نصّ في المكان
قرية : (أبو سبع ). مجهول آخر
أرض منقطعة عن العمارة كمركز حضارة ، وعن الأقضية كقصبة . لا تنأى عن دجلة أبدا ، وهي تظفر سنويا ذؤابةََ لامعةََ لشهر نيسان ، إن فراغية المكان لا تثير الرعب والخوف في نفوس القادمين من صغار السن ، لكنها تثير الحزن والوحشة والشجن لدى الشيوخ ، وكبار السن ، والعاجزين . أنها ملك مشاع لسكن العوائل النازحة أو المهاجرة أو لتلك العوائل التي المطلوبة ثأرا ، قرية (أبو سبع ) كانت ميداناََ فسيحاََ لحروب الأشاوس والسباع من حيوانات البقاء ، الحيوانات القادرة على منازلة نجوم الحقيقة والخيال ، القادرة على مصارعة الكواكب أينما حلت . هكذا روى عنها الزمن ، كانت ملاذا غير آمن وساحة لقتال وعراك دامِِ ، كانت رهانا لبست لباس ملوكها وشيوخها ، وأدت وظيفة سباعها ، لهذا سمّيت قرية: ( أبو سبع ) . ولا تزال تعمل بشجاعة وسمعة اهلها ، رواد الغابات والصحارى ، هناك الرجال يهمّون بغلق أبواب بيوتهم بالطين ، فهي إشارة أولية للأخرين بأن أهل هذه البيوت قد خرجوا عن متن خريطة جغرافية المكان ، مكر رجالها عوز ، قلوبهم فرحة ، ونهاراتهم بساتين ، وليلهم مواقد ، أنهم حكام منازلات عظيمة وخالدة ، كانوا دائما حفاة أقدام وجيوب ، عاهدوا (مذبوب) إلا يلبسوا حذاءََ ، كما عاهدهم الشيخ :(صالح عاتي الحريشاوي) .أن يسرد ويقصّ لهم كلَّ ليلة عن دهشة : (الكرسي) الذي شاهده لأول مرة عند الطبيب المعالج خارج القرية ، شموعهم فرح ، وظلامهم عويل ، دواوينهم إضاءة ، وفناجينهم سعاة ، لا يشعر الغريب بينهم بالوحدة والضياع ، هواؤهم عليل ، وأنسامهم باردة ، موسيقاهم مقمرة ، وأوتارهم دفء ، لباسهم عنوان ، واشرعتهم سلام ، أحلامهم ذكريات ، ولحظاتهم انتظار سعيد . أرض القرية كانت يوما ما علامة فارقة ، وعنوان ودليل ومضيف ، وكل شخص هناك يعمل ويلعب ويعشق بحركية مغايرة في خطوط أرضها . اللصوص يخشون زئير شيوخها وسادتها ، يخشون سرقة سعفها المكلل بالحناء ، فهو النافذة والشاهد على جمال القرية ، وهو شعرها الطويل ، يخشون أسطورة قتالية عالية الحرفة ، وشديدة البأس ، ورثتها القرية من ملوكها، قرية ( أبو سبع ) . نقطة لفك الرهان ، وموطن السباع ، ترابها طعام ووقود ، وساحاتها ملح ناصع البياض ، أقدامها رحيل ، وقراراتها فزاعات ، فروسيتها خيول ،وجمالها صبر دائم . لا يفوز هذا الصبر إلا (بالعاگول).حبالها كيلومترات من (الخوص) . أحلامها آهات ، ونساؤها خنادق ، أطفالها نزيف ، مدرستهم واحدة ، ونعشهم واحد ، كثيرا ما يغرقون لأنهم يروّون عطش نهر (العشرات ) . بأجسادهم وأرواحهم : (نهر العشرات) في سلف : ( العشرات) النهر الذي عطش ذات مرة فأرتوى باثنين من أولاد الشيخ (عاتي الحريشاوي) .أطفالها حشائش عالقة في نبض الماء . قناطرها من حديد الجمهوربات ، وطابوقها ملكي ، بواباتها عثمانية العمق ، ومفاتيحها صدئة ، قرية (أبو سبع ) أصبحت اليوم شاهدا على عدوانية ووحشية وظلامية القرن العشرين ، شاهدا على إبادة الماضي الجميل ، الإبادة التي يسمّونها :حضارة ، حضارة المعامل والمصانع والمطاحن والبنادق الآلية التي تعمل : (ككلاشنكوف). حضارة الفانتوم والشبح والمارينز والهمر وأمراض السرطان اللعين ، شاهدا على إبادة ( الگفة) و(الأزدانة ) و( المحمل ) والطبگ) و(الرازونة ) و( حجر الزناد ) و( الجودلية ) و( الايزار ) و( المطال) و(مشط الخشب) . ولعب ( عظيم الضاع ) و( أم العروس ) و ( أم الكوخ) .و : ( الصگلیة ) و: (أم العنكبوش) و (الصفاگة عند بيت شلاگة ) .شاهدا على نسيان ال : ( گوگ الله ) و : ( الطرطيع) و : ( الطابگ) و(الرصاع ) و(الفطر ). شاهدا على موت أنشودة ( يا فطرة يا جماية يمهدمه الولاية ، يا فطرة يا عروس يمهدمه الضروس) ، شاهدا على موت : ( الحيساوي) شاهدا على نسيان أنشودة ( گومي يا شوغه هلهلي ) .شاهدا على من رمى الرصاص بالدخان ، في قرية : ( أبو سبع) . ساداتهم تقاليد ، فهم مراكز تموين ، وعطاء وتجنيد ، أنهم أنبوب للنفط والغاز والگاز ومشتقاته السائلة والصلبة ، يحتفظون بالقصب والبردي والبواري والعمدان وحجز الزناد . زواجهم عادات وأضاحيهم أعياد أنهم سومريون منذ زمن وسهر وليل .وجوههم نحاسية يقرؤون الفناحين والبخت والطالع . القرية شاهدة على موت (مذبوب ) حينما لبس الحذاء لأول مرة ، ومن يدري ربما مجهول آخر ينتظر القرية فلم يبق منها سوى حفار للقبور .