نوري الراوي .. عصي على النسيان !
مؤرخو فن التشكيل العراقي ، كثيرون ، بعضهم كان من حملة الفرشاة واللون ، والبعض الأخر من الدراسين لمسيرة هذا الفضاء الفني البهي ، ولدينا اسماء مبدعين ، في بستان الفن التشكيلي ، لهم شهرة عالمية ، وبات توقيعهم على لوحاتهم ، يحتل قاعات ابرز متاحف الفن في العالم .. ولا شك ، ان الفنان الرائد نوري الراوي الذي مرت قبل ايام ذكرى وفاته بصمت ، باستثناء اشارات خجولة ، كان من أولئك الفنانين ..وتاريخه يتضمن صفحات كثيرة ، ملآى باللوحات المميزة والابحاث الموثقة التي اصبحت مصدرا للدراسين .
تعود معرفتي بالراوي الى كانون اول 1967 ، اثناء تلبيتي مع مجموعة من الزملاء الذين كانوا يشرفون على الصفحات الفنية والثقافية في الصحف آنذاك ، دعوة لافتتاح المعرض السنوي السابع لجمعية الفن الحديث مساء يوم 12/11/1967 بمبنى المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان) وضم المعرض المذكور لوحات رائعة لعدد من اعضاء الجمعية، وهم رواد الفن التشكيلي والنحت في العراق، وحضر حفل الافتتاح وزير الثقافة والإرشاد في حينه دريد الدملوجي، فيما شهدت اروقة المعرض حضوراً كثيفاً لأعضاء السلك الدبلوماسي ببغداد. ولفت انتباهي حضور شخصية كانت محط اهتمام الجميع، فسألت الفقيد نوري الراوي عنها ، وكان واقفا الى جانبي ، فقال انه السيد روبرت كولبنكيان اي ممثل مؤسسة كولبنكيان التي تبرعت بأنشاء الصرح الفني الشهير الذي اصبح في لاحق الأيام احد ابرز معالم بغداد الثقافية ، وقد أجريت لقاء صحفيا مطولاً مع هذه الشخصية نشرته في صحيفة “العرب” البغدادية في 18/12/1967. وللذي لا يعرف معلومات عن هذا الصرح أستل من لقائي المنشور آنف الذكر هذه المعلومات : “حصلت جمعية الفن الحديث على قطعة الارض التي شيد عليها المبنى في ساحة الطيران في الباب الشرقي في العام 1957 هدية من المرحوم الملك فيصل الثاني وبقيت قطعة الأرض تعيش يتماً، لعدم قدرة الجمعية على إنشائها، وحين زار بغداد السيد روبرت كولبنكيان للاطلاع على مشاريع مؤسسته في العراق ، وهو محب ومتابع لفن التشكيل، فقد أعلن عن رغبته بأن يلتقي بعض الفنانين. ومن حسن الحظ ان يكون الفنان الرائد حافظ الدروبي والدكتور خالد الجادر ممن التقاهم كولبنكيان، فكانت فرصة ليعرضا على الضيف مشروع بناء المتحف، وأقتنع الرجل، وكُلف المهندس المعماري العراقي قحطان المدفعي عضو جمعية الفن الحديث بأعداد تصاميم المتحف ، وفعلا أرسلت التصاميم الى البرتغال لاطلاع المؤسسة حيث مقر عملها، فحصلت الموافقة على تشييد المتحف الذي حمل أسم المؤسسة العالمية”..
ومنذ ذلك الوقت ، استمرت علاقتي به ، حتى الى قبيل وفاته بمدة قصيرة ، حيث زرته بمعية الفنانة التشكيلية الاعلامية ” عزة الراوي ” في بيته بشارع الكندي ببغداد ، وكان يمر بحالة صحية ونفسية صعبة وعدم تمكنه من الحركة بسبب قدميه اللتين دبت فيهما الاورام ..
لقد مرت ذكرى وفاة الرمز التشكيلي نوري الراوي دون اكتراث ، وتقصدت الاشارة الى ذلك في عمود هذا الاسبوع ، كي ينتبه المعنيون لاحقا لمثل هذه المناسبات ، وادعو هنا ، الى تشكيل لجنة تتولى مسؤولية فتح (كنز الراوي) المتمثل بعشرات الأكياس الكبيرة التي تركها في بيته ، والتي تضم أهم وثائق ومرتكزات الفن التشكيلي العراقي، والثقافة عموما منذ سبعة عقود ونيف، حيث وثّقها الراوي بالقلم والصورة ، فضلاً عن مئات اللوحات المهداة إليه من زملائه، واللوحات التي رسمتها ريشته..