( نولدُ من رقصة ونبقى راقصين كزهرة دوّار الشمس!)
ينمو في الحديقة أكثر مما يزرع البستاني – مثل اسباني
لنتابع أداء هذا الراقص وليد الضوء فيما يؤدي رقصة تعبيرية من رقص الفلامنكو الرجالي ..
المكان في أحد المطاعم الشعبية في مدريد عاصمة اسبانيا. رقصة يؤديها رجلٌ هاوٍ في برنامج – ساعة ونصف – في كورال دي لا موريريا، بمدريد. إذا كان لنا أن نحدد بكلمة واحدة الحركات والمواقف التي تميز رقصة الرجل في الفلامنكو ، فإن الأكثر ملاءمة ما يُعرف بـ ( sobriety ) أي الرصانة والإتزان. مع اهتمام خاص بحركة الذراعين والرأس أثناء الأداء. ثم طبيعة التوقفات والانطلاقة المفاجئة ومثلها وضع اليدين، حركة اصابعهما الملمومة ثم انفتاحها إلى الخارج كوردة تتفتح للضوء. ثمةَ انطلاق ايقاع الضربات المتسارعة بالطرق بكعبي الحذاء الخاص على ارضية المسرح بسبب من اكتناز شحن الدورة الدموية القادم من ضوء الشمس.
نتابع بعض لمسات الإخراج المسرحي بخاصة توظيف الظل والنور العنصر الرمزي والمعادل الموضوعي للغة الجسد التعبيرية، اما الديكور وحتى لو كان جدار القاعة فسيساهم من جانبه في استكمال المشهد الراقص.
الرقص هنا لا يقتصر على الراقص فحسب ، لاحظ مشاركة النور المنشق عن درفتي النافذة على صفحة وجه الراقص. أغلب وقت الراقص هو في مواجهته للنافذة التي لا نراها بل نتلمسها عبر اندلاق النور من الجدار ومتساقطاته على الوجه.
ما الذي يفعله ضياء الشمس بجسد الراقص؟ ليس بأكثر من بث شحنة من الطاقة .. شحنة من حرية الحركة بل الانطلاقة المتناغمة مع التصعيد الخلاق! حين يسبح الجسد شيئا فشيئا بفيض النور سرعان ما يمتد حول صدر الراقص فيغسل قميصه الزهري اللون بالضوء ، يغدو بفعل الشحنة النورانية كويكباً يلفّ حول نفسه فيما يتناول بمنقاره ما يدلل على انه كائن حي وليس فيض ملاكٍ هيولي من العدم . واذا ما شاء وتوقف للتزود بالطاقة فلا مناص من النافذة – طريق الضوء- حيث يتسمر الراقص بشموخ وكبرياء غير آبهٍ لمن هم حوله ، هو وحده المعني بشاغل من الزهو لطقسٍ يخصه أما المشاهد فليس بأكثر من متفاعل بانتشاء خاص وما ينبعث من فيوضيات متوهجة قل ما يحصل عليه عَبْرَ يومه الذي يتسربل خلسةً من عمره.
ما الذي يريد أن يقوله طائر الفلامنكو البشري هذا فيما يبسط جناحيه شمال وجنوب اتجاه الضوء ! هل يعاتب أحدا ما، كأن يقول : هوذا الطريقُ سالكٌ للضياء .. هوذا السلام فعلام التشتت وكل هذا التيه والضياع في بقاع الأرض أيها الأَنام !؟
كوكبٌ بشري يدور ويدور بين أجرام السماء واذا ما شاء ليستريح فليس سوى الوقوف هنيهة أمام المانح الواهب للضوء والنماء ..
رقصٌ يبدأ صامتاً داخل رحم الأم من ثم تلتف الأجنّةُ وتدور لتعود إلى رحم الأرض على الرغم من كل الضوضاء وبشارة التهليل بالقدوم والدهشة لعظمة الخلق ، فلا بد من خاتمة هادئة صامتة لكن بكبرياء .. ومثل ذلك ما يفعله نبات دوّار الشمس.. في حين تعاود البذور الغنية بالرقص رقصتها خلافا لما هو ضعيف وكسول منكمش ، سرعان ما يتلقفها الدود المزارع الحكيم دون ضوضاء ليريحها في رحم الأرض وبمباركة من الضوء إياه.