مريم مشتاوي
ما تزال “حكومة النفايات” تتجاهل حملة “طلعت ريحتكم” التي عجّت وتعج بها ساحة رياض الصلح، وكان طلبها الأساسي إسقاط الحكومة ومجلس النواب المدد لنفسه ، كما طالب المتظاهرون بانتخاب رئيس جديد للبنان .. ولكن رئيس الحكومة تمام سلام وببساطة شديدة اعتبر الحملة الشعبية لا تمثل الشعب اللبناني بالرغم من اعترافه أن الازمة الأبرز في لبنان هي أزمة النفايات السياسية.
لم يعرف لبنان سابقاً رئيس حكومة يسرق من شعبه العبارة والعنوان ! فبدلاً من الاستجابة لمطالب الشعب وإيجاد حلول سريعة للوضع الذي لم يعد مقبولاً تغمض الحكومة اللبنانية عينيها عن كل ذلك كما لم يحدث في أي بلد يعاني فراغا يلد فراغا وتمديدا يلد تمديدا وعطالة في كل شيء تقريبا .
يبدو أن فساد الطبقة السياسية المتمثل بالمحاصصة الطائفية ألهى القادة عن خدمة الناس حتى تكدست النفايات في الشوارع فباتت بيروت عبارة عن جبال من أكياس مرصوصة من النفايات.
وذلك يعود في جزء كبير منه لارتهان أعضاء الحكومة لأجندات خارجية وليس لأجندات داخلية ووطنية أجندات ترعاها دول كبرى بل وشقيقات كبريات كما يقولون وهي لم تعد تخفى على أحد إحداها تناصر السابع والاخرى تناصر الرابع عشر ، وكل الانقسام في آذار طبعا .
“لا لإرهاب سلطة الفساد” شعار لاعتصام جديد سيقوم به أبناء الوطن بعد أن تعرضوا للضرب وإرهاب سلطة الفساد. شعار استوجب عنفا موثقا ضد المتظاهرين وكأن الوحشية الداعشية عدوى متنقلة بين بلد وآخر، عنف اكتفى رئيس الحكومة بوصفه وصفا كلاسيكيا يعوم تحريم العنف ضد متظاهرين سلكيين ولا يدينه بصريح العبارة ، استخدام مفرط للقوة !
معلوم ان المشكلة الأساسية في وطن الأرز هي المحاصصة والطائفية … والنظام السياسي القائم عليهما وصل لدرجة الترهل و الاختناق ، وهو يحتضر الآن والحل الوحيد هو حل وطني عابر لكل الطوائف بل طائف جديد يكون برعاية دولية أو أممية ولبنانية حقيقية لا عبر الوكلاء أو السفراء أو مقاولي السياسة .
فمند من منتصف السبعينات والحكومات اللبنانية هي حكومات تتبادل الكراسي الطائفية وتحكمها الوراثة العائلية السياسية، وتوريث جينات اللقب وعبقرية القيادة الفذة في مراهنة على ضعف ذاكرة الشعب وسطوة العرف والتقاليد ، أو كما تتصور هذه القيادات المزمنة ذلك. لقد رأينا أن مسببي الحروب هم الذين تولوا ويتولون السلطة بدل أن يحاكموا على جرائمهم بحق الوطن والشعب والطبيعة والمعمار.
منذ اتفاق الطائف وإلى حد الآن، تخدر الحلول الترقيعية تخدر البلد وتشله، وهي كما أثبتت الحياة والوقائع لم تعد تجدي نفعا. فتجار الحروب ومجرموها تقاسموا ومازالوا يتقاسمون مراكز النفوذ بعقلياتهم وذهنياتهم وتركيباتهم النفسية التي شكلتها الصراعات والتناحرات الضيقة، والأجواء الطائفية الخانقة والمتخلفة والموروثات البالية.
لقد آن الأوان اليوم للشعب اللبناني أن يكنس كل ذلك إلى مزبلة التاريخ لإنقاذ نفسه، وإنقاذ الأرزة اللبنانية الشعار الموحد لكل أبناء الوطن من نفايات المزابل ومن نفايات الحكم والسياسة في لبنان.
انتفاضة بيروت ضوء يشع في آخ النفق، فلنمض إليه بهدوء ودون أن نحرق الوطن والأرزة.
نقلاً عن إيلاف