كاظم حبيب
هل الحكام الإيرانيون يمارسون التدخل الفظ لوقف الإصلاحات بالعراق!!!
العراق وإيران دولتان جارتان لا يمكن تغيير هذا الواقع القائم جغرافياً، فالحدود هي التي تربط بينهما ولا يمكن لأي من البلدين الهرب من الآخر. ولكن هذه الحقيقة، وفي عالم اليوم، لا تعني لأي منهما الحق في التدخل الفظ في شؤون الدولة الأخرى. فهما من حيث المبدأ والواقع دولتان مستقلتان وعضوان في الأمم المتحدة. وهذا يتطلب منهما الالتزام الكامل بمبادئ ولائحة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحرم التدخل بأي شكل كان بشؤون الدول الأخرى وتدعو إلى التعاون والاحترام المتبادل.
وإذ نبتعد عن الحديث عن الفترات التي سبقت إسقاط الدكتاتورية البعثية الفاشية بالعراق، فأن الحكومة الإيرانية وأجهزتها الأمنية وقواها السياسية بما في ذلك مرشد الثورة الإسلامية بإيران علي خامنئي، قد تدخلوا جميعاً بشكل مباشر وغير مباشر وفظ في الشأن الداخلي العراقي وعملوا على خلق ودعم الكثير من المليشيات الطائفية المسلحة وتسليحها وتوفير والموارد المالية الضرورية لها والكادر التدريبي العسكري، إضافة إلى دعم عدد من القنوات الفضائية بالمال والكادر والدعاية المستمرة. وقد فسح هذا التدخل الإيراني في المجال إلى تدخل مقابل لبعض الدول العربية وخاصة تركيا والسعودية وقطر وبعض دول الخليج في الشأن العراقي وساهمت في دعم المنظمات التكفيرية المتطرفة التي عاثت بالعراق فساداً وقتلاً وتدميرا. وقد ابتلى العراق بشكل مباشر بكل أنواع التدخل غير المشروع الذي بدأ مع غزو العراق وفرض الاحتلال الأمريكي عليه والعواقب التي نشأت عنه والتي ما تزال مستمرة حتى الآن.
وكان أسوأ تدخل في شؤونه الداخلية تعرض له العراق قد حصل حين فرض عقد اجتماع خاص لأغلب الأحزاب والقوى السياسية العراقية بطهران، وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جرى تدخل فظ وحصول مساومة سيئة وبضغط متواصل لاستمرار المالكي دورة وزارية ثانية مما أدى إلى الكثير من العواقب الوخيمة والكوارث المريرة على الشعب العراقي وعلى حياة الكثير من أبنائه وبناته وخاصة في محافظة نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالي وكركوك، وبشكل خاص في دورة حكمه الثانية 2010-2014.
ولم تكتف إيران بكل ذلك بل سارع حكامها، وبعد أن انطلقت المظاهرات الشعبية بالبصرة وبغداد والكثير من مدن محافظات العراق التي تطالب بالخدمات والكهرباء ومناهضة الفساد والتصدي للإرهاب وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي وتغيير وجهة التطور السلبي الجاري بالعراق والتخلي عن السياسات الطائفية المقيتة، وبعد أن حظيت تلك المظاهرات بتأييد المرجعية الدينية بالنجف، إلى إعلان رفضهم لهذه التطورات وتعزز هذا الموقف غير المشروع بدعوتهم واستقبالهم للمتهم الأول بأحداث الموصل واستباحتها من قبل عصابات داعش الإجرامية، نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق والقائد العام للقوات المسلحة السابق ونائب رئيس الجمهورية السابق بطهران، ومخاطبته كنائب لرئيس الجمهورية والادعاء بكونه “بطلاً عربياً وإسلامياً!!”، في محاولة تدخل فظة من جانب المرشد الإيراني لإنقاذ الرجل من التهم الموجهة إليه والضغط على الحكومة العراقية لمنع التحقيق معه ومحاكمته كباقي المتهمين في قضية اجتياح الموصل وعواقبها اللاحقة.
كما منح المتهم نوري المالكي فرصة الهجوم على الأوضاع بالعراق واعتبار ما يجري مؤامرة، في حين أنه المتهم بالتآمر على الحكومة العراقية وعلى قرارات الإصلاح التي صدرت عن رئيس الوزراء ومجلس النواب وحظيت بتأييد رئيس الجمهورية. وأخيرا كشف نوري المالكي، ما كان معروف للعراقيين جميعاً، عن دور إيران ودوره شخصياً في تشكيل المليشيات الطائفية المسلحة وجمعها في الحشد الشعبي ليكون مماثلاً “للبسيج الإيراني” الذي يمارس الاضطهاد والظلم والقهر بحق الشعب الإيراني والمخالفين للنظام بإيران، بهدف حماية النظام السياسي الطائفي والمحاصة الطائفية والأثنية التي أدت إلى ما عانى ويعاني منه العراق وشعبه من فرقة وصراع ونزاع وقتل على الهوية خلال السنوات 2004-2014. وقد أدى كل ذلك إلى فقدان العراق لمئات الآلاف من أبنائه وبناته الأبرياء حتى الآن.
إن الحفاظ على العلاقات الطيبة والتاريخية بين شعوب البلدين يتطلب من حكام إيران الكف التام عن التدخل في الشأن العراقي والتوقف عن إرسال المزيد من الجواسيس والمخربين إلى العراق للتأثير على وجهة التطور أو تحريك الشقاوات والعناصر السيئة للاعتداء على المتظاهرين بأمل إشاعة الصراع والفوضى بالبلاد ومنع تحقيق الإصلاحات.
إن من واجب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يعملا على دعم العراق ومنع إيران والسعودية وقطر وتركيا وغيرها من الدول من التدخل الفظ في الشأن العراقي والتسبب في المزيد من المآسي والكوارث المريرة التي عانى منها العراق خلال عقود الحروب والحصار والغزو الاحتلال والتدخل السياسي والاقتصادي والعسكري.