نغير ـــ عندما نتغير ـــ
حسن حاتم المذكور
كل الأشياء تتغير عندما تتغير مضامينها والأنسان ليس استثناء, يمكن له ان يكون لصاً او قديساً, فاسداً مفسداً او صالحاً مصلحاً, العراقيون اذا ارادوا ان يصلحوا شأنهم دستورهم مثلاً او حكومتهم ومشتركاتهم ووحدة مجتمعهم او نظامهم بشكل عام, عليهم ان يتغيروا من داخلهم عقلاً وعقلانية.
نحن شعب محتل بكل ما للأحتلالات من معنى, مشاريع اطماع دولية اقليمية تحتلنا من خارجنا, جهل واستغباء وتطرف طائفي عرقي يحتلنا من داخلنا, تبعية اتخذت شكل العمالة وفساد مغموس بالأرهاب يحتلنا, دولة لا مضمون لها ولا هوية وحكومة صفقات طارئة ولدت من رحم الأختراقات تحتلنا, مراجع برمجت تجفيف وعينا وصادرت منجز عقولنا وفرضت علينا اذلال الطاعة احتلال تاريخي ضرب الصميم من مجتمعنا, هذا هو واقعنا ان لم يكن اسوأ لا نملك فيه سوى الخادع من ثرثرة التصريحات وشعوذات التضليل.
لا ينفعنا تاريخ حضاري كان او تراكم وعي لازال ينبض حقيقتنا وعقول عصية على الأجتثاث ما دمنا في حالة استسلام يستطيع فيه الدخلاء تقطيع انتماءاتنا جذراً جذراً ويسلخون جلد هويتنا ثم يستبدلون مشتركاتنا الوطنية بطائفية ذات رأسين يتصارعان فينا, السيء من الأقدار يغمرنا بالغموض وفوضى فقدان البصيرة والرشد, تركونا هوامش على قارعة احداث استحدثتنا معوقي الأدمية.
مافيات الفساد سلبت منا المبادرة, مليشيات ارهاب الظاهر منها والمخفي شوه فينا الحاضر وغيب فرص المستقبل, كلاهما يمتلكان السلطة والمال والدين والأعلام في دولة لا قوانين فيها ولا قيم لها, كل ما مسموح به لنا ان نركع في حالة اذلال لا وظيفة لنا سوى اجترار علف الطائفية تصريحات ومواعظ وافتاء وشعوذات تاريخية قطعت فينا خيط الأنتماء للأرض والحياة, من كان ينصحنا ويناصرنا ويشعل الضوء في نهاية طريقنا لم يعد قائم.
لحظات يتنفس فينا التاريخ وتاخذنا الذاكرة الى حضارات اجداد كانت او وجع ضميري يوقظ فينا الحلم والأمل, وقبل ان نحاول النهوض تصفعنا مخدرات التجهيل والأستغباء لنغفوا طويلاً في اسطبللات النصوص المستنسخة, نحلم ان نتغير من خارجنا, ان يمد الفساد الينا يد الرحمة او يستيقظ وجدان الأرهاب لتعود لنا الحياة من مقبرة الضمائر الميتة, نحلم وننتظر ظهور المستحيل ليعيد الينا العافية والحرية والأمن والرفاهية, نحلم ونحلم في رحاب الموت جهلاً وفقراً واوبئة اختزلت معدل اعمارنا الى النصف وهم يشربون دموع ودما ايتامنا واراملنا وانكسارات معوقينا في كأس الخدعة.
تجاهلنا من نحن وكيف يمكن لنا ان نتغير ثم نطوي ستائر الظلام التي حجبتنا في الهزائم والضعف وفقدان الهوية, لينهض فينا ذاك الذي كان فينا, ينعش العقل ويضيء العقلنة من داخل رؤسنا ويزيل عن واقعنا عفن الجماجم, ان تغيرنا من داخلنا سيشرق التغيير من خارجنا ونعيد للآخرين حرية الوقوف على الأقدام.
ان نبدأ من الذات لنبحث فيها عن نقطة البداية بعد التوقف عن مرافقة تيارات واحزاب ومؤسسات عتمة الأسلام السياسي, تاريخ ليس لنا فيه مستقبل, نفصل تماما بين ما هو في السماء وما هو على الأرض ونضع الأسلام السياسي بين خيارين, فأما ان يسير على طريق السماء صادقا مع الله والذات, واما على طريق السياسة فعليه ان يخلع ما ليس مقبولاً على الأرض من مصادر الحياة السوية وكل ما له علاقة بأدلجة الغموض الكيدي والتصيد في بيئة الأحقاد الكراهية واعراض الفتن, الأسلام السياسي الذي توسع همجية على الأرض انحسرت قيمه في السماء ولم يعد نافعاً للحياة.
ان نتغير, علينا ان نفهم علاقتنا بديننا ونرسم حدودها ونحترم القيم السماوية في روح الأنسان ومشاعره, قبلها نرفع السرج الذي وضعه الأسلام السياسي على ظهره, فدين الله لا يمكن ان يكون جسراً لمرور السياسة سلطة ومال وخرف المتعة, فتلك معصية صريحة يجب الا نكون طرف في ارتكابها, وبالضرورة ايضاً ومن نقطة البداية حصراً, علينا ان نخلع الزائف من تاريخ غيرنا لنظهر احراراً في جلدنا الوطني, هنا فقط نستطيع ان نتغير ثم نغير الحياة على الأرض لنعيش فيها ونتعايش عليها نافعين لبعضنا.
16 / 01 / 2016