ليس غريبا ان نصف العراقيين بانهم سكان أرض القيم كلها فمعدنهم للعارف بهم وطبائعهم وشمائلهم الواقعية والحقيقية والتي لاتحجبها نقط سوداء هاهنا وهناك، معدن نفيس حقا من كل المذاهب والطوائف والملل والتشكيلات القروية والمدنية. وبعد المحنة التي تلت ذهاب النظام السابق ودخول قوات الاحتلال بالتوصيف الرسمي الأممي المعروف غابت قيم وظهرت قيم غريبة عن المجتمع العراقي بنسيجه الإجتماعي المعروف التماسك منذ زمن حمورابي للان ليس إستبحارا في مادته التاريخية وإستقصاءا للاثار المترتبة عليه بل هو واقعية تجد لها جذورا في نفس كل عراقي. فلشهر محرم الحرام وقدومه السنوي في نفس كل عراقي بحكم التاريخ والجغرافية توقفات إنسانية معروفة ليس فقط للحزن المصاحب للمآساة الانسانية التي رسمتها سجلات التاريخ بالدرامية المعروفة والتوصيفات التي تخلدت في ذاكرة الناس جيلا بعد جيل وافرزت معسكر الحق من الباطل في التاريخ الإسلامي والإنساني. ولإن قبر الحسين الشهيد ع في كربلاء والعراق مع الكوكبة التي أستشهدت معه صار العراق قبلة لزيارة الناس من الموالين لتلك الواقعة التراجيدية المعروفة بحكم التأثر ليس من الباب المذهبي الحصري فقط بل من الباب الواسع للالم المتاتي من التصوير التراجيدي لمقتل آهل بيت الرسول اللأعظم الكرام في معركة الطف الشهيرة. فتجد في العراق مدنا وبيوتا تتشّح بالسواد وتُرفع الرايات بشتى ألوانها المُعبّرة وتجد الاناشيد التراثية تصدح في أغلب البيوت والمحلات بصورة تدعوك للتوقف امام هذه الظاهرة التي مع تكرارها السنوي مابعد سنة 60 هجرية للان تجد صدى للتحسر والدموع والالم سنويا بحيث لم تدخل في الروتنة والضجر التكراري مطلقا. ولان مسيحيي العراق أصلاء في بطن التاريخ العراقي والسكن الجغرافي ورغم كل المحاولات لتفريق نسيج الشعب العراقي الواحد في إحترام القيم الوطنية، وجدنا موقفا عراقيا سامدا باهر السطوع لايُنبى عن طفرة في المواقف الدينية بل عقلانية واقعية حقيقية قريبة من نفس كل عراقي يحترم الآخر وهذا الموقف هو إن ديوان الوقف المسيحي العراقي ألغي احتفالاته لهذه السنة الميلادية لتزامنها مع شهر محرم الحرام ومراسيمها عند المسلمين وخاصة في بلد مثوى سيد الشهداء الحسين بن علي. الديوان المسيحي قرر الغاء احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة المعروفة المراسم لتزامنها مع شهر محرم الحرام. وقال رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى رعد عمانوئيل، خلال زيارته لديوان الوقف الشيعي العراقي ولقائه بمدير دائرة العلاقات فيه عمار الموسوي “الغينا احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة والاكتفاء بإقامة المراسيم الدينية لتزامنها مع شهر محرم الحرام، وتضامناً مع احزان المسلمين في ذلك الشهر الذي شهد استشهاد ريحانة رسول الله الإمام الحسين”، مبيناً أن “المسيحيين تجمعهم روابط تاريخية ودينية كبيرة مع المسلمين”، و شدد السيد الموسوي على “عمق العلاقات الأخوية والإنسانية وبمختلف الأصعدة بين الطرفين”، مؤكداً أن “الوقف الشيعي يقدر مبادرة الأخوة المسيحيين والمتضمنة الغاء احتفالاتهم بشهر محرم الحرام”، لافتاً إلى أن “تضحيات المسيحيين في واقعة الطف الأليمة عندما شاركوا الإمام الحسين في كربلاء ووقفوا ضد الظلم والاستبداد تشهد لهم”، وبهذا الموقف التعاطفي الاحترامي لحزن الآخر يسمو المسيحيون العراقيون بتميزّ يستحق التوقف والتنوية والإشادة وبموقف لم نعثر على جذوره في الامم المتشاركة المتشابكة المذاهب والاديان والاعراف كبلاد الرافدين. وبهذا الموقف الأخلاقي يفقأون عين الارهاب الذي كان يوجه السهام للفرقة وبالتهديد والتهجير بما لم يستطع معه مطلقا ان يمحو صورة التعايش الوطني السلمي الإجتماعي الرصين بين العراقيين قاطبة ولوحده كان موقف الوطن كله بجريمة كنيسة النجاة مدعاة للتفاخر بوجود جذوة حب متأصل بين العراقيين لاتشبهها ابدا جذوات إتقادية عند غيرهم من الامم. تحية لهذا الموقف الاصيل النبيل ليس لقدوم المحرم ومشاركة اخوانكم احزانهم السنوية بل لانكم وضعتم أفراحكم السنوية جانبا وفرحة عوائلكم واطفالكم المتزامنة مع كل فرح مسيحيي في العالم جانبا،حبا بموقف وطني مشّرف حزائني سنوي أنتم جزء من نسيجه الوطني المتماسك وهاهو يزداد قوة أعمق بموقفكم من إلغاء إحتفالاتكم لاجل قدوم محرم الحرام. عاشت طينتكم العراقية النقية من كل سوء فلايحتاج القمر والشمس لبرهان الإضاءة أبدا امام ليل الارهاب الاسود القاتم الداكن وهكذا كان موقفكم أيها المسيحيون العراقيون الافاضل الشمس والقمر كلاهما يخجلان من التشبيه والاستعارة بكما لإن موقفكم أسطع وأبهى ولايزول وهما يزولان يوميا بحركة الليل والنهار!
موقف وطني متميز من مسيحيي العراق
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا