جمال الموسوي يعتبر أدب الرحلات أو ما يعرف بالسفرنامة من أجمل أنواع الآداب فهو بمثابة المرآة التي تعكس ماجرى للكاتب من أحداث وماعاشه من مواقف وماصادفه من أمور، وتعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والإجتماعية، وقد اتسع صدر هذا الأدب الى رحلات ظلت خالدة بالذاكرة أبطالها " بن بطوطة "، " ماركو بولو "، المسعودي "، " المقدسي "، " الإدريسي الأندلسي " وسندباد الخيالي الذي يعد رمزا للرحالة المدمن للرحلة، والقصص الأدبية مثل ملحمة " الأوديسا " الإغريقية وملحمة " جلجماش " البابلية وملحمة " أبو زيد الهلالي " العربية . وما يمكن قوله عن أدب الرحلة الجزائري فهو أدب بكر لم يحظ بدراسات كافية رغم وجود مادة جيدة تنافس أدب الرحلة العربي، وبالعودة الى رصيد هذا الأدب بالمكتبة الجزائرية نجده قليل بسبب عدم جمع هذه المادة الثمينة من قبل الباحثين والدارسين والمختصين وطبعها، وقلة قليلة تركت بصماتها في هذا اللون المتميز كون أغلب الرحالة لم يسجلوا مشاهداتهم ورحلاتهم بسبب غياب حسن التدوين لدى البعض منهم، بالإضافة الى بقاء الكثيرين منهم في البقاع المقدسة . لقد تعددت أسباب هذه الرحلات، فمن هذه الرحلات من لها طابع ديني أو علمي أي حجازية أوعلمية أغلبيتها نحو دول أوروبا لاسيما فرنسا، وما تعلق بالرحلات الأخرى والتي كانت بالخصوص في الفترة الاستعمارية فقد جاءت نتيجة لرغبة السلطات الفرنسية وقلما نجد رغبة حقيقية لدى هؤلاء الرحالة مما جعلهم لا يسجلون الا ما ترغب فيه وترضى عنه أو تطلبه هذه السلطات . ومن أهم الرحلات الخارجية رحلة " أبو راس الناصر " التي كانت باتجاه المشرق العربي لأداء مناسك الحج، ورحلة الشيخ " البشير الإبراهيمي " الى مصر وباكستان خلال الثورة " رحلتي الى الأقطار الاسلامية " لقد شدته تلك الأجواء العلمية التي جسدتها المعالم الدينية والثقافية الموجودة بها، ومن هذه المعالم التي شدت انتباهه جامعة الأزهر التي تعد مفخرة لكل مواطن عربي مشرقا ومغربا : (( خرجت مرفوع الرأس تيها، مملوء النفس فخرا، مفعم الجوانح اعجابا بهذه الجامعة التي هي مفخرة الشرق وحجته على الغرب ))، وكذلك رحلة " الحاج الدين الأغواطي " في شمالي أفريقية والسودان وقد كتبها بطلب من السيد " ويليام هودسون "مساعد القنصل الأمريكي في الجزائر قبل الإحتلال الفرنسي بأقل من 05 سنوات، ورحلة " سليمان بن صيام " المعروفة بالرحلة الصيامية وقد كانت باتجاه باريس عام 1852، ورحلة " أحمد ولدقاد " عام 1878 الذي بالغ فيها بمدح حضارة فرنسا والإشادة بكرم الفرنسيين لما شاهده من تطور علمي وحضاري في الجتمع الفرنسي، ورحلة " محمد بن الحسن بن الشيخ العفون القسنطيني " وهي رحلة قام بها بترتيب من الإدارة الفرنسية و رحلة " ابو القاسم سعد الله " " رحلتي إلى الجزيرة العربية " كانت بعد الإستقلال عام 1977، أما أشهر الرحلات الداخلية فتلك التي قام بها العلامة " عبد الحميد بن باديس " وعددها خمسة شملت العديد من المدن الجزائرية وهي لم تخرج عن توعية الشعب ودعوتهم الى اتباع كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلوات بسبب مالاحظه من صراع قبلي واستسلام لمخالب الشعوذة من خلال ماكانت تزرعه الطرقية من بدع " رحلات التعاون والتذكير، جولة صحفية، في بعض وجهات الوطن، ثلاثة أيام ببسكرة، رحلتنا إلى العمالة الوهرانية )، الإضافة الى رحلة " عمر بن قبنة " إلى مدينة الجلفة التي حملت عنوان " في ثنايا الجنوب الوديع "، ورحلات : مالك بن نبي " إلى كل من " أفلو "، " من العاصمة الى تبسة " و" من عنابة الى تبسة "، ورحلات " توفيق المدني " الى الجزائر العاصمة وبوسعادة أين زار زاوية الشيخ " الهامل " وميلة وتلمسان وبسكرة حيث أبرز الصفات الحميدة والسمات النبيلة لسكان الصحراء . ففي غياب الإهتمام بأشرعة أدب الرحلة اكتمل النقص بهذا القليل الكثير فتوقف قطار هذا الأدب عن السفر في لهفة أقلام الكتاب الجزائريين غير أن قطار السفر في رحلات الاستمتاع بفراديس البهاء والجمال والسلام لم يتوقف عن إغراء هذه الأقلام التي لم تتردد في ركوب صهوات الرحلات هذه المرة ليس للتنقيب عن عادات وطباع وقيم ومواقف وأسماء أماكن ومدن وشعوب بل لفتح شبابيك الروح المحبوسة في دياجي الفجائع والخيبات ولنسيان جعجعة طواحين الحياة اليومية وعجعجة الأخبار الملغمة ولرؤية الوجه الآخر للحياة من شرفات قصر الآمال وغسل آهات محبرة الحبر بأعشاب الصبر المزروعة في مربعات البحيرات البنفسجية .. فالكرة الأرضية التي تمردت على طقوس الأنظمة التقليدية تنكرت لمبادىء الشمس ولقسم السماء فلم تعد الحصن المنيع الذي يأوي إليه كل سكان الأرض، وسمحت لأحفاد ارطغرول وحماة شعارات الدم – قراطية و الفاشستية بحرق جراح البشرية بنيران الوحشية والأنانية من أجل بلوغ سدرة المجد المزعوم .. والخريطة العتيقة لم تعد تتشكل من خمس قارات بل صارت عبارة عن خمس قرى متجاورة والكاتب الجزائري رفض أن يكون الوجه الآخر لسندباد صاحب العمامة البيضاء الذي غرس الملح بمرجة كبده سناجق جزر الواق واق ورفض أن يثقل عاتقة بعباءة الرياح الاربع والغوص في أسرار الأحدوثة بحثا عن تاج الأميرة مرجانة وعن الصولجان المرصع بيواقيت أمواج العناد وزبرجد الجان .. لقد اختار الكاتب الجزائري ان يصف فاكهة بوحه وواحات جمره ومنممات حرائقه داخل بساتين القصة والرواية والقصيدة بعيدا عن متاهات المغامرة، ومن شق الحقيقة أنه لم يعد هناك من ينتظر ولائم رحلات العجب على الورق الأملس ليسكت ألسنة جوع الفضول .. أومن يطمع في أنهار حدسها لتروي عطش لهيب الدهشة .. السر الكبير صار بحوزة قطرة الضوء السحرية المتدفقة من ينابيع عصر التواصل خلف الشاشة الاسمنجونية والقارىء صار يجيد قراءة خطوط كف العالم وبكل لغات النبوءات لهذا تبنى الكاتب فكرة كتابة ما لا يمكن للقارىء أن يعثر عليه في تلك القطرة الشيطانية، فسلم حقائب تعبه لمن هم أكثر دراية بفنون الراحة، فالكاتب المسافر لم يعد يبحث عن آثار أقدام بن بطوطة، وجلجماش، وبن طفيل، وماركو بولو بل صار يبحث عن التفاحة التي وردت في كل كتب الأمان وعلى تخت من حرير ونمارق من ريش النعام تحمله ملائكة النوم الأبيض إلى مملكة الصفاء بعيدا عن أشواك الأسئلة اللاحمة ونظرات الظلمة المأجورة المسورة بكلاليب التعصب والعنف والشك والانتقام .. حين يعود الى حجرة الكتابة المبطنة بمخمل حروف النار والماء والهواء والتراب يخبىء أوراق رحلاته في درج قلبه مع تقاسيم وجهه الحزين وحنين أصابعه الى أعراس حكاية لايذبل عطر ربيعها .. قد يعود إليها يوما ما إن غلبه الأنين الطالع من نايات الأنا فيدعها تكتبه بصريفة الصدق تحت ظلال سنديانة العمر في قالب مذكرات مسيرة القلب والجرح والقلم .. بعيدا عن البخار المتصاعد من مداخن سفن رحلات البحث عن كنوز الخيال في أعماق بحار الأسطورة !!.
نقاش مفتوح/ الرحلة في زمن “السيلفي” في غياب الاهتمام بأشرعة أدب الرحلة اكتمل النقص الاديبه الجزائريه سميره بولمية
اترك تعليقا