د. عماد الدين الجبوري
في خضم المجازر المتلاحقة التي تركتبها قوات المالكية الصفوية المتمثلة بقوات سوات والميليشية المدمجة بوحدات الجيش والشرطة والإتحادية. علاوة على ميليشيات عصائب أهل الحق وجيش المختار، فقد أعلنت “اللجان الشعبية في المحافظات الست المنتفضة” مساء يوم أمس السبت الموافق 18-5-2013 بأنها عقدت إجتماعاً تدرس فيه “خياران لا ثالث لهما” وهو أما “المواجهة المسلحة أو إعلان خيار الإقاليم”. ولقد طالب البيان من:
” علماء العراق في الداخل والخارج، والسياسيين وشيوخ العشائر والأكاديميين، بتحديد موقفهم من هذين الخيارين خلال خمسة أيام، وفي حالة إلتزامهم الصمت، فإن ذلك يعتبر قبولاً لِما ستذهب إليه اللجان من خيار”.
ومن خلال الصف الأكاديمي والمسؤولية الوطنية تجاه هذا الظرف العصيب والخطير الذي يمر فيه عراقنا العظيم، نقول بكل صراحة: أن “خيار المواجهة المسلحة” هو الخيار الذي لا بديل له، ولا محيص عنه. ونورد في ذلك الأسباب التالية:
أولا: إن الإقدام على هكذا مواجهة مسلحة ضد مخلفات الأحتلال الأمريكي، إنما هو إمتداد طبيعي لسنوات الجهاد التي قادتها فصائل المقاومة الوطنية المسلحة من أجل تحرير البلاد والعباد من نير الظلم والجور والطغيان والإستبداد.
ثانياً: إن إنطلاقة العمليات المسلحة في المحافظات الست الثائرة، وخصوصاً في الأنبار ونينوى وصلاح الدين، فإنها لا تقتصر في تطهيرها من دنس وجرائم قوات المالكي الصفوية، بل ستكون القواعد الرئيسة التي تعمل على تحرير بقية ربوع الوطن مما لحق فيها من ضيم وحيف وتخلف.
ثالثاً: إن التعجيل بالخيار المسلح في المحافظات المذكورة، يسارع كثيراً برفع الضغط عن القوى الوطنية في الوسط والجنوب. ناهيك بذكر الخلايا النائمة التابعة لفصائل المقاومة التي لا تكشف عن نفسها إلا بتحقيق النصر أو الشهادة.
رابعاً: رغم أن خيار المجابهة المسلحة سيتطلب وقتاً زمنياً لكي يعطي نتائجه على أرض الواقع، لكنه لن يكون بنفس المنطق الواقعي لفترة المحتل الأمريكي. أعني الخمس سنوات الضارية ما بين 2003-2008 والتي تجلت بإنكسار شوكة الجيش الأمريكي على أيدي أشاوس المقاومة الأبطال. وإنما ستكون بضعة شهور بحكم الزخم الشعبي والجماهيري الذي أصبح الوعي الجمعي لديه واحداً.
خامساً: إذا ما أستمرت المواجهة المسلحة ضد قوات المالكي لأكثر من الشهور المتوقعة، بحكم الدعم الإيراني الذي سيتضاعف. فإن في ذلك تخفيفاً أكثراً على حراك القوى الوطنية، السياسية والعشائرية والإجتماعية، بتفعيل دورها الميداني في محافظات الوسط والجنوب.
سادساً: إن الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه وصل لمرحلة قبول التغيير الجذري في إسقاط العملية السياسية التي لم يجني من سنواتها العشر الماضية غير التقهقر في كافة المجالات والميادين، والحرمان من مباهج الحياة، والقتل والتشريد الطائفي، وإنتشار البؤس والفقر والأمية، وتبديد ثروات البلد، وسرقات قوت الشعب الخ.
ومما سردناه أعلاه، يجب إسقاط فكرة خيار الأقاليم نهائياً. وللأسباب الموجزة التالية:
أولاً: إن المشكلة التي يمر بها عراقنا الحبيب هي برمتها سياسية أوجدها المحتل الأمريكي وتبناها المحتل الإيراني. وبالتالي فهي ليست مشكلة إجتماعية أو دينية لكي نجابهها في تقسيم أشلاء الوطن الواحد.
ثانياً: إن مجرد رفع خيار الأقاليم يعني المشاركة بصورة أو أخرى في تثبيت “مشروع بايدن” في تقسيم العراق.
(إذ في عام 2007 طرح جوزيف بايدن، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، فكرة التقسيم لثلاث دول: كردية وسنية وشيعية. وفي مطلع آذار/مارس 2008 قدم بايدن مشروعه التقسيمي فإتحذ الكونغرس الأمريكي قراراً غير ملزم بتقسيم العراق). ولقد أخذ بايدن فكرته من “مشروع برنارد لويس” لعام 1948 وجدده في العام 1976 حول تقسيم العالمين العربي والإسلامي من 56 بلداً إلى 88 دولة وفقا للأعراق والطوائف والقبائل.
ثالثاً: إن طرح خيار الأقاليم سواء في الأنبار أو سامراء أو غيرها بدعوى الإستقلالية عن حكومة المركز في إدارة شؤون مناطقهم. فإن في ذلك أخطار مستقبلية حتمية، ومنها:
أ- وفقاً للدستور الذي وضع أُسسه المحتل الأمريكي، فإن قيام الأقليم أو تكوين الأقاليم وفقاً للمادة 119 و120 فإنهالا تعني غير الإنكفاء الذاتي لمكونات مناطقية معينة. مما يضعف بشكلها العام بناء الدولة المتماسكة من ناحية. ويجعل من هيكلية المؤسسات متنافرة من ناحية أخرى. هذا إن لم نقل أن الأقليم أو الأقاليم ليست بعيدة عن سطوة وجبروت حكومة المركز في الأمن الداخلي والخارجي.
ب- إن خيار الأقاليم يدفع بالبعض أن يتجه نحو تقسيم العراق. وأن مسعود البارزاني لم يتوانى عن ذكر فكرة الإنفصال عن العراق في أكثر من حديث وتصريح لوسائل الإعلام.
ج- أن الأنظمة السياسية التي قامت في بلدان لها تركيبها الأقليمي، كما في ماليزيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، فلأنها لم تكن أصلاً بلداً واحداً لشعب واحد عبر تاريخ وحضارة تخصهم وحدهم. وبذا كيف نجعل من العراق الواحد أرضاً وشعباً، تاريخاً وحضارةً، أن يتجه نحو التقسيم والتجزئة.
وعليه نستنتج أن خيار المواجهة المسلحة ضد حكومة الإحتلال الخامسة التي يرأسها الطائفي نوري المالكي، هو الخيار الوطني التحرري القويم والسليم. وإن هكذا نهج مسلح إضافي لقوى المقاومة الوطنية المسلحة إنما تٌعجل في دحر الأعداء وتقرب فجر الحرية الذي يتوق إليه كل عراقي حر شريف غيور.