئات واسعة من الشعب الكوردستاني ، لأنه یقلل من الإنفاق الإستثماري والإستهلاکي ویؤدي بالنتیجة الی مزید من البطالة و یقلل من حصة الفئات ذات الدخل المحدود من الحاجات الأساسیة.
الحکومة قامت بإعادة النظر في الأجور والرواتب من أجل رفع كفاءة إنتاجية النفقة العامة و خفض الأجور الحقيقية للعاملين.
لابد في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة من تقلیص دور القطاع العام أیضاً و بیع بعض أجزائه الی القطاع الخاص، لان عملية الخصخصة هي جزء أصيل من برامج الإصلاح الاقتصادي ، فهي تمثل تغييراً جذرياً للسياسات الاقتصادية من اجل المشاركة في تعبئة الموارد المحلية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن السیر نحو سیاسة زیادة الطاقة الإنتاجية في الأمد الطويل في القطاع الخاص وإضعاف العوامل المعیقة لنشاط هذا القطاع وتشجيع الإستثمار الأجنبي الخاص والدعایة لە من خلال المزايا والإعفاءات والتيسيرات الضريبية والجمركية بالتزامن مع تطوير السياسات الضريبية وتوسيع الوعاء الضريبي، والحد من الإعفاءات الضريبية أمر ضروري أیضاً.
ولکي تنهض عنقاء إقلیم کوردستان من الرماد الإقتصادي علی حکومة الإقلیم السعي الجدي في التخفيف من الاعباء التي تتحملها ميزانية حکومة الإقلیم نتيجة استمرار دعمها للمشاريع والشركات التي اثبتت التجربة عدم جدواها اقتصادياً، وتوجيه الإنفاق العام نحو دعم البنى الاساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الاهمية الاستراتيجية. علیه تمويل برامج العمل العامة لخلق فرص عمل للشباب وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم المالي لها وتدريب وتأهيل الشباب للعمل في القطاع الخاص.
ولابد للإصلاح أن یشمل القطاع المالي والمصرفي بهدف إيجاد انظمة مالية ومصرفية سليمة وتنافسية من اجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي والاسراع في وتيرة النمو الاقتصادي وتمكين الاقتصاد من التكيف مع الصدمات الخارجية. لابد من تقدير العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسیاسية من جراء الإصلاحات الإقتصادیة بصورة دقيقة لأن الوضع العام في الإقلیم مازال مثقل باعباء ومخاطر سياسية وأمنية واقتصادية.
وختاماً علی حکومة الإقلیم أن تتعامل وفق إستراتیجیة مدروسة وذکیة مع ثروة كوردستان لإستخدامها كأداة فاعلة من أجل الوصول الی الأهداف المرجوة كالإستقلال ، فالثروة كما یقال تأتي كالسلحفاة وتذهب كالغزال.
الدکتور سامان سوراني
هل تنهض عنقاء إقلیم کوردستان من الرماد الإقتصادي؟
اترك تعليقا