مهرجون للإيجار في سوق الهرج
زيد شحاثة
قد يبدوا من الظلم أن يوصف كل من يسيء بطريقة فجة أو مبتذلة بأنه مهرج, فهذه الشخصية التي طالما تعمل لإسعاد الناس وخصوصا الأطفال منهم, من خلال الإتيان بالحركات المضحكة, وصبغ وجهها بالألوان الزاهية بشكل ساخر.. لكن كثيرا من الكلمات تستخدم لمعاني قد إنزاحت بها عن معناها ومقصدها الأصلي.. فصارت تطلق على من يتقلب في مواقفه, وصل حدا يكون فيه مضحكا..
لا تخلوا حياتنا من أشخاص, قد يروق لنا أن نصفهم بالمهرجين, وليس بالضرورة أن يكونوا ممن يرتدون ملابس مزركشة أو يصبغون وجوههم, فربما قد يكونوا ببدلات غالية الثمن ويحملون ربما تخصصات وشهادات جامعية وعليا, بل وربما يكونون ممن يقفز من قناة لأخرى, فيستأنس برأيهم.. وأي رأي؟!
كثير من هؤلاء تتغير أراءهم بين ساعة وأخرى, أو إنتخابات ونتائجها وأخرى.. لا لتغير في القناعات أو لظهور أدلة جديدة, وإنما فقط لتغير القناة وإختلاف توجهاتها وأجندتها عن السابقة أو تغير نتائج الإنتخابات لتصعد جهات وتنزل أخرى وهكذا, فيمكن أن يكون الحق باطلا, ويقلب الباطل حقا تبعا للظروف ..والظروف هنا تعني من يدفع أكثر!
قد يبدوا من المنطقي أن يدلي ضابط عسكري كبير متقاعد مثلا برأي أو تحليل عن حدث إستراتيجي أو عسكري, ويبين أستاذ مختص بالعلوم السياسية أو سياسي يملك خبرة وممارسة بشأن أو حدث سياسي أو دولي, وكذلك يصح من قانوني خبير أن يوضح الخفايا والتفاصيل والإجراءات القانونية لحدث أو قضية ما في ما يخص جنبتها القانونية… لكن أن يقوم أحد هؤلاء بتقديم رأي في قضية لا يختص فيها أو يفهم شيئا منها, أو يقدم موقفا ورأيا وموقفا يناغم جهة ما, وهو سبق أن هاجمه وأنتقده بشدة, فهو التهريج الواضح..
تحاول كثير من القنوات تلافي تلك المشكلة من خلال تقديم ضيوفها على أنه ” الخبير الإستراتيجي” وهو وصف عام هلامي, ولاوجود له في أرض الواقع.. لكنه يتيح لها أن تقدم الجهلة وإنصاف المتعلمين وأدعياء الثقافة, ليدعموا توجهاتها في تسقيط ومهاجمة خصومها, أو خصوم الجهة التي تدافع عنها, مقابل مبالغ تافهة..
أشتهرت عندنا في العراق شخصيات لا لأهميتها الذاتية, وإنما لأهمية الشخصيات والجهات التي هاجمتها وحاولت تسقيطها, كما في نموذج المدعو “فائق دعبول” التي ركزت بكل كتابتها على ما يتعلق بالدين والمرجعية ومن يدور في فلكها, والذي صب جما غضبه على التراث الشيعي تحديدا, وحاول بكل سفاهة وبذاءة أن يهاجمه, وينتقص منه ومن معتقداته ومقدساته ورموزه..
عرف أيضا غيرهم بكونهم من الشخصيات التي تقدمها القنوات كخبير في الشؤون السياسية, بأسلوبه المميز “المحايد” في الطرح والقابلية العالية للتبرير أو النقد, رغم كثرة الخبراء وحملة الشهادات العليا المتمكنين والمختصين في مختلف التخصصات وفروعها.. لكن مثل هؤلاء تمكنوا بطريقة ما النفاذ, رغم ما ينقل عن دور لهم وتاريخ خلال فترة حكم البعث للعراق.. ليفاجئنا هؤلاء أحيانا بتنقلهم الفاضح, دفاعا عن جهات سياسية كانوا يهاجمونها ويسفهون مواقفها.. في إنقلاب تجاوز (180 درجة) يرافقه إصرار على أنهم لا زالوا محللين ومحايدين.. فعن أي حياد تتكلمون!
هناك عشرات المحللين ممن لا هم لهم إلا التبرير والدفاع, عن مواقف الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وبمبررات منطقية أو بحجج واهية وأسباب لا يقبلها عاقل, وهناك غيرهم ممن يهاجمون أمريكا ويمدحون أيران بشكل يفوق حتى ما تريده أيران نفسها.. وأخرون كثيرون ممن لهم إرتباطات بجهات, ويتحدثون بما تريد تلك الجهات من رسائل تريد نشرها.. وطنية كانت أو خارجية.
من لديه صبر ومطاولة ليتابع عددا كبيرا من القنوات الفضائية سيتصور وبعد وقت ليس بطويل, أنه أشبه ما يكون بمتفرج أو مشارك, في عرض للمزايدة العلنية لمجموعة من المهرجين الفاشلين في سوق قديم للهرج.. وخلال دقائق يمكن معرفة, الجهة التي أشترت المهرج الذي يتحدث أمامك.