( نظـــــر ة فــــي تـطــــو ر الـلغــــة ا لعـــــر بــيـــــــــــة) القسم الاول
.
بقلم : فالـــــح الكيــــــلاني
.
لونظرنا في تاريخ اللغة العربية وكيف تكونت وكانت وكيف دخلتها هذه الكلمات الاعجمية وكيف سيطرت على السنتنا هذه اللهجة المحلية التي نتكلمها اليوم لراينا لهذه اللغة الخالدة تاريخا حافلا بالمعارك والعقبات واللطائف والغرائب . فمن المعلوم ان العرب قبــل الاسلام – كما يقول المؤرخون – عرب عاربة وعرب مستعربة والعاربة كما يحدثنا التاريخ سكنت اليمن ومن مناطق جنوب الجزيرة العربية وكانت لهـــــا لغتها او قل لهجتها الخاصة بها كاللهجة الحميرية وحمير احدى اكبر القبائل العربية ولهجتها تختلف عن لغة الشمال الذين يسمـــــــون بالعرب المستعربة حسبما تطلق عليهم التسميات التاريخية من حيث انهم تناسوا لغتهم الاصلية واتخذوا لغة الجنوب لغة لهم قبل ان يتهدم سد مأرب في اليمن وهو سد عظيم بين الجبال اليمنية فلما تهدم اغرقت مياهه اغلب الاراضي اليمنية بحيث اضطرت القبائل العربية اليمنية للهجرة فنزحـــت هذه القبائل نحو الشمال وسكنت الحجاز وشمال الجزيرة العربية .
ويحدثنا التاريخ ان العرب النازحين لكثرتهم استطاعوا ان يصهروا ألسنــــة عرب الشمال ويجعلونهم يتناسون لغتهم الاصلية بمرور الزمن ويتكلمون لغة الجنوب فسموا (العرب المستعربــــــة ) لتناسيهم لغة الاباء والاجداد واتخاذهم لغة القادمين اليهم لغة لهم ومن العجيب ان يأتي قوم نازحون لمكان معيـــــــن فيستطيعون تغيير لغة من سكنوا معهم الى لغتهم والتغلب على ألسنة المواطنين الاصليين وقد وقف المحدثون في الادب العربي موقـــــف الحذر بل الشك والريبة من هذا الامر اذ انهم لا يصدقون ما تناقله اصحاب القديم . بل يبرهن بعضهم على ان لغة الشمال هــــي اللغة الاصلية وان عرب الجنوب النازحين الى الشمال هم الذين تناسوا لغتهم نتيجة لهجرتهم واندماجهم مع عرب الشمال واتخذاهم لغة العدنانيين لغة لهم .
قريش هي القبيلة العربية التي كانت لها المكانة والصدارة في مكة قبل الاسلام عدنانية شمالية لغتهم ويحف بها من كل جانب القبائل العربية الاخرى النازحة والرازحة وبما ان هذه القبيلة تتكلم اللغة العربية بلهجتها الخاصة فقد استطاعت عــــــــــن طريق العلاقات الا جتماعية ورواح ومجيء العرب من والى مكة للتجارة والحج او غيرها ان تتغلغلت لهجة قريش في ألسنة العــــــــرب المجاورين لمكة . وبمرور الزمن اصبحت لغة قريش على كل لسان اذ ان لسيطرة القرشيين على مكة اهمية بالغة ولكثرتهم . وهذا ما امثله باللهجة المصرية في الوقت الحاضر والتكلم ببعض كلماتها من قبل اغلب العرب نتيجة متابعتهم المسلسلات المصرية والافلام المصرية والتي تتحدث باللهجة المصرية في الغالب وهكـــــذا اصبحت لغة قريش اللغة الرسمية العربية واجبرت القبائل العربية على النطق بها في المواسم والاسواق الثقافية وفي القصيد في الشعر و الخطابة والنثر بعد ان تاثرت لغة قريش ايضا بلهجات القبائل الاخرى وبالنازحين اذ حوت لهجتها كلمات من لهجات شتى القبائل العربيـــــة بين القليل والكثير والاغلب لهجة قريش ونعود الى القول ان الفضل يرجع لقوة ومكانة وعظمة قريش بين القبائل في ذلك الوقت ومنزلتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية اذ انهم سدنة الكعبة المشرفة التي يؤمها الناس للحج في كل وقت وزمــــان ولأنهم الاشراف والمسيطرون على التجارة في طول البلاد والجزيرة العربية وعرضها حيث كانوا يتاجرون من مكة المكرمة الى اليمن والقبائل الجنوبية فيها برحلة الشتاء ويتاجرون الى بلاد الشام وعشائرها ومدنها الكثيرة في رحلة الصيف كما ذكر في القرآن الكريم .
واليوم اذا رجعنا الى مفردات اللغة العربية لوجدنـــــــــا فيها لغة قريش الغالبة اضافة الى لهجات اسد و مضر وهذيل وغسان وغيرها من قبائل الجنوب ناهيك عن تاثير قبائل الشمال فهي لغة كل العـــــــــرب والاغلب قريش .
واللغة العربية لغة جامعة شاملة اذ انها لغة صوتية اشتقاقية لأنها تعرف من الصوت وتكتب علـــــى الاكثر حسبما تلفظ ونبراتها سهلة الصياغة على اللسان وان اجتماع كل حرف مع الحرف الاخر يعطي لونا جديدا ونغمـــــــا اخر يختلف عن النغم الاول بحيث تشكل انغاما مختلفة وفقا لسياقات الحرف وتناغمه مع الحرف الاخر وامكانية الكاتب او الشاعر اة الاديب في انتقاء هذا الحرف او ذلك . واشتقاقية لأنها من أفعالها الأسماء أي ان الفعل هو الاصل وبمقدور المرء ان يتصرف كيفما يشاء ويشتق ما راق له بشرط ان لا يخرج على القواعد والموازين العامة لهذه اللغة العظيمة ولهذه الصفة استطاعت العربية أن تلائم كل العصور والازمنة وكل الحضارات وتنتج كـــــل هذه الاداب والعلوم وتبقي حية مدى الدهر وتساير كل الرقي والتحضر رغم تعاملها مع البداوة والغلظة وهي تحوى الكلمات الرقيقــــــــــــة المتناهية في الرقة الى جانب الكلمات البدوية الجافة والشديدة الوقع والصعوبة فهي كما قال عنها الاديب المرحـــــوم عباس محمود العقاد – اللغة الشاعرة –
اتخذ الاسلام العربية اللغة الرسمية لهذا الدين الحنيف واعتبرها لغة القرآن الكريم وقيل هي لغة اصحاب الجنة حيث نزل فيها القرآن الكريم :
( انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) سورة يوسف اية 2
اذ انه نزل في بيئة عربية وانتشر بين اقوام عـــــــــــرب. والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي انزل عليه القرآن الكريم وارسله الله تعالى رحمة للعالمين ورسولا لهم جميعا عربي قرشي فنزل القرآن الكريم بالعربية وكانت آنذاك لغة متكاملة من كل الوجوه وكان لنزوله كل الاثر في خلود هذه اللغة من جهة وتطورها من جهة اخرى فالقرآن الكريم كتاب خالد نزل من السماء وحفظه الله تعالى من كل تغيير او تحريف :
(( انا نزلنا الذكر وانا له لحافظون ))
وبحفظ القران الكريم حفظت العربية فالقرآن الكريم حفظها والتزمها واخرجها من احرج المواقف متحديا كل العراقيـــــــــــــل والصعوبات وصانها واساليبها وقواعدها من كل ثم توسعت واحدث فيها ثورة عامة في الكلمات والاساليب والمعاني وتقدمت تقدما واسعا اذ انبرى العلماء العرب والمسلمون ايا كانت لغتهم من دراستها والبحث فيها وفي اساليبها وقواعدها وبلاغتها وكل مكوناتها .
وقد مرت اللغة العربية بنكبات وتكالب عليها الأعاجــم لطمس معالمها بعد ان انحسرت رقعة الحكم الاسلامي وانكمشت وظهرت الدويلات الصغيرة و في العصر الحديث خاصة بعد ان انتشرت انتشارا واسعا في كل إنحاء العالم بفضل القرآن الكريم – فاينما وجــــــــد الاسلام وجد القرآن الكريم واينما وجد القرآن الكريم وجدت العربية . ومن هذه النكبات التي تعرضت لها اللغة العربية من سياسة الاقوام التي انفرطت منها ورجعت الى لغتها التي كانت عليها قبل اسلامها مثل الصين و الهند والافغان والترك والرومان والفرس والاسبان وفي العصرالحديث ايضا مثل سياسة التتريك التي اتبعها الاتراك مع الشعب العربي الذي كان تحت السيطرة التركيــــــــــــة والفرنسة في شمال افريقيا بالنسبة للاقطار العربية التي كانت ترزح تحت ظل الاستعمار الفرنسي.
القرآن الكريم كان و لا يزال سبيكة ذهبية للغــــــة العربية خالد جمع اساليبها استوعبها وطور معانيها احسن تطوير واضفى عليها هالة من قدسيته وعظمته لدى عموم المسلمين في كافة انحاء العالـــــم واجلالاً وعظمة غرست في نفوسهم وقلوبهم . ولبيان القرآن الكريم اهميته في ذلك فقد تحدث في جميع اساليبها بين اللين والشدة والترهيب والترغيب والقصة والحكاية والخطابة وما جاء فيه من البيان والبديع في الانشاء والتورية والاستعارة والكناية و في السجع والطباق والجناس وكل البلاغة العربية فهو جامـــــــــــــع لنحوها وقواعدها وصرفها وبلاغتها كما استعمل لهجات وكلمات وتعابير بليغة لم تنطق العرب بمثلها قبل نزوله حتى قيل ان اللغة العربية هي لغة ( اهل الجنة ) كما جمــــــــــع لهجات بعض القبائل العربية فكان بحق الرافد الاول والاعظم فيها .
وبالاضافة الى القرآن الكريم هناك روافد اخرى اوجدها الاسلام تصب في مجري اللغة العربية الواسع . فالأسلام – الدين الجديد- يحتاج الى اسلوب قوي متين وقول فصيح وقد جمع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كل الفصاحة والبلاغة والبيان فكان الحديث الشريف قد رفدها بأساليب وكلمات جديدة من اقوال الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم النبي او الرجل العربي القرشي فكان يمثل الرافد الثاني لها .
وكذلك الخطابة تعتبر رافدا اخر لها إذ إن الحـــــــــركة الإسلامية تحتاج إليها وخاصة في بداياتها وذلك لعدم وجود وسائل أخرى لجهل الناس الكتابة فكان الرسول الكريم صلــــى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده خطباء بلغاء فكانت الخطابة الرافد الثالث من روافد اللغة العربية وسموها .
هذه هي الروافد التي كانت تصب في بحر اللغة العربية في الجاهلية وفي صدر الاسلام .
لاحظ كتابي (دراسات في اللغة والبلاغة والادب ) طبع ونشروتوزيع دار دجلة ناشرون وموزعون عمــــان – الاردن 2021
اميرالبيـــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق – ديــــالى – بلــــدروز
*************