نافذة على الإبداع
إضاءة فنية على تجربة إبداعية بين الرسم والنحت ..
حينما يتحول الزجاج الى جدارية متفردة و منحوتات فنية مدهشة في زمن جائحة كورونا الكارثي الذي غابت فيه الفرحة ..
يثبت لنا أن الإبداع ليس له ضفاف ..الفنان خليل ياسين إنموذجا ..
بعد أن إنتهت اللمسات الأخيرة للتحضير الدؤوب لمعرض الفنان التشكيلي(( خليل ياسين )) حتى وضعت أعماله في – غاليري وأتليت ننار-
في مدينة مالمو – السويد ليعلن عن إبتداء أيام المعرض الأول ..
وفي خضم الصراع بين النار و الزجاج والسهر والتعب من أجل إنتاج
((مسلة فرح )) كان الفن فيها يحمل رسالة المواجهة والتحدي لجائحة كورونا سيئة الصيت ..
(( يوم السبت الساعة الثالثة عصراً أعلنت الدعوة عامة للحضور لمشاهدة الفن والجمال والإبداع )) .
ولتسليط الضوء على ماجاء في هذا المعرض لابد من الإشارة الى بعض التفاصيل الفنية التي وردت فيه .
لاشك أن للفنون الجميلة بعناصرها ومكوناتها المختلفة التي تعبر عن شكلها ومضمونها في اللون أو الظل بالعمق أو المساحة بالطاقة والكتلة والضوء ومايبرز من جمال في اللوحة على سطوحها ومحتوياتها من خلال ( التشكيل الحركي ) الذي يؤشر لنا عن أهمية العمل الفني بالدلالة والمعنى تأثيرها المباشر بصرياً على العين لغرض المتعة والجمال .
ينتقل تأثير – اللوحة أو المنحوتة – الفني والجمالي من خلال منظومة فكرية متعددة تعتمد الذائقة
(( الحسية – السمعية – البصرية)) لتّكون للمتفرج إنطباعاته التي تشكل أحكاماً جمالية على ضوء وظيفة هذا الفن أو ذاك عبر تنشيط الخيال والإنتقال أو العودة للواقعية من جديد .
هو ذات الشيء نراه في- النحت – حين تبرز نتؤات رائعة تثير الدهشة وتبهر العين وتجعلنا أن نتوقف عند منابع الجمال والإبداع التي عملت عليها أنامل الفنان .
اللون وفضاء الحرية للفنان .. إبداع ليس له ضفاف ولاحدود
فن الزجاج (( الترفيك )) والمتعة البصرية التي يحتويها في جمال اللون المدهش المتحرر الذي يعيش بفضاء الحرية الواضحة للفنان – خليل ياسين – في هذه الأعمال التي تشارك في معرض ترافيك الأول من نوعه – تشكل الحرية الفضاء الأكبر للإبداع ولإستقرار الفنان في أي بقعة بالعالم – بالإضافة الى الطاقة والإنسجام الروحي والصفاء الذهني الواضح في تشكيل هارموني خاص في تجربة الفنان المبدع وبذاته التي يسكنها الإدراك في نسج الخيال , الخيال الذي يتساوق تساوقاً طردياً مع الأعمال ,هي دلالات فكرية و جمالية تعتمد على الحرفية والتجديد في زمن الكورونا الذي أصاب الحركة والحياة بشللية مخيفة ٍعجز عنها الفنان والمثقف عن كيفية تداركها مما جعلته يتحرك بحدود جد ضيقة عبر الفضاء الأزرق في الأنترنيت في بعض من الفنون .
في البدء , متمنياتي للفنان دائم العطاء في فنه المستمر المتميز بعامة , وفي هذا المعرض الأول النجاح والتقدم والتالق بخاصة ..
أن ((فن الزجاج )) الساحرالمدهش , الذي هو بحد ذاته محصلة الذهن والتجربة الفنية والمسيرة الطويلة في الإبداع الذي ليس له ضفاف ولاحدود ، التجربة العميقة الرائعة التي تدلل على ضرورة خلق قيم جديدة للمتعة الجمالية في عقلية وآلية وتفكير الفنان وذاته الإنسانية عند تحفيز الذاكرة بين الفرد والمجتمع التي تنتج أعمال متعددة مشغولة بصبر وتأني , بدقة وتركيز في فن (( نحت الزجاج )) و بعناية فائقة , معتمداً على قواعد الضبط والدقة التي تمنحنا عند النظر اليها المتعة البصرية المتنوعة باللون والمواضيع في الشكل والمضمون و التي نراها من بُعد , وهي وليدة فكر ونشاط مستمر وتطور في التقنيات ! فكيف بنا ونحن نتلمسها من قرب ؟
لاشك أيضا ًأن هذا المنجز الفني لم يأت من فراغ إنما هو نابع من تطور طبيعي لفكر وفن الفنان الدؤوب .. بالرغم مما يعانيه اليوم من صعوبات متعددة , نجد أمامنا أعمال فيها من السحر والدهشة , يراها المتفرج بإشكالها التصويرية والوانها الجذابة البهيجة ومواضيعها الإنسانية التي تسمح للعين برؤية فنية معرفية لما تعرضه لنا أنامله وقبلها أفكاره الفنية التي تسبق كل شيء , وتدخل في مجال (( التداول الإجتماعي وأيضا الشعبي )) بما تحمل من رسوم وأشكال مليئة بالمشاعر والأحاسيس التي تحملها رسالة الفنان بما تحمل من فعل إبداعي و قيمة واضحة في التعبير الجمالي (( حسياًوإنفعالياً))..
هنيئاً لنا وهنيئا للفنان (( النحات أو الزّجاجْ )) ولكل من يحضر هذا المعرض الفريد الجديد الذي أتمنى له جمهور يتمتع بصرياً وجمالياً بما يتقدم في هذا المستوى الفني الرفيع .
من ناحية أخرى أن هذا العمل الذي يصنف من أعمال النحت و يعني موريليف , وهي مجموعة أعمال جديدة , مايذهل بها هوتلك الطاقة والكتلة واللون والرسم في (( فن الزجاج )) و بكيفية خلقها لتدخل عالم الإبداع في العقل البشري المتجدد, بها ناهيك عن المواضيع الهادئة التي يقدمها لنا .
والسؤال هنا هو كيف يتحول الزجاج الى عمل نحتي ؟
نعم هذا هو رأيي النقدي الفني في (( الزجاج الملون )) الذي كان يستخدم في سقوف الكنائس والكاتدرائيات في أوربا القديمة , سبق لي وأن رأيت منها الكثير وعلى سبيل المثال ليس الحصر الدوما في – فلورنسا – لمايكل انجلوولفنانين إخرين في هولندا من أشهر الكاتدرائيات حاضرة ليومنا هذا !
أن الإشتغال في – نحت مادة من الزجاج – تختلف تماما عن أعمال اخرى للنحت سواء بالخشب او الحجر كون الزجاج الذي يعتبرمادة مذهلة وفيها عمليات تحويلية متعددة , وقد تعامل معها الانسان منذ فجر تاريخ البشرية والحضارات التي سبقت زمن سومروماتلتها من الحضارات العراقية كان الإنسان يعمل على أنتاجها .
نرى هذا الإمتداد التاريخي العميق , اليوم يتجدد, في موضوعات صناعة السعادة والحب , البهجة والفرح والسلام , التأمل والأمل , وما وصلني من أعمال ستشارك في المعرض وإطلعت عليها بجوانب متعددة وجدتها (( كرنفال وأعياد وصياغة فرح بطريقة جديدة )) , كلها أنجمعت في مواضيعها الإجتماعية البسيطة لكنها كبيرة وذو أهمية , تحولت على يد فنان مبدع الى مادة فنية تنفع في اللوحة الحديثة , وفي عمل نحت زجاج الإستوديو , والذي يشكل إمتداد لعمق التاريخ السومري عن صناعة الزجاج بالأفران القديمة .
الإبداع والتقنيات في أعمال خليل ياسين :
البحث والتطور الدائم في هذا المجال هو الذي جعل الفنان أن يتوقف عن نتاجاته السابقة الأخرى , مثلا في السيراميك أو الحجر أو البرونز , وبدأ بنظرة جديدة لهذا الفن من زاوية أخرى , وأن هذه التسمية التي أعتقد أنها وبلا أدنى شك تتطابق مع هذه التقنية ((نحت الزجاج )) وفاعله (( الزجّاج ْ)) المتخصص في الصنعة , مصطلح أراه أكثر واقعية يدخل ضمن معجم المهن القديمة والحديثة ,
أما المصطلح المتداول ( العمل على الزجاج أو في الزجاج ) أراه ضعيفا ًو لا أتفق معه لإنه يقلل من شأن العمل النحتي الفني , والسبب هو تلك التقنيات الحرفية والخبرة الفنية والتراكمات التي يستخدمها الفنان في صياغة ونحت أعماله المتعارف عليها في (( برونز كلاس فيبر حجر سيراميك كبس )) كلها تمر بعمليات عديدة تحويلية حتى تحصل على منتوج يسمى نحت برونزي أو استيل أو اي مادة أخرى ,
جعلت منه أن يكون متجدداً في فن (( نحت الزجاج )) الذي يمر بمراحل علمية حسابية , أحيانا أكثر تعقيداً مع الأفران ليحصل على عمل نحت بارز أو فيكور أو حتى لوح مسقول في تقنيات حديثه مع النحت فيتشكل لنا إبداع جديد في الأسلوب والشكل مع التنظيم الواضح بين الألوان وتنسيقها المميز في هذه الأعمال , لذا فإن البحث عند الفنان المبدع لايتوقف عند ناصية ما , لإن أفكاره مرتبطة بالفعل الذهني واليدوي , لذلك تحدث تحولات دراماتيكية فنية أشبهها (( بالمختبرية )) بأفكارجديدة سريعة تنتقل من الكم الى النوع فيها إثارة وتشويق وإجتهادات فردية تنتمي له وفعلاً يحصل تغييراً نوعيا ًوفكرياً ولايبقى على مسطرة واحدة في إنتاجه وهذا هو المطلوب ..
نعمة يوسف
بغداد – هولندا