هديل العزاوي
يتمالك البعض ممن نلتقيهم خلال حراكنا الاجتماعي اليومي شعور بأن هناك أموراً بعيدة المنال في الحياة، ولايوجد بصيص امل لتحقيقها حسب اعتقادهم، ذلك الشعور الذي تنامى مع كاهل الحياة الصعبة التي تواجهها البشرية في دوامتها المستمرة وزوابعها المتوالية دون رحمة، والذي أدى بدوره الى رعرعة هذه الثغرة السوداء الكالحة المتمثلة بنفثة اليأس والاحباط في جوف الروح الانسانية فجعل منها نفس مكابدة للحزن والهم وتثبيطاً للهم حتى اصبحت روح الارادة والعزم نحيلة المتاكأ لما دب على راحلتها من عصف رياح قتلت تلك النسمة العليلة. فما ان تبصر احدهم ليقدم على امرا قدم على تحقيقه بالامس الماضي الا وقد ذهب سداً في اول خطوة من فجر طريقه ..
ويبقى السؤال مطروحا على طاولة الحوار ومخاطباً مضمار تلك العقول … لماذا روح الاستسلام والانقياد الى التراجع في امر ما ..؟ رغم ان هناك بعض الباحثين من يؤكد ذلك بالقول: “ليس كل شيء محال وليس كله ممكن ، فمن الممكن فعله نصنع المحال تحقيقه “.. اذاً نصنع … نعمر … وننهض بما تحت ايدينا من اجل نيل المراد، وكله يكمن في روح العزم والتحلي بالصبر. فالصبر مفتاح الفرج وصفات العزم مــــــن الرسل ( عليهم السلام )، وتراث ابائنا انذاك وامجاد حضارتنا التي لم تاتي عن فراغ الا بعد تحمل المحن والشدائد التي عصفت بعصورهم الموغلة في القدم. ولكنهم رغم ذلك تمكنوا من تحقيق انجازات عظيمة شهد لها التاريخ وارخها المؤرخون، ونٌصبتّ لهم الاثار التي اتقنوا فيها صياغة اول ايقاع لهم وحتى الرحيل، لتصبح فيما بعد حضارة بعناوينهم.
ولن ننكر في ذات الوقت ان هناك اموراً لايمكن تحقيقها رغم اتباع الكثير من الطرق والمساعي بيد انها نادرة الحدوث جداً كونها خارج طاقة الانسان الممكنة. ومما لا شك فيه انها تقع وفق مشيئة الله تبارك وتعالى ولحكمة اقتضاها لايعلمها سواه سبحانه. ولكن لطالما يوجد في الحياة مساعي كثيرة، وان طال الطريق بالوصول الى الغايات المرجوة، الا ان معظمها يتحقق في نهاية المطاف. وخير دليل على ذلك ما جاء في كتاب الله العظيم “القرآن” حينما بين لنا الكثير من العبر والمواعظ التي تنمي شعور الراحة والاطمئنان والقوة في النفس لدى الانسان، ومنها الحوار الذي اتسم بالشجاعة من مخلوق ضعيف بالكاد رؤيته لصغر حجمه الا بعد تركيز دقيق مثلُ النملة حينما نادت باقي جيوش النمل في واديها وهي تولول بقولها الذي ذكره الله لنا في محكم آيات كتابه الكريم ” يا ايها النمل ادخلو مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون”، والذي وجهت من خلاله ندائها لاقرانها من النمل محذرةَ اياهم من الخطر الذي احاط بهم حرصاً عليهم من المأزق الذي هم فيه، وهي تعلم انه لاقوة لها تضاهي قوة جنود البشر الذين تمثلوا بسيدنا سليمان عليه السلام واصحابه.
لذلك نلاحظ ان النملة لم تستلم وانما بادرت بالنداء وحذرت من الهلاك الذي سيحل بمستعمرتها من خلال السحق والتحطيم لهم جميعاً كونهم مخلوقات صغيرة لا أحد يشعر بوجودهم، وعليه امسى دخولهم الى المسكن السبيل الوحيد الذي يخلصهم من المحنة التي هم فيها، وفي غضون ثوانٍ صنعت المستحيل وحفظت حياة مستعمرة باكملها كادت أن تدمر … فسبحان الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
من هنا تبدأ رحلة التأمل والتفكر في هذه الامثال التي ضربها لنا الله تبارك وتعالى لتكون حافزاً معنوياً لتحدي الصعاب واعتلاء القمم. فقد يكون قرارا في امر معين يحدث تغييراً كبيراً وسبباً في تحول مصير كاد ان يكون واقعاً. وبناءً على ما تم ذكره سلفاً اتوجه بالنصح الى من ترك مفاتيح يأسه في رماد الاحباط ، أن إقبض عنك هواجيسك القاتلة لروح الامل فيك، وثابر وجد واجتهد وتواصل مع الحياة ولاتتراجع، فبقدر ماتبذله من جهد سيكون عطائك هذا بنتاج زاهر يفوق حتى مارسمت له وخططت، يبهرك شخصياً قبل الجميع، واعلم ان وجودك في الحياة من اجل إحياء حياة ركيزة تتسم باجمل معانيها الانسانية السامية، ولاتفوت عليك فرصاً من الممكن ان تكون فيها شخصية بأجمل معانيها، والتي ربما لن يقدمها لك القدر مرة اخرى.