هزائمي الجميلة
:::::::::::::::::::::
:::::::::::::::::::::::
(1)
الهزيمة الأولى
أين أشجـــارك السامقة ؟
أين أعشاش الطيور؟
أين ابتسامات السواقي
وقهقهات الأنهار؟
أين نباح الكلاب في غسق الليالي…؟
أين صهيل الأفراس … ونهيق الحمير…؟
أين خوار الأبقار … وثغاء الخراف….؟
أين الراعي … ولحن الناي ؟
أين الحسناوات الجميلات
يحملن فوق رؤوسهن الجرار؟
أين العيون … أين السواقي…
أين بكاء الصبيان….
وصراخ الأطفال….
أين همسات النساء….
أين حكايا الحب والغرام…
أين الحقول … أين البساتين…
أين القلوب الباكية غراما…
أين العيون الممطرة هياما ؟؟؟
*****
هنالك الشمس كانت تمشي ثقيلة الخطوات
هنالك كانت تطول زقزقات الطيور
هنالك راقص النجوم القمر
هنالك النساء… أطلقن الزغاريد
هنالك الأعراس…
رقص لها العذارى … والأطفال
الأمهات …والأباء
هنالك الحياة كان لها ألف لون … وألوان….
******
سدل الصمت عليك سكونه
على الجدران … بين الأزقة….
يتراقص الموت
يتسكع الشقاء.
كفت عن البكاء السماء…
جفت الأنهار … والعيون
شحبت وجوه العذروات … شاخ الأطفال
فصرت صمتا يرعبني
شبحا يخيفني….
لا الأرض تجود
ولا لحالها تبكي السماء
بحثا عن جرعة ماء مضوا كلهم ….
يركضون ….
يهرعون….
وما رجعوا….
بقيت حيطان القرية واقفة
تشهد أن هاهنا كانوا
هاهنا كانوا
كــانــــــوا
!!!!
!!!
!
::::::::::::::::::::::::
:::::::::::::::::::::::
(2)
الهزيمة الثانية
أبحث بين تجاعيد وجهي
عن قبر الهزيمة
أفتش في أركا ن جمجمتي
عن فجر الخديعة
أبحث في مزابل قريتي كلها
بين دفاتري وكتبي البالية
عن جثة الفضيلة
سبحان من مع عمر
ذبابة خريفية
توأم عمر الفضيلة
أنقب في قمامات التاريخ
عن نسخة من عقد ازديادي
متى أنا جئتك؟
أبالأمس
أم أمس الأمس؟
احتسيت الشك كله
والتهمت اليقين كله
فركبت صهوة جواد
من دخان سجائري صنعته
قريتي…عزيزتي…
يا حبي…ويا عذابي
يا جنتي…ويا سعيري
هل تسمعين عويل صمتي
وهبوب الرياح العاصف
في كل أرجاء قلبي؟
أم كمن يهاب صواعق السكون
أصابعك في أذنيك تجعلين؟
أترين رعد تي وارتجاف رعشتي
من شراسة برد صمتك العريض؟
أم قتلا لندائي
ثيابك تستغشين؟
يا دار الودي
يا فضاء جنوني
صبي على شعيرات صدري
بعضا من نهرك العذ ب
لست كاليكولا
لا أطلب منك قمرا
أنى لك أن بالقمر تأتين؟
قدري يا قريتي
أن تبقى كفي بخدي عالقة
كأنما الكف والخـد
سـيـف و غــمد
الغــمد قلــبي و السيف أنت
مهزوم من تأبط غمدا
دونما سـيــفه
و الصدأة مصير
كل سيف هـاجــر غمـده
تعالوا …تعالوا
يا جنود جنوني
نرمم حيطان تلك الدارالبالية
الواقفة هنالك على ضفة الوا دي
فسأعصر دمعا
يقتلع موجه جدران الغدر
لا خوف عليكم يا جنود جنوني
ولا أنتم تحزنون
فقد لقنتكم فن العوم
أنا يا جنود جنوني
ســآ وي إلى جبـل
يعصمني من طـوفان
وأمـواج دمــوعــي
فهل يا قــريــتي
تسمعين صراخ صمتي؟
:::::::::::::::::::::::
:::::::::::::::::::::::::
(3)
الهزيمة الثالثة
سأحمل القمر في
يدي اليمنى
و خبزا محروقا
في راحة اليسرى
هدية إليك
يا قريتي
سأقف هناك
في ذلك الركن
من ربعك القديم
كواحد من حيطان
بيوتك العتيقة
أو كصومعة بالية
تحكي أسطورة اسمك
الغريب
سأظل أبحث في وحل دروبك
الضيقة
عن جريدة
أقرأ فيها وصفا
لوجهك المتغضن
و عن صدر أتخذه نعشا
أخبئ فيه صدأة قلبي
كما يصدأ الحديد
يا قريتي
تصدأ القلوب إن كنت تعقلين
سأفتش جيوبي كاملة
علني أجد منديلا
أخنق به أنفاس الهوان
سأنبش قبر المتنبي
لعلي بفأسي في جثته أحدث
بعض الآلام
“…ما لجرح بميت إيـــلام”
من علمك العوم يا قريتي؟
تسبحين بتوان
بين مــد غمـامـة الجمود
وجـــزر رسـل الإشعاع
وإن استفلك ثديك
فما يمتصه الأبنـاء
ليس سوى تفـاشيل ضرع
نعجـــة عــجـفاء
من يا قريتي في سوق بائرة
حــاول بالمزاد بيعك؟
أتذكرين ياقريتي
فدفدتي و صراخي؟
كنت أحاول فقأ عيون جمام
صارت لعنكبوت الجهل
أنسب مسكــن
كنت أحاول ياقريتي
كسر أجنحة الخمول العريضة
الذي ما زال صقرا
يحلق في سمـائك
وغيما ثقيلا يحجب عنك
نجم الرقي
لا أجنحة كسرت
ولا عيون فقأت
ما كل ما يتمناه المرء يدركه… “”
كم بين مريد….و….مراد
أتشوق يا قريتي
إلى زمن أرى فيه
لبد البؤس و سنقر الجهل
يرقصان مذبوحان
فوق جفون أحلامي
أهرقي يا قريتي
على جمري كأسا
من ماء نهرك العذب
أنت يد و أنا أنف
اليد مني و إن كانت شلاء
و الأنف منك وإن كان أجدع
سأقطف وردة
من حقل أشواك الحنان
أضعها بين نهديك
رمزا لحبنا القديم
هي…أنا…وأنت
سأشكو للوادي
ما للبحر شكاه مطران
وأبحث بين أشجار الصفصاف
لك عن وجه جديد
فلا تبقي يا قريتي أنت، أنت…
::::::::::::::::::
:::::::::::::::::::::
(4)
الهزيمة الرابعة
قلت لك للمرة الألف
لا تعــصري فوق رأسي
د مـــــــعا
قلت لك للمرة التسع مـائة
لا تمـلئي أذنــي
بحــديث الأمس
أمرتك للمرة الستيــن
بألا تضحــكي
وسألتك للمرة الثالثة
كيف هـو لــون خـبزنا؟
فتذكرت كل شيء
لكنك نسيت خبز الأمس
أنا لئن جئتك بالأمس
أو قبل الأمس
أنا لئن قـلت لــك
أو لم أقـــل
فلساني غــربة
غــربتها الألسن
فاستلذ حلاوة الكسل
وجره الحنين إلى
مرارة العسل
فارتمى على عجل
في يم الفشل
لا تضحكي
فزقا ق الرذائل الطويـل
ينا ديني بحرارة
وشارع الغباء العريض
أنا مشيته قبلك
لا تمحي أثر أقدامي
فهو هويتي
هو كياني وذاتي
يا قريتي … منـك
أنـا ومني أنت…
كم هو لذيذ غبار أيامـك
يا وردة في مزبلة
يا مزبلة من الورود
ليت لي جمجمة
ملأتها رمال أرصفتك
لا تضحكي
فهديتي لن تعجبك
هديتي خاوية
حبر وحرف محروق
فوق لسان كل الكلمات
محروقة كل عباراتي
صيحة غــريق ليس إلا
لا تضحكي
لا تضحكي فخوفي بارد
و أصابع رجلاي
لا تطيق في مملكة البرد
صـــبرا
قريتي يا غزالة الظلام
وكثرة النواح والكلام
قلت لـك وكم كررت قولي
لا تضحكي
لا تضحكي
فرائحة الجوع التي تنبع
من أمعاء أوراقي
كفيلة باحتراقي…
لست بعاقل
ولا أحمق من حمقي
عندما أداعب نهد الهزيمة
عندما أكلم شعيرات صدري
وأحاول الهروب من ملح دموعي
عندما أرقب فجـــر الألم
أنادي العــد م
و يحتويني الفــراغ
وأسبح في خــوفي العــريض
أحاول يا قريتي
وأنا المتعب بانتمائي
أن أطفئ احـــتراقي
وأدفن أشــواقي
فــي مقـــبرة أحذاقــي
أحاول يا قـريتي
وأنا التائه في مقبرة الأحلام
الحصول على جواز
لشنق كل الأحلام
توسلت إليك كما يفعل المتعبد الولهان
ثم توسلت،و توسلت: لقنيني درسا
علميني كيف أعانق الغضب
كيف أقبل صخــور المستحيل
كيف أقلع جذور جسدي من جسدي
كيف أحرر قلبي من ويلات قلبي
تطعنني أصوات البطون الجائعة
الجوع التاريخي
تمزقني أنوار الشفافية
الجوع يا قريتي
أخلص عبيد الخديعة لو تعلمين…
أنا العاصر قلبي
أنا الموزع حلمي
بين عيني ودمعي
طالبتك قريتي
بحرق كل سجائري
وكل دفاتري و يوم ولادتي
وعمري وكل دقائقي
فأحرقت يا قريتي
دقائق عمري وأشواقي
ونقشت فوق جبيني
بسمة إخفاقي
ودفنت الأحلام في عمق أعماقي…
:::::::::::::::
:::::::::::::::::
(5)
الهزيمة الخامسة
بأي اللغات أنا جيــك
وأنت لا تفقهيـــن
إلا لغــة الجــسد
تنبعث من تفاح صدرك
رائحة الغـــد ر
تفوح حبال بطنك
بعطــر الخـديعة
كــل هــذا الزمــان
كــل هــذه السنين،
وتـذكـــرين وجـهــي
من أنســاك النسيــان؟
أي البقايا الغرامية تذكـــرين؟
وأي طــيف تعانقين؟
أراك ظــلا عدمـيا
يغطي بياض ظـلي
أتوسد غفوة أحـلا مي
وأعانق وسادة أوهــامـي
أحتـــرق…أتيــــبس
أتــــوجع…أنفجـــر
وأضـــحك
يتلاطث فــي قلــــبي
لهـــيب كــــيدك
وأمــــواج عشــــقي،
يستوطنني الحنين إلى لقياك
فتدوب مـرارة الحقــــد.
وحـــين في حلـــــمي ألقــاك
يشيطني بـــرد ذكـــراك
ويتأبطــني الجـــنون
أنــت قـــــمر:
لا يســكن الحــب
كـواكــب الــــــبرد
لا تقطن العفة لجة
أفـقـر النـفوس
ولا فــوق الســحاب
!تتربع الفضــيلـة
أنا يا بتــول الأذن
أفــرغـت جــيوب ذاكرتي
وثقبت جمــجـمــــتي
حـــفرت قـــبرا
عــــريض العــــمق
فيه د فـــنت مــــعا
قـــصة الأمـــس
وآهــات كــوكــب الشـرق
صقلت قــــبرية
مـن صــخورالـــوادي
كتبت عليها بمداد العصيان
“أنا
لن أعود إليك.
الآن صرت مجنونا
لـن
ينهار
يقين
جنوني
ضبطت عقارب أحلامي
جمعـت شتات ما بعثرت
وأعد ت بنـاء ما هدمت،
رممت أسوار قـلــبي
لــن أغـــسل وجـــهي
مثلما البارحة فعــلت
بـــماء الغباء
لن أصــلي خــاشعا
في محــراب العماء
لن تخدعني فصول المسرحية
هــذا أغسطس شهر الأعـراس
لن أقدم للعريس كما ألفت
إكليل ورد
سأهــديه دمعتين
لا تذبل الدمــوع
ملحها تأشــيرة تدخلها وطــن
الخلود.
المصطفى العمري/ المملكة المغربية.