هل الأمومة العراقية في انتكاسة كما يتصورها البعض !!!
د.عامر صالح
اشتعلت الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بحادثة الأحد 18 أكتوبر, والتي قامت فيها أمرأة برمي طفليها على خلفية خلافات أسرية وحالة طلاق, في نهر دجلة وفي ذات الجسر ” جسر الأئمة ” الذي حصلت فيه فواجع وغرق للمئات ورمي للأطفال لأكثر من مرة بل مرات عديدة , وكعادتها بعض الفضائيات وبعض من مواقع التواصل الأجتماعي ان ترى في الحدث هو سقوط مدوي للحكومة والدولة العراقية في عدم قدرتها للحفاظ على ارواح العراقيين من أي ضرر كان شخصيا او او جماعيا, في الوقت الذي تبرر فيه حالات غرق جماعي بسبب استخدام سيئ للطقوس الدينية هو عمل مقدس وان ارواح الضحايا في جنات النعيم من خلال منح صكوك الغفران للألتحاق بالجنة, وتتهافت الفضائيات في اسقاط ما تبقى للحكومات المتعاقبة من هيبة, ونحن نعرف كم ان الحكومات متهاوية الهيبة حتى في أعين من شكلها وقرر رئيس وزرائها ما بعد عادل عبد المهدي, ولكن النفاق السياسي للقوى المعادية للدولة من جانب والوقوف الى جانبها في التصريحات كم هو مؤذي وخبيث في افعاله, الى جانب قنوات وصفحات تواصل اجتماعي لا ترضى بأي انجاز للحكومة ان يحصل حتى وان حصل.
الحديث ليست تبرير لجريمة قتل الأطفال, وبالتأكيد انها جريمة بكل المقاييس في اختطاف ارواح طفلين والتخلص منهم تحت وطئة الخلافات الأسرية, وانه نمط من السلوك المرضي للأنتقام من طرف العلاقة وألحاق اشد الأذى به وبأهله من خلال الأنتقام من الأطفال لترك ألم مستديم في نفسية شريكها السابق, وبالتأكيد فأن لحظات ارتكاب فعل الانتقام برمي الاطفال في النهر رافقه تدهور سيكولوجي بل واختلال عقلي دفع بصاحبه ” مرتكبة الجريمة ” الى ارتكاب هذا الفعل الشنيع الذي يفتقد الى ابسط مقومات وعواطف وغرائز الأمومة, وان الخروج عن الطور في هكذا حوادث لا يمكن إلا أن يكون فعلا مرضيا بلغت صاحبته ذروته ويكون في هكذا حوادث الوازع الداخلي شكليا وغير موجود اصلا بفعل ما حل بالشخصية من تفكك وتداعيات خطيرة للمنظومة الفطرية التي تجسدها الأمومة.
ولا بد للأشارة هنا” وليست من باب الدفاع عن المجرم ” أن ارتكاب جرائم محتلفة ضد المرأة وتصفيتها جسديا بقتلها او تعذيبها حتى الموت بدافع الثأر لشرف الشريك او العشيرة واستخدام المرأة في المقايضة بين اطراف عشائر مختلفة متقاتلة لتعويض ضحايا الطرف الآخر في الأقتتالات العشائرية, وحتى يتم قتل المرأة بدوافع الكبت الجنسي من قبل الشريك حال رفضها لأشباع غرائزه في الوقت الذي يرتأيه هو مناسبا بعيدا عن مزاج وحاجة الآخر بنفس التوقيت.
وهناك عوامل يجري التغاضي عنها عند التحقيق في جرائم الشرف هو وجود اضطراب عقلي. تشير الدراسات إلى أنه إضافة للآثار الاجتماعية فإن بعض الاضطرابات النفسية مثل السادية أو الأذية والشك المرضي والغيرة المفرطة المبنية على تأثيرات بيئية، قد تؤدي إلى الانتقام من حالات الاغتصاب والشرف، يصل المعتدي إلى ذروة المتعة العاطفية والجسدية من خلال أذيته للآخرين، الأمر الذي يؤدي في بعض الحالات إلى الاغتصاب أو القتل، وما يبرر هذا السلوك هو الذهنية الذكورية السلطوية الحاكمة المناهضة للمرأة،
بعض الأفراد يعانون من شك وغيرة مرضية بسبب غرقهم في التفاصيل والتفسيرات السلبية المخالفة للوقائع، مما يؤدي إلى ارتكابهم جرم القتل في بعض الأحيان، ويجب النظر في هذه الحالات بعناية من قبل مختصين مؤهلين.
عندما نقول امرأة فنحن نعني بها الأنثى والزوجة والأم والإنسانة. وغالباً ما تجد المرأة نفسها مجبرة على خلق توازن بين كل هذه الأدوار، ما يخلق ضغطاً إضافياً عليها بالإضافة إلى الضغوط البيولوجية والاجتماعية واليومية. لكن جميع الضغوط تنهار أمام غريزة الأمومة التي تولد مع المرأة التي تسعى طيلة حياتها لإشباع هذه الغريزة. لذا في حالة حرمان المرأة من أمومتها نتيجة عقم مثلاً أو استلاب اطفالها ومصادرتهم بفعل خلاف قهري مستديم، تصاب المرأة بمشاكل نفسية عديدة كالاكتئاب والقلق والتوتر والعصبية بالإضافة إلى أعراضٍ بيولوجية قد تصل إلى درجة شعورها بأعراض “حملٍ كاذب”, كما أنه نذير بأرتكاب افعال تخالف فطرتها كردة فعل مرضية لقساوة ظروفها وعدم عثورها على حلول مشروعة في ظل مجتمع ذكوري.
الأم هي الحلقة الأولى في حياة الطفل والأسرة، لما لها من دور عظيم في إعداد وتنشئة الأجيال ، ولما يقع على عاتقها من مسئوليات في إعداد الطفل وتربيته، وبعاطفة الأمومة التي لديها تمنحه مشاعر الدفء والحنان، لما تشكله من علاقة نفسية وبيولوجية بينها وبين أولادها وبناتها، والأمومة هي أكبر وظيفة للمرأة وهبتها لها الطبيعة في صراعها للبقاء لتكون بها الحياة، فهي رمز الحياة واستمرارها؛ وتعتبر أقوى الغرائز لدى المرأة وتظهر لديها من طفولتها المبكرة فنجد الطفلة ترعى أخواتها الذكور وتعتني بهم وتجد لديها العديد من الدمى والعرائس التي تمارس من خلالها دور الأم.
الأمومة هى علاقة بيولوجية ونفسية بين امرأة ومن تنجبهم وترعاهم من الأبناء والبنات. وهذا هو التعريف للأمومة الكاملة التى تحمل وتلد وترضع (علاقة بيولوجية) وتحب وتتعلق وترعى (علاقة نفسية) . وهذا لا ينفى أنواعاً أخرى من الأمومة الأقل اكتمالاً كأن تلد المرأة طفلاً ولا تربيه فتصبح فى هذه الحالة أمومة بيولوجية فقط ، أو تربى المرأة طفلاً لم تلده فتصبح أمومة نفسية فقط. هذه الأدوار للأم عندما تلد وعلى المستويين البيولوجي والنفسي يجب ان تشبع بقدر هادئ ومعقول استجابة لأشباع غريزة الأم البيونفسية في رعاية اطفالها, وفي سياقات طبيعية ومقبولة قد تحل الخالة او العمة او الجدة نسبيا مكان الأم على المستوى النفسي او لصعوبات مؤقتة على المستوى البيولوجي”كالأرضاع”, وخلاف ذلك وعلى مستوى اكراه الأم لغير حضانة اطفالها فأنه أمر يهدد بمخاطر واضطرابات نفسية خطيرة وخاصة اذا كانت مؤظرة بكراهية من نوع خاص بين “الشريكيين ” وعدم قبول الآخر بفعل عوامل كثيرة ومتعددة.
يالتأكيد هناك عوامل تؤطر استقرار الأسرة ومنعها من التصدع, من بينها الاستقلال الاقتصادي للشريكين وخاصة عن أبوي وأم الشريكيين, وكذلك العمر المقبول للزواج حتى ما بعد 20 عاما, فالنضج الزمني يلعب دورا في انعكاساته على العمر العقلي وخاصة في تفاوت غنى البيئات المختلفة وبالتالي فالشراكة هي عقلية مقترنة بزمن مقبول. والمرأة العراقية التي اقدمت على رمي طفليها وهي كما يتناقل من مواليد 1999 وزوجها كذلك وفي عراق ما بعد 2003 ومنفتح على مصرعيه لمختلف التيارات الدينية وغير الدينية والانعتاق من العزلة العالمية التي كان يعيشها العراق مقابل انفتاح على الآخر غير مدروس وصراع قيمي على أشده بين العشيرة والمدينة وقيم الانفتاح التي تهواها النفس بفطرتها في صراعها مع دين سياسي يكرس ازدواجية الأخلاق ويحلل الحرام ويحرم الحلال ويتحالف مع قيم التخلف والردة وفي مقدمتها العشيرة ويتشبث بالسلطة السياسية, فلا نستغرب ان الوضع يؤسس
لمختلف الأنهيارات والنكسات والمصائب, والمرأة كعادتها وبفعل استفحال الذكورية وعدوانيتها هي من اسهل الضحايا في القتل والتنكيل الى جانب اصابتها بمختلف الأضطرابات النفسية والعقلية.
أن تقدم المجتمعات يقاس بمدى تقدم المرأة فيه ومساهمتها في الحياة العامة, لقد اصاب المرأة شتى صنوف الأذلال والقهر والأستعباد جراء الظلم الذي وقع عليها تاريخيا وحاضرا, والمرأة العراقية اليوم بين عاطلة عن العمل وأرملة ويتيمة ومطلقه وعانس وحبيسة المنزل, لا نستغرب من تداعيات ذلك على سلوكيتها اتجاه اطفالها, وخاصة عندما تبلغ الحال حدا مرضيا فأن الضحايا الأقرب هم الاطفال.
ما يحدث اليوم في العراق هو بعض من سلوكيات الانتحار الجماعي للأخلاق وللمدنية قبل أن يكون عبورا بمرحلة انتقالية ما. وما يحدث اليوم في العراق هو نتاج لغياب ثقافة الحضارة والتمدن التي تؤمن بسيادة القانون وهيبة الدولة. إنه أمر مريع وبداية لحقبة قد تكن مدياتها قاتمة. فالناس في العراق يقتلون لاختلاف الرؤى والمعتقدات، وكل يرى أنه أحق بالحياة من الآخر، لا لشيء إلا لاعتقاده بأنه أقرب إلى الحق ممن سواه, فماذا يعني قتل 700 متظاهر في مظاهرات سلمية وجرح 30 ألف وتغييب المئات واعاقات مطلقة بالمئات, انها مشاهد مقززة وتجرح حياء الانسانية , وجماعات مسلحة تقتل وتغتال وتجز الأعناق وتهجر الساكنين من مناطقهم الأصلية وتعبث في الديمغرافية المحلية لحسابات دنيئة وفوز مرتقب تافه, وأغلبها ينفذ بشرعية دينية وأثنية ومسوغات روحية بعد ان حصلوا على فتاوى الأنتماء المشرذم للوطن.
السيدة التي اقدمت على فعلتها الشنيعة في رمي اطفالها في نهر دجلة ستنال جزائها وفقا لقانون العقوبات العراقية في القتل المتعمد, وفي ظل فوضى وانتقائية في تطبيق القوانين فأن “الأم المجرمة” ستنال عقوبتها, ويبقى آلاف القتلة والفاسدين وسراق المال العام ومصاصي دماء العراقيين طلقاء واحياء واعضاء في البرلمان الحالي والقادم.