سليم مطر/جنيف
ان جميع المتابعين للوضع العراقي يطرحون دائما هذين التساؤلين المحيرين:
1ـ ما هو سر هذه القدرة العجيبة للحزبين الكرديين بالسيطرة على 80% من الاعلام العراقي وامتلاكهم هكذا الساحة مفتوحة بصورة تتجاوز المعقول ، فلا الارهاب يقترب منهم ولا القوى الشيعية والسنية تضايقهم. ولهذين الحزبين الكرديين سطوة بين الاعلاميين والمثقفين العراقيين تتجاوز اضعاف نسبتهم السكانية والحزبية وخارج المنطق الديمقراطي وامتلاكهم اكبر مؤسستين اعلاميتين متحكمتين بالوضع: (المدى ـ فخري كريم) و( الشرقية ـ الزمان ـ سعد البزاز)؟!
وبنفس الوقت الاصرار العجائبي للاحزاب والنخب الشيعية العراقية على تجنب اقامة أي مؤسسة او مؤسسات اعلامية وثقافية كبيرة ومهمة رغم امتلاكهم الدولة والمليارات والنخب الاعلامية والثقافية الكبيرة التي تشكل الجزء الاعظم والفعال من النخب العراقية
!!
2ـ اما التساؤل الآخر الذي لا يقل اهمية وخطورة من الاول، فيتعلق بسر هذه القدرة السحرية الخرافية للمنظمات الارهابية (السنية ـ البعثية)، على الاستمرار بعملياتها الارهابية وبصورة تتجاوز في نجاحها حدود المعقول رغم كل هذه التحضيرات الامنية والجدارية والعزلية وحملات الابادة والاعتقالات المئات الالوفية. حتى ليخيل للمتابع كما لو انه هذه المنظمات تضم عفاريت جبارة وشياطين خرافية دائما التوالد يحيث يفوق عددها سكان العراق اجمعهم؟!
عراق موحد ولكنه مريض متأزم
ان الجواب على هذين التساؤلين المحيرين يكمن في حقيقة الاستراتيجية الامريكية المنفذة بشكل سري في العراق عبر الاتفاق الكامل مع القيادات العليا الشيعية والسنية والكردية، بالاضافة الى المنظمات الارهابية والدول الخليجية، وكذلك ايران بصورة ما. اما جوهرهذه الخطة:
الابقاء على العراق موحدا، ولكنه ضعيفا مريضا مقسما بين ثلاث اقطاب: شيعية وسنية وكردية.
وهذا الوضع العراقي المريض المتفجر المتأزم على الدوم يجب ان يبقى لحين الانتهاء من التنفيذ الكامل للخطة الامريكية في الشرق الاوسط، وبالذات تغيير الوضع في سوريا على الطريقة العراقية، كذلك ارغام ايران بالموافقة الكاملة على دخول الحضيرة الامريكية.
ومن اجل الضمان التام بمنع أي اية محاولة من قبل أي قطب بتجاوز حدوده المرسومة له، فقد قام الامريكان بتقسيم السلطات على هذه الاقطاب بطريقة بحيث تكون متساوية في قوتها رغم اختلاف النسب السكانية والامكانات الواقعية. وقد حرصت الخطة الامريكية على التوزيع العقلاني لأهم واخطر سلطتين: العسكرية والاعلامية. بالعسكر تسيطر على البدن والسكن، وبالاعلام تسيطر على النفس والعقل.
الشيعة لهم الدولة كلها ولكن بدون اعلام!
بالنسبة للقطب الشيعي، بما انه يمثل اكثرية السكان، فمن الطبيعي ان يسيطر على الدولة والاجهزة التنفيذية، وبالذات العسكرية والمخابراتية وكذلك الاقتصادية(المالية النفطية).
اما السلطة الاعلامية فقد تم الاتفاق على حرمان الشيعة منها بصورة شبه كاملة ومنعهم من الاقتراب منها الا بصورة محدودة ومشوهة. والسبب لأنهم يمتلكون الشارع والحشود المليونية والنخب الثقافية والاعلامية الجاهزة. ولو سمح لشيعة العراق ببناء المؤسسات الاعلامية العصرية والكبيرة فأن هذا يعني بكل بساطة سيطرتهم الاعلامية(النفسية والعقلية) ليس على العراق وحده بل على المنطقة بأكملها، مما يؤدي الى تخلخل وتخريب كل الاستراتيجية الاعلامية الامريكية ـ الخليجية الهائلة التي فرضت نفسها على المنطقة خلال السنين الاخيرة. والذي يثير العجب في هذا القرار، انه حتى ايران متقيدة به، فهي غائبة تماما عن أي نفوذ اعلامي في المنطقة!
الاكراد لهم البيشمركة واعلام الوطن كله!
اما القطب الكردي، فرغم منحه السلطة الكلية على المنطقة الكردية والكثير من مناطق الشمال الاخرى، الا انه في الواقع يبقى ضعيف عدديا واقتصادية واستراتجيا وعسكريا وحتى ثقافيا وتاريخيا وروحيا، وبالتالي فأنه عرضة سهلة للذوبان في باقي الوضع العراقي، بالاضافة الى سهولة اجتياحه من قبل الدولة العراقية بماكنتها العسكرية والبوليسية والاقتصادية.
لهذا فقد تم الاستفادة من التجربة الاعلامية الاسرائيلية والخليجية والتي اثبتت بأن أية قوة مهما كانت ضعيفة في ارض الواقع، فأنها تستطيع ان ترهب وتضعف اية قوة منافسة مهما كانت متمكنة ماديا وواقعيا، من خلال سلاح الاعلام ( الارهاب الثقافي النفسي)! نعم ان سلاح الاعلام لو حسن استخدامه فهو اقوى من سلاح العسكروالاقتصاد!
لهذا فأن الامريكان حتى قبل اجتياح العراق في 2003 قد استعانوا بالمستشارين الاعلاميين الاسرائيليين لبناء شبكة كبيرة من المؤسسات الاعلامية العراقية الصغيرة والكبيرة في الخارج والداخل، بحيث تكون بغالبيتها الساحقة مرتبطة بدرجات متفاوتة بالحزبين الكرديين، وبدرجة اقل بالقطب السني ـ الخليجي.
وبنفس الوقت، فقد تم الاشتراط على القطب الشيعي (كذلك مع المنظمات الارهابية السنية) بعدم مضايقة هذه السيطرة الاعلامية الكرديةـ الخليجية في العراق، وفسح المجال الكامل والحماية لأمبراطورية (فخري كريم) وهي كردية 100% وامبراطورية(سعد البزاز) وهي كردية ـ خليجية!
وكما اسلفنا، كذلك بنفس الوقت منع أي محاولة شيعية بخلق شبكة اعلامية مهمة وافشال كل المحاولات التي قد يقوم بها بعض المثقفين والاعلاميين من اصول شيعية خارج خيمة الاعلام الكردي والخليجي!
السنة لهم اعلام الخليج ومنظمات الارهاب!
اما القطب السني، فانه ايضا يعاني من الضعف السكاني والاستراتيجي، ثم انه بعد حرمانه من الجيش والمخابرات السابقين، فقد اصبح اعزلا من السلاح. لهذا فقد تم تعويضه بناحيتين:
ـ اعلاميا، بصورة غير مباشرة من خلال الماكنة الاعلامية السعودية الخليجية(الجزيرة والعربية وغيرها) بالاضافة الى جزء من امبراطورية البزاز.
ـ عسكريا من خلال(المنظمات الارهابية) التي تمارس دورا اساسيا باضعاف القطب الشيعي كلما حاول ان يتجاوز حدوده المرسومة له. وهذه المنظمات غالبيتها وهمية او حقيقية ولكن مخترقة من قبل مرتزقة امريكا والاكراد والسعودية. وهي تنسق عملياتها بصورة مباشرة وغير مباشرة مع القيادة الامريكية. ويتم تسهيل عملها من قبل القيادات الحكومية الشيعية نفسها مجبرة او راضية !!
ما العمل؟!
يقينا هنالك من سيردد ضجرا: انها نظرية المؤامرة!
نقول نعم ان المؤامرة موجودة منذ فجر الحضارة، منذ ان وجدت الدول والجيوش والمخابرات. ولكن بنفس الوقت نحن نختلف عن الباقين لاننا نعتقد بأن هذه المؤامرة، ليست قدرا شيطاني محتم لا يمكن الفكاك منه. بل ان اية مؤامرة مهما كانت، يستحيل نجاحها دون تواطئ الضحايا انفسهم ضد انفسهم، وخيانة ضمائرهم واحزابهم وقياداتهم ونخبهم المثقفة والسياسية والدينية.
لهذا فأن خلاصنا من هذه المؤامرة لا يتمثل بانتظارنا رحمة الامريكان والقوى الاقليمية، بل بوعينا نحن وتمسكنا بهويتنا ووطننا وكرامتنا، وكفاحنا السلمي والثقافي من اجل دراسة عوامل ضعفنا الثقافية والتاريخية وكذلك فضح الاحزاب والقيادات الخائنة والمتآمرة.
وان تبادر نخبنا الضميرية من جميع طوائف وقوميات امتنا العراقية الى الالتفاف حول المشروع الوطني الذي يوحدنا ويعيد لنا كرامتنا واستقرار بلادنا.
لمزيد من المعلومات طالعوا كتابنا(المنظمات السرية التي تحكم العالم):
كذلك كتابنا الاخير(مشروع الاحياء الوطني العراقي):
http://www.mesopot.com/default/index.php?option=com_content&view=article&id=266:-2012&catid=39:lougaat