من يلتفت الى مأساة الايزيديين و يحس بمعاناتهم و آلامهم؟
كاوة محمود
منذ احتلال ارض كوردستان و ديمومة حكم المحتلين بمختلف اصنافهم و أشكالهم و هوياتهم و بدعم من المرتزقة و العملاء المحليين، سجلت ذاكرة التاريخ الشفاهي و المكتوب المتعلق بمعاناة الايزيديين ما يقارب أربع و سبعين حملة من حملات الابادة المسماة في الثقافة الشفاهية بـ”الأوامر” و المقصود بذلك أوامر الابادة الصادرة من قبل السلطات المختلفة الحاكمة لقمع الايزيدين و قتلهم و اجبارهم للتخلي عن دينهم و تراثهم، دون أن يتحرك مجتمع الحداثة و حقوق الانسان لتوصيف تلك الحملات و الأوامر ضمن جرائم الجينوسايد.
والمفارقة الواضحة في هذا الشأن هي أن المجتع و الاديان و الشعوب و الامم الأخرى تطلب جميعها من الضحية أي الايزيديين تقبل التعايش السلمي المشترك، في وقت يتناسون بأن حملات الابادة و الاعتداء و القمع و اغتصاب اخواتنا الايزيديات و التي أرتكبت على مر التاريخ و آخرها جرائم دولة الخلافة الاسلامية داعش، لا تزال مستمرة في تداعياتها و آثارها، و لم يتم معاقبة مرتكبيها، بالتزامن مع حالات التمايز الاجتماعي المعيب في وطننا و منها عدم استخدام العمال الايزيديين في بعض المطاعم و التوجس من شراء بعض المنتوجات منهم أو مشاركتهم في الأكل.
و بلغت هذه الحالات الاانسانية المعيبة ذروتها عندما تحدث البعض عن عدم جواز تقديم حتى الصدقات والمعونة الانسانية في وقت كانت الدولة الاسلامية تفتك بهذه الجمهرة من المدنيين الآمنيين.
لقد تحولت معاناة الايزيديين الى مادة اعلانية و اعلامية أكثر من كونها قضية سياسية و انسانية كبيرة تدخل في اطار القانون الجنائي الدولي.، فبالرغم من تقديم بعض المساعدات الانسانية من منظمات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الخيرية، الاّ أن الدعاية الاعلامية و أخذ الصور و مقاطع الفيديوهات عند تقديم المساعدات و الخيم غطت المشهد الاساسي و كانت له الغلبة على التفكير في مصير الالاف من الازيديين الذين لا يريدون سوى العودة الآمنة الى أماكن ابائهم و اجداهم الاصلية.
ان الضحايا الايزيديين الذين جرى ابادتهم و هتك اعراضهم و دفن موتاهم في قبور جماعية تحت راية داعش و شعارها، قد جرى دفنهم مرة أخرى بعد الخلاص من داعش في ظل راية ملونة أخرى لكنها تحمل بشكل آخر الشعار نفسه، دون الاخذ بنظر الاعتبار بان مراسيم الدفن بتلك الشاكلة لا تمت الى تراث الايزيدية و تاريخهم و قيمهم الدينية بأية صلة.
وتأخذ الدعاية الاعلامية مدياتها الواسعة عندما تتحرر أحدى الناجيات من العبودية و الاستغلال و يتم تصوير الأمر كانتصار كبير لتلك المنظمة او الجهة التي تبنت تقديم المساعدة لتحريرها، دون ان يتم التفكير بالوضع النفسي للناجية التي تتحول الى مجرد رقم لا يقوم المجتمع و لا تفكر الدولة و الحكومة و المجتمع الدولي في التعامل معها ضمن حقوقها كأنسانة و كأم في كيفية احتضانها و معالجة وضعها النفسي، و اعادتها الى الحياة الطبيعية الانسانية، ضمن مفهوم العدالة الانتقالية و محاسبة المجرمين و انصاف الضحايا.
لقد أصبح هم الايزيدي أن يقول للآخرين بملئ صوته: لا نريد أن ينضم أو يتبنى احد ديننا، و هاجسنا الاساسي هو أتركونا بسلام لنحافظ على ثقافتنا و نمارسها مع طقوس ديننا بحرية!
على مرّ التاريخ تم تهميش الايزيديين، و عندما تأسست الدولة العراقية ازداد و تعمق الاستغلال و التهميش، و عندما تشكلت حكومة أقليم كوردستان لم ينته التهميش.
ان من حق الايزيديين أن يقولوا ماذا نفعل، و الى أية جهة نوجّه شكوانا؟
ان من حق الايزيديين أن يقولوا:
أيها السادة الكبار في المجتمع الدولي!
أيها المسؤولون في الدولة العراقية!
أيها المسؤولون الكبار في حكومة الاقليم!
أيها الوزراء و المسؤولون الحزبيون!
بعد ما جرى من هدم مساكننا و تدمير اراضينا و بعد حملات الجينوسايد و الابادة الجماعية، و بعد أن جرى تشويه وشجائنا العائلية و علاقاتنا الأسرية، هل تقبلون أن نعيش نحن الايزيديون لمدة سبع سنوات أخرى في مجمعات من خيم احترقت أكثر من اربعمئة منها خلال لحظات وبالشكل الذي حدث في مخيم شارا، و نتعرض للمبيت في العراء مرة أخرى.
هل ما يجري من تعامل في كافة النواحي معنا تمثِّل جوهر العدالة الانتقالية التي تتحدثون عنها!
أيها المسؤولون!
اذا رغبتم في معرفة معاناة الايزيديين تعالوا لقضاء سبع ساعات في تلك المخيمات… سبع ساعات فقط لا سبع سنوات!
—————-
*
سكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني