د.عبد الجبار العبيدي
———————————————————————-
في تعريف القضاء والقدر قضية علمية بحتة لا علاقة لها بالتصورات الفقهية التي بنيت على التفسير الترادفي اللغوي الخاطىء للنص المقدس .ان آيات القرآن الكريم هي آيات قوانين الوجود وظواهر الطبيعة وأحداث التاريخ التي وقعت فعلا على الأرض وكتبت بقصص قرآنية واقعية. ودراسة هذه القوانين والاحداث تبين لنا حركة التطور التاريخي التي أهملها الفقهاء واصحاب التفسيرات الطوباوية لعدم قدرتهم على معرفتها ،فيقيت معرفتهم تقتصر على الفلسفة المثالية والتقديس لا غير. بينما فقهاء الديانات الاخرى دققت فيها واخرجت لمعتقديها مخارج حضارية للتقدم والخروج من أزمات التخلف كما في المسيحية اليوم ،التي اعتمدت الفلسفة الواقعية التي نقلتهم الى معارج التقدم الحضاري .
ان الأمة العربية وما وصلت اليه من تدمير شامل وتخلف حضاري كله يعود الى هؤلاء النفر من الفقهاء في تفسير النص والذين سخروا فقههم وحياتهم لخدمة السلطة الحاكمة ،وخاصة بعد موقفهم الخاطىء من حركة المعتزلة التي قالت : (ان العقل مناط التكليف بالانسان، وان القرآن نظرية تبحث في الوقائع العملية وليست في الغيبيات ). وفي هذا مفتاح فهم التأويل للنص المقدس وليس في اراء الفقهاء الغيبية المتخلفة في التفسير. من هنا ومنذ ان انتصر الفقهاء على حركة التجديد في عهد المآمون العباسي وحركة الاعتزال كان موت الامة بعد ان جاء ( المتوكل العباسي ت232للهجرة ) وضرب حركة التجديد والى اليوم بعد ان خلقت لنا فقهاء التأييد من امثال ابن تيمية والوهابية والسلفية التدميرية التي نشاهدها اليوم .
ان الأحداث التاريخية التي وقعت في الأزمان القديمة والتي صورها القرآن في القصص القرآنية كانت هي قضاء قبل وقوعه، وقدربعد وقوعه لهم. فقوانين الكون هي قوانين حتمية صارمة ، بينما احداث الأنسان لا تأخذ صفة الحتمية الابعد وقوعها فهي قدر ، فالقدر هو الوجود الحتمي للأشياء والاحداث خارج الوعي الأنساني، بينما القضاء هو حركة انسانية واعية بين النفي والأثبات ضمن هذا الوجود الجبار، للانسان فيها الخيار،كما في آيات المواعظ والوصايا ،فهي جاءت حصرا للسلوك الانساني،وتدخل ضمن مفهوم الحرية الانسانية ولا غير وليس فيها قدر، يقول الحق : ( وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما،الاسراء33).هنا جاءت الآية وعظية لكنها الزامية من حيث القبول والتنفيذ.فآيات القرآن ما جاءت للتجويد والضحك وتخويف الناس من النار وعذابات القبر التي أوجدوها باطلاً في اذهان الناس للتخويف والانقيادية العمياء لرجال الدين .؟
2
بينما القدر هو من قوانين الوجود الموضوعي فقال عنه سبحانه وتعالى
من هنا يتبين لنا ان قوانين العدالة هي الحق الواجب تنفيذها على الأنسان حاكما كان ام محكوماً دون نقاش لانها قدر انساني حتمي.فكيف يخونون وقد اقسموا بها؟ …والحق يقول : ( وبعهد الله آوفوا،الانعام 151) ويقول الحق : أفبهذا الحديث أنتم مدهنون،الواقعة 81؟.
نحن بحاجة لمنهج علمي جديد ولسنا بحاجة الى مرجعيات دين وتقديس (قدس سره) الذي بني على الوهم لا الحقيقة في الوجود،فهل يوقنون حكامنا اليوم ويتركوا التخلف والتخريف وينصاعون لحكم الله في تنفيذ واجبات الحقوق للمواطنين أم متخذيهم هزوا لتحقيق مصالحهم الذاتية وسلطتهم الدنيوية لا غير. ؟هذا التصرف الحكيم في التأويل لآيات القرآن الكريم كان صفات اهل البيت (‘ع ) ،
وليس لأتباعهم اليوم فيه من نصيب.
القضاء والقدر ،والظاهر والباطن… حركة فلسفية تبحث في قوانين الحقيقة الموضوعية المادية والتاريخية بالاضافة الى الوحدانية الآلهية ، في معزل عن الصفات الآلهية التي تمتاز بميزات الصفاء وبمعزل عن عالم المادة أو عالم الأجساد.هذه الفلسفة الجديدة استخدمت كعرقلة لحركة الفكر العربي عن التساؤلات الغامضة التي لم يفسرها الفقهاء لعدم قدرتهم على الخوض فيها.والتي برروها بعدم قبول النبي من التحدث فيها.وهو رأي غير مبرر بأن المطلقية القرآنية ترفض التحديد الفكري كما يقولون خطئاً ،فالقرآن نصه ثابت لكنه متحرك في المحتوى والا كيف يحصل التجديد ويكون القرآن صالحا لكل زمان ومكان كما هم يقولون ؟،وهذا الرأي الفقهي الجامد أبعد المسلمين عن التعمق الفكري ومزاولة الاحكام الخالصة في حرية الانسان وحدود أرادته .
ان المناحرات الفكرية في تعريف النص ومحتواه عند الفقهاء والمفسرين كان المفروض ان يكون بينهم وبين اصحاب الديانات الاخرى،مما جعل بعض المستشرقين يؤكدون على اضعاف دلالة القضاء والقدر كما وردت في الذكر الحكيم ،باعتبار ان كل الاختلافات نتجت عن التفسير الترادفي للنص المقدس ،فالمصطلحات القرآنية أشتقت من التصورات الفكرية لا من معرفة عمق ماقصد الية القرآن الكريم،من هنا خاضت الفلسفة بأتجاهات مختلفة افرزت الكثير من الاختلافات الفقهية التي لازلنا الى اليوم نعاني منها في مذاهب التفرقة وعدم وحدة المسلمين .
ليس كل من اخذ بفكرة الوصاية كان مواليا لأهل البيت ،لأن قاعدة الشورى نقضت بالوصاية المتعددة التي أقرها الخليفة عمر بن الخطاب (رض) ،بتوصيته للستة المختارين من بعده. وانا اعتقد ان الوصاية حسب مفهوم العلويين كان يمثل الرأي الأيماني لا السياسي،لذا نحن لا نقر عملية المزج بين الرأيين ،هذا المزج
3
استغل من قبل الاخرين من غير الأيرانيين ليحولوا الدولة الى فريقين متناقضين ومتباعدين اظهر لنا نظرية الجبر والتفويض التي خلقت لنا نظريتات الاستبداد في حكم الدولة ،فتلقفها الحكام منذ عهد الأمويين واستمرت الى اليوم ليسودوا بها على الناس وليحولوا اتباع دولة المدينة الى خاضعين وأسياد.لكن في المقابل ظهرت ما سمي بحركة الوسط التي مثلت قولهم : ( لا جبر ولا تفويض) ولكن أمر بين أمرين. وهي فلسفة اعتمدت الوسطية في احتياج العلم للأرادة ،والعقل للقدرة.لكي يسود المجتمع استقرار الفكر في الأوامر والنواهي. وان ارادة البشر اختيارية ولا تكون متعلقة بارادة الله ،يقول الحق
هذه التوجهات النصية التي لم تبنى على نظريات ثابتة بالدليل ، كانت سببا في ابعاد المسلمين عن التعمق الفكري ومزاولة الاحكام الخالصة في التثبيت.
والغريب ان الاختلافات الفكرية لم تقتصرعلى فقهاء الاسلام فقط بل تجاوزتها الى المستشرقين ، فلم يستطيعوا ان يميزوا بين القدرالآلهي والقدرة الأنسانية . ونبقى نصر انهم جميعا لم نجد عندهم ربطا واضحا في نظرية القضاء والقدر بعناصر المعرفة الانسانية من جهة وبالأخلاق والسلوك من جهة اخرى،كي يستوي عندهم موقف الانسان ازاء المشكلات التي يتعامل معها ،سواءً ما يرتبط منها بالعقيدة او بالعادة والعرف،والعرف معترف به في النص المقدس (أنظر سورة الأعراف) . …لذا ظلت الامور ضائعة بين من يستطيع فرض رأيه في واحدة منها يكون له مع الجماعة نصيب.
ان احسن من اجاب على هذه التسائلات هي مدرسة الاعتزال حين تمسكت بحرية الفرد ، لان في حريته يكمن مبدأالعدل الآلهي في الثواب والعقاب.فالحرية في نظرهم لم تكن لها قيمة الا اذا كان الُمتمسك بها مسئولا عما يفعل. فهنا تكون حرية التعبير عن الرأي ،وحرية الاختيار هما اساس الحياة الانسانية في الاسلام ،لكنها ظلت نظرية بلا تطبيق .في حين ان مذاهب التخريف التي يسمونها بالمذاهب الاسلامية هي التي تجيب من صحيحي مسلم والبخاري والمجلسي الخبيث .ياللعار على امة ليس لديها حتى فلسفة القرآن والتعريب ،ترأسها جماعة النهب والخيانة والتخريب من صحاب اللحى المحفوفة كوجوه عاهرات الزرائب والمحاريث، وتدعي انها تمثل اهل البيت الاستقامة خسئت وخسأ الاتحاد (الوطني) الزنيم الذي تديره جماعات النهب والمذلة والتخريب.
من هذا يتبين لنا ان التوجهات الحكومية والمرجعيات الدينية التي لم يعترف بها القرآن الكريم ولم يخولها سلطة الفتوى على الناس ،هي ان قضية المذاهب جاءت بها من اجل تثبيت السلطة لا الدين.لذا نحن نرفض التوجهات الاختلافية في الصلاة والصوم والزواج والطلاق والوصية والارث والاوقاف المختلفة المطبقة اليوم في دولة جاء فيها التغيير من اجل الوحدة والصفاء وحقوق الانسان دون تمييز كما يدعون كذباً بعد التخلص من دكتاوترية الفرد الواحد المنافية لشورى المسلمين .
4
ان عدم الايمان بها وفشل المرافقين للاحتلال في التطبيق بعد ان ظهر ان المرافقين للتغيير دون استثناء ، كانوا عملاء باتفاقات مسبقة ظلت مخفية على الشعب حتى كشفتها التقارير ( انظر المقابلة التي أجرتها وكالة ميديا بلايرمع باقر صولاغ وزير المواصلات الحالي والتي ادعى فيها ان المالكي والبرزاني كانوا متفقين على مقاسمة العراق فيما بينهم ودخل معهم رؤوساء كتل البرلمان أجمعين)، فعلى الجميع اليوم ان لا يدعون انهم يعملون من اجل الوطن والمواطنين،بل خونة وطن يستحقون الموت لخيانتهم الله والوطن والدين . ،فاين الكتاب اصحاب المقالات الرنانة في لندن وعمان في التأييد ، والمخلصين منهم في تحقيق شرعية الوطن والدين ؟ يقول الحق
ونقول لمرجعيات الدين جميعا دون أستثناء قول الحق فيهم : (عفا الله عنك لمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين،التوبة 43) فكيف آيدتم الباطل اكثر من عشر سنين وسمحتم لهم بتدمير الوطن والمواطن والتاريخ والدين. واليوم تذكروهم خلافا لما يرضاه الله في الدين ،عليكم يا أيها المسئولون ؟ أتركوا أهل البيت والصحابة وكل المنتجبين فهم لا يقبلون منكم رجاء في دين ؟
واذا كان ما ادعاه صولاغ منافيا للحقيقة عليهم ان يخرجوا من صمتهم القاتل وينفوا تهمة الخيانة الوطنية بحق الوطن والمواطن والدين ،هم واصحابهم وكل من ترك الرئاسة والرئاسة والرئاسة والوزراء والسفراء والمستشارون( الأحياء منهم والأموات) ومن له صلة التوافق معهم من الكتاب والأعلاميين في التغيير، ممن يؤيدهم ويدعون الوطنية والدين ويجاهرون بها دون ثبت من قانون ليقولوا حقيقة التغيير؟.
وطني عمائم كلهُ أرايت مزرعة البصل
عليهم ان يتواروا من التاريخ الاسود الذي لبسوه عبر السنين ويخرجوا امام الجماهير ليعترفوا بالباطل الخياني الذي ارتكبوه بحق الوطن …وليُدفنوا في مزابل التاريخ لتبقى قبورهم ترجم بالحجارة السوداء كما ظل قبر ابو رغال يرجم الى اليوم في ضواحي مكة لخيانته مع الحبشيين. وسيبقون هم واجيالهم عار التاريخ العراقي الى يوم يبعثون.
وهذه الاشكالية لا تحل الا بحركة تصحيحية تؤمن بالوطن والنص المقدس وتبعد كل المنحرفين عن الحق و القانون . من بعدها تعدل المناهج الدراسية التي تنشأ جيلا مؤمنا بوحدة الرأي والاختيار بعد ان افسدوا الجيل اليوم وغلفوا كل باطل بغلاف الدين ،وهو هدفهم للبقاء والاستمرار على جهل الجاهلين . ولأن نفوسهم الباطلة والخارجة على الارادة الآلهية تجذر فيها الباطل بلا حدود.
أنهم والله لُغزُ محير ُ ملفوف بالغموض ….؟
jabbarmansi@gmail.com