هذيان:
“أنا متعبة من التظاهر بالسعادة عندما يكونون هنا..”
أستمع إلى داليدا تغنيها وهي تتألم وتحتضر دون أن ينتبه أحد إلى وجعها، دون أن يستجيب أي كان لنداء استغاثتها..
التظاهر، التظاهر بأنك بخير، بأن كل شيء على ما يرام، بأنك سعيد.. مشكلة قد تقود الإنسان إلى حتفه ..
لكن، لو صرخنا وأخبرنا الجميع بأننا لسنا على ما يرام، بأننا نخوض حروبنا الخاصة كل يوم، بأننا مستنزفون، منهكون، نزحف فوق أرض مفروشة بالزجاج، بالمسامير وبالعقارب، هل سيشعر بنا أحدهم؟ هل سيعيدنا أحدهم إلى الحياة كما بعث يسوع عازر؟
غير وارد..
أستمع إلى داليدا، وأحاول أن أعود للانغماس في الترجمة التي بين يدي، اللعنة، إنه نص ديستوبي آخر، لقد تعبت من التوحد مع شخوص الروايات الديستوبية، والتسكع في عالمهم المظلم، الكئيب، الآيل للانهيار في أية لحظة، أستمع إلى داليدا، كلماتها/ صرخاتها تتردد بلا توقف في رأسي، تمتزج مع أحداث الرواية التي يطوف فيها فارس الموت على صهوة حصانه الشاحب ليقطف أرواح الأشخاص الأكثر شبابا، الأكثر صحة، والأكثر منفعة، وتتداخل مع آيات متى، ونبوءات النهاية..
أنا متعبة..
لكن حتى ولو تسرب إلي التعب والسأم، فأنا لا أملك رفاهية الراحة، ببساطة لأنني أشتغل وأشتغل، عساني أهرب من شياطيني الخاصة..
قال لي صديقي الشاعر: ارتاحي قليلا، توقفي عن الاشتغال، وأكمل بلهجته المحببة ممازحا إياي: أخاف أن تموتي، إنه لا يعلم أنني مع كل نص أموت ميتة صغيرة، قبل أن أنبعث، ولا يدري أنني كلما توقفت لأرتاح، تنفتح أمامي أبواب جحيمية، لذا أشتغل وأشتغل بلا هدنة، منذ عشر سنوات..
عشر سنوات، عمر من الأحلام، سير في طريق الآلام، أكاليل شوك وأكاليل غار، عشر سنوات من مراقبة الآخرين، ومن الحياة على ورق، عبر شخوص عابرين..
لقد أمضيت عقدا من حياتي في مراقبة الحياة والأحياء، في الكتابة عن أوجاعهم، مآسيهم، أمانيهم.. دون أن أتوقف للحظة لأتساءل: ماذا عني؟
لقد صرت خارج الزمان.. دون أن أعي..
الكلمات التي أترجمها تمتزج مع نحيب داليدا، وتصفيق الجمهور المحموم الذي غرته البهرجة الخداعة والبهجة المصطنعة، لذا لم يعرف أنه يحضر عرضا حيا للآلام:
“أنا متعبة من التظاهر بالسعادة عندما يكونون هنا!”
“طوبى للحزانى!”
سلمى الغزاوي