منذ شهرين تقريبا تشهد ايران موجة من الاحتجاجات العفوية المستمرة الناتجة عن الكبت و السخط الدائم من الحكم الذي يتسلط على اعناق الشعب منذ اكثر من ارعة عقود دون اي تغيير يمكن ان يتوافق مع او يناسب التغييرات التي يشهدها العالم والواقع الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي حتى في ايران نفسها، فلم يبق امامم الاجيال التي لم تشهد منذ اكثر من اربع عقود الا الملالي و العمامات و الافكار و الفلسفات الدينية المنتهية صلاحيتها فقط. انها حقا ثورة عارمة لم تشهد هذه الجمهورية مثيلها طوال حكمها و انها تبشر بالتغيير الشامل و الجذري لكونها عفوية نابعة عن ارادة كافة القوميات و الطبقات والفئات و في طليعتها النساء التي اصبحوا وقودا للثورة قبل اخوانهم. اهم ما فيها انها ثورة داخلية مستقلة غير مستندة على القوى الخارجية، بل المعادلات السياسية لم تدع اية قوة خارجية ان تتدخل و هذا امر ايجابي و سوف تظهر ننائجها لصالح هذا الشعب في نهاية الامر. يمكن التاكد بانها ثورة شعبية نقية لم تتدخل اية جهة داخلية حاملة لافكار ضيقة الافق فيها، و الشعب هو الوحيد الذي يقدم التضحيات الكبيرة طوال هذه المدة، و انهم برهنوا على استقلاليتهم و اعتمادهم على نفسهم فقط من خلال سير الاحتجاجات و ردود الافعال التي تظهر من القوى التي تقف بعيدا غير مساندا لها، لا بل هناك اليوم مساعدات من قبل بعض الجهات الخارجية للسلطة من اجل اطفاء نار الثورة، و هم ينتظرون المكافئة منها فيما بعد اخمادها، و المواقف الغربية وتحركات الواضحة في الشرق الاوسط و المواقف العلنية توضح هذا الامر بشكل بيٌن.
الامر المفرح في ثورة ايران الشبابية، انها تختلف عن الربيع العربي الذي تدخل فيه الكثيرون، بينما ما يحدث في ايران ثورة داخلية مجردة تحوي في طياتها من الدوافع الذاتية التي تجعلها مستمرة على الرغم من استخدام السطلة الايرانية ابشع الوسائل لاخمادها، ان الانسجام الذي فرض نفسه بين القوى الاجتماعية الداخلية منعت التدخلات و سدت الطريق امام الفوضى التي توقعت السلطة ان تحدث و هي كانت تهدف ذلك كي يستلم الشعب تلفائيت عند اطالة الامر و حدث العكس و تفاجئت من ادامتها رغم العوائق.
لقد ولى الزمن الذي لعب الدين و المذهب في بقاء السلطة قوية مقاومة. تراكم الاسباب المعيشية و انعدام الحرية هي التي دفعت الى عدم تحمل الحال من قبل كافة مكونات الشعب لما شهدوه من بقاء مثل هذه السلطة جاثما على رقابهم طوال هذه المدة الطويلة . ان هذه السلطة واضحة المعالم للجميع، فهي غير ديموقراطية و تدعيها زورا و بهتانا بل انها حكم مجموعة ثيوقراطيةاعتمدت الدين و المذهب و المصالح المشتركة الضيقة اساسا لبقائها و ادامة سلطتها ليس الا.
ان ما يؤكد ادامة الثورة الى ان تتحقق اهدافها هو :
*الثورة نابعة عن ارادة الشعب فقط و ليس لفئة معينة او حزب او طبقة خاصة. قدوتها النساء و الشباب.
* وقود الثورة من الاجيال الجديدة للشباب التي لم تفتح اعينها الا على تضليلات الملالي و السلطة الدينية و دفعت الشباب بالذات الكثير ثمنا لبقاء هذه الفئة الحاكمة من الدماء و المال، و لم يشهدوا اية مرحلة ولو قصيرة، مساعدة لهم في الحياة السعيدة الهانئة.
* ثورة فريدة في امرها، لكونها استهلت بتضجية نساء و تطلعهم الاكثر و تضحياتهم و بقائهم طوال هذه المدة صامدات في طليعة الثورة.
*الثوار لم يدعوا اية ايديولوجية او فلسفة او دين معين، بل كل مطالبهم هو العيش بحرية و سلام و شعارهم الرئيسي المراة، الحياة، الحرية، خير دليل على هذا الكلام.
*وجود وسائل التواصل الاجتماعي الذي يدفع الى الوحدة و الثورة النظيفة غير المسبوقة من قبل بهذا الشكل و خاصة في الشرق الاوسط.
* الخطاب الرئيسي و المعلن يعبر عن نشر التعاون و الحب و ابعاد البغض و الكراهية بين كافة المكونات و هذا عمل رئيسي لتقدمها يوما بعج اخر و نجاحها في النهاية.
نحن هنا لا نبالغ ان قلنا ان الثورة رد فعل و نتيجة طبيعية لرفض ما حصل في ايران لقرون عديدة من فرض ارادة معينة و حدود دولة مفروضة دون وجه حق، و على جساب حقوق الاكثرية ومواصلة غبن المكونات طوال هذه المدة الطويلة. و المفرح ان الثورة وحدت هذه المكونات و لم نر اي خلاف ولو بسيط بينهم بل يتوحدون يوما بعد اخر بقوة اكثر.
هل التغيير حتمي في ايران ؟
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا