سامر الياس سعيد
في عمله الروائي الجديد يبرز الكاتب العراقي نوزت شمدين ذاكرة مستوحاة مما عاشه العراقيون عبر ثلاثة عقود ملتهبة بالحروب والازمات فيسعى من خلال روايته الجديدة التي عنونها بـ(سقوط سرداب ) والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بـ175 صفحة ان يقف عبر شخصية الرواية الرئيسية ثائر سالم في ان يقف على الحياد بين محطتي الحياة والموت في استقراره في سرداب منزله خوفا من الانصهار في اتون الحرب التي تشتعل بين فترة واخرى ..
الثيمة الرئيسية التي يبرزها شمدين في روايته الجديدة هي الذاكرة العراقية التي تؤرخ لسنين من الازمات التي عادة ما تتجسد الى حروب يكون ضحاياها من الابرياء وبالرغم من ان الرواية تبدو حافلة بالشخوص والامكنة والتواريخ الدقيقة التي يستعين بها الكاتب ليبرز من خلالها عن حرفيته الصحفية التي تمتزج مع سرده المؤسس على وقائع مثيرة تبرز بين فصل واخر لتبقي القاري على تواصل مع اللاحي واللاميت المستقر في سرداب منزله لكي يتامل مع ما يجري في الخارج من الالام الاسر والفقدان والموت بلاقيمة تذكر ..
انها رواية الالم العراقي التي لايغيب افقها عن اعمال الروائيين العراقيين انتظر كاتبها كثيرا ليطلقها من مهجره الذي استقر فيه في احدى الدول الاسكندنافية وربما تبرز تلويحته لمدينته التي عاش فيها(الموصل ) والتي تنبض من بين سطوره والتي تعيش اليوم ازمتها الحزينة بسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية عليها منذ اكثر من عام ..ويدرك شمدين اهمية ضخ الكثير من اسماء المناطق التي تضج بها الموصل لكي يمنح روايته الواقعية التي تبقي القاري الموصلي على مسافة من الذكريات التي عاشها هذا القاري مع الاحداث التي ترد في تلك الرواية لتنتعش تلك الذكريات بتفاصيل اخرى عاشها المستقر في السرداب ليمنح رؤيته ازائها وهو المستقر في قاع المنزل مقارنا مع الباقي في مواجهة تلك الاحداث والذي عاشها بتفاصيلها ..
وينفجر بركان الرواية في الازمة الكبرى باحتلال الامريكان للعراق وما تمخض عن هذا الاحتلال من فوضى ضاربة لاتقاس مع الكثير من تفاصيل الاحداث الذي دونها قلم الروائي شمدين في سياق الرواية وربما ركز على الفوضى التي شهدها الشارع الموصلي في ذلك اليوم النيساني من عام 2003 والتي قرر على اثرها بطل الرواية ان يترك سطح الحياة وليعود الى منفاه الاختياري بكلمته التي يخاطب بها امه وتختتم بها الرواية وهو يشير الى باب السرداب بـ(اغلقيه ورائي )..ثمة رسائل مبطنة تتقافز ما بين سطور الرواية يحتفظ باسرارها الكاتب نوزت شمدين ليخاطب من خلالها قارئا ذكيا يسعى لفك رموز تبرز وتختفي في سياق الرواية التي لايسعى من خلالها شمدين لان تكون روايته ذات سياق تاريخي وتوثيقي فحسب بل هي رواية كل الازمنة ما دام الصوت الانساني يبقى مخنوقا تجاه ما يحصل من ازمات ودون ان يكون للشعب قراره الاهم في ان يقف نزيف الحروب وان تكون اجساد ابنائه طعما مناسبا لنيران المدافع والهاونات والدبابات وكل الات الدمار المحرقة ..واذا كانت الشخصية قد اختارت الموقع الوسط ما بين الموت والحياة فانه ترجمة لما كان يعيشه اقرانه وهم يعشون مناخات الحرب التي اضفت على العراق فصلا مزمنا لاجواء الخريف لتسقط من اشجاره الالاف الاوراق النظرة وليبقى اللون الاصفر مناسبا لشكل الحياة التي يحياها هذا البلد ..وانا انتهي من رواية شمدين استذكرت لقاءاتنا في مدينة الموصل لاسيما في احداها والذي توج باهدائه لي كتابه (الموصل في بكين )الذي ضم مقالات ساخرة طالما كانت صفحات الصحف الموصلية قد نشرتها في سنوات سابقة وادركت من خلال هذا الكتاب ما يتمتع به شمدين من مواهب ابداعية مزدوجة لكنه في اعماقه يحتفظ بعشق غريب نحو الرواية والذي افتـــــتحه بشريط روايته الاولى (نصــــــف قمر ) بينما كنت ارقبه وانا اتابع ستوديو اخبار فضائية سما الموصل حينما كان ظله يتوارى خلف مذيع الاخبار وقد انهى مسيرته مع اعداد اخبار تلك اللـــــيلة قبل ان يغيب لتـــنقل الاخبار لنا خبر رحيله نحو البلاد البـــعيدة ..