نوال السعداوى
نساء تونس خرجن فى مظاهرات شعبية يطالبن بدستور يقرر حقوق المرأة التونسية، والتمسك بحقوقهن المكتسبة التى ينص عليها قانون الأحوال الشخصية التونسى.
المرأة التونسية أكثر وعيا بحقوقها من المرأة المصرية، وأكثر شجاعة وقدرة على تنظيم صفوفها ضد المخاطر التى تهددها.
بعد الثورة التونسية تصاعدت القوى السياسية الدينية وأدت إلى فوز حزب النهضة فى الانتخابات، وهو حزب إسلامى لكنه أكثر تفتحا من الأحزاب الإسلامية فى مصر، أعلن رئيسه راشد الغنوشى مرارا أن حقوق المرأة مضمونة ولن ينال منها أحد، إلا أن المرأة التونسية واعية بتاريخ الحركات الدينية، كيف تقول كلاما متقدما عن المرأة حتى تقفز إلى السلطة، فتنال من حقوق النساء أول ما تنال، حدث هذا لثورات متعددة منها الثورة الإيرانية، التى تم إجهاضها على يد الخمينى وآيات الله.
لم تنتظر النساء التونسيات وقوع الانتكاسة، بل بادرن بمظاهرة للوقاية منها «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
المرأة التونسية تصون كرامتها أكثر من المصرية، لا يمكن أن يجمع زوجها فى الفراش بينها وبين امرأة أخرى . تم تحريم تعدد الزوحات فى القانون التونسى منذ سنوات كثيرة، لم يحدث هذا فى بلدنا مصر.
لا يمكن قيام الشعب بثورة دون الوعى بأسباب الظلم وفساد الحكم، دون تنظيم الصفوف فى قوة سياسية متحدة قادرة على إسقاط النظام وتغيير الدستور والقوانين وإقامة نظام جديد أكثر عدلا وحرية وكرامة للنساء والرجال والأطفال.
لماذا سبقت المرأة التونسية فى الوعى والتنظيم زميلتها فى مصر؟
نظام التعليم فى تونس أكثر تقدما، المرأة التونسية لا تتعلم أن طاعة الزوج من طاعة ربها، وأن تعدد الزوجات أمر الله.
لقد تطورت المفاهيم الدينية فى تونس وتطورت معها أفكار حزب النهضة الإسلامى، أما فى مصر فقد حدث العكس، تخلف التعليم خلال عصر السادات ومبارك، وسيطرت عليه مفاهيم تخدم التبعية والخضوع للأوامر العليا فى الخارج والداخل.
فى مصر ما بعد الثورة تضافرت قوى الثورة المضادة لتقسيم الشعب طائفيا، الطوائف الدينية كلها تصاعدت وطغت على الساحة، من السلفية والخومينية والإخوانية والطالبانية والشيعة والسنة والصوفية ومشايخ الطرق وقارئى الكف.
اختفت أستاذات الجامعات والطبيبات فى مصر وراء الحجاب والنقاب، غرقت مصر فى ضجيج الفتاوى ترهب الناس ليل نهار، وابل من الأصوات الزاعقة الخشنة المهددة بالكفر والإبادة لكل من لم يطع الأمر، غرقت السوق المصرية الحرة بالبضائع الأجنبية، حتى المسابح والأحجبة والمصاحف أصبحت مستوردة مثل الفول المدمس واللبن والخبز والماء وعصير البرتقال، وتدفقت المعونات الخارجية بالملايين لتغرق العقل والضمير بالدولار واليورو والدينار.
أما العقول المصرية المفكرة فقد تم إبعادها أو نفيها. وفى الانتخابات الجارية (نوفمبر ٢٠١١) يتم ترشيح نساء منتقبات يعتبرن وجه المرأة عورة، وصورتها فى الصحف أيضا عورة وإن ارتدت النقاب، فماذا عن صوتها فى البرلمان؟
هبت الثورة المصرية الشعبية فى يناير ٢٠١١، شاركت فيها النساء مثل جميع الفئات، لكن سرعان ما انقضت قوى الثورة المضادة على النساء والضعفاء والفقراء، لم تتعلم المرأة المصرية الدرس من التاريخ، لم تتسلح بالوعى والتنظيم، كما فعلت المرأة التونسية، تخلت المرأة المصرية عن مسؤوليتها تجاه حقوقها، وتركت أمورها للقوى الحاكمة المعادية للثورة فى ضرب حقوقها.
لم تتغير القوانين الظالمة التى تحكم النساء إلا قليلا، حتى هذا القليل سرعان ما يضيع أو يهدد بالضياع، حق المرأة فى تطليق زوجها الذى يهينها أو يخونها يتعارض مع أمر الله، خيانة الزوج لزوجته أمر الله الحجاب والنقاب والختان أيضا أوامر إلهية.
خرجت نساء تونس فى مظاهرة وقائية استباقية، قبل أن ينقض الحزب الدينى على حقوقهن، نشرت الصحف صورهن يوم ٤ نوفمبر الماضى، صفوف من النساء المتظاهرات الصف وراء الصف، يرتدين الملابس العادية البسيطة للنساء العاملات فى مختلف المهن أو طالبات الجامعات أو الأستاذات، لا أرى شابة منهن ترتدى الحجاب أو النقاب.
الإعلام العالمى والمحلى لم يظهر من ثورة مصر وتونس وسوريا واليمن إلا المحجبات والمنتقبات، كأنما هذه الثورات لم تكن إلا إسلامية، أو الأفضل لها أن تكون إسلامية وليس سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، وجائزة نوبل تم منحها لامرأة محجبة، كأنما أصبح نوبل أيضا من الحزب الإسلامى.
كثيرون يتصورون أن الاستعمار الأجنبى «كافر» يعادى الإسلام، لكن الحقيقة أن العدو الحقيقى للاستعمار الأجنبى هو الثورة الاقتصادية الاجتماعية الثقافية للتحرر من قبضته وحلفائه فى الداخل.
صورة نساء تونس المتظاهرات كشفت عن أغلبية نسائية على قدر كبير من الوعى والتنظيم.
خرجن معترضات على راشد الغنوشى وهرولته السريعة إلى قطر، تساءلت النساء: لماذا تكون الدوحة هى المحطة الأولى له بعد أيام قليلة من فوزه فى الانتخابات؟ فى دولة قطر أكبر قوة أمريكية عسكرية استعمارية، لم تنخدع المرأة التونسية بفضائية قطر الثورية!، رفعت النساء لافتات كتب عليها «من أجل المحافظة على مكتسبات المرأة التونسية، لا تهاون ولا رجوع عن حقوق المرأة فى الدستور».
تدرك المرأة التونسية أن الدستور الصحيح يؤدى إلى انتخابات صحيحة وليس العكس كما يحدث لنا فى مصر.
أين نحن النساء المصريات من هذا الوعى والتنظيم؟
فى ٨ مارس الماضى سارت مجموعات من الشابات المصريات والشباب إلى ميدان التحرير، احتفالا بعيد المرأة العالمى فماذا حدث؟ هجم عليهم بلطجية النظام السابق، تم التحرش بهن، قبضت السلطة العسكرية على بعض الفتيات، وفى السجن تم الكشف الطبى على عذريتهن، شىء لم يحدث إلا فى العصر العبودى القديم.
فى مصر الآلاف من المنظمات النسائية، فهل تصدت هذه الجمعيات للدفاع عن حقوق النساء؟ لماذا لم تتوحد هذه المنظمات المتفرقة فى قوة سياسية متحدة قادرة على الحفاظ على كرامتهن، وانتزاع الحقوق المهدرة المبتورة.
المرأة المصرية تخلفت مع تخلف العقل، مع تخلف نظام التعليم والثقافة والإعلام، مع خضوع المناهج الدراسية ووزراء التعليم والعلماء والأدباء لتوجيهات السيد الرئيس مبارك والرئيس باراك أوباما؟
كيف يفكر العقل المصرى (امرأة أو رجلا) إن سيطر عليه مندوب الرئيس الأمريكى؟