الكاتبة والشاعرة هدلا القصار
بروفايل (5)
من خارطة طوبوغرافيا الحياة، نحتفي بالأديب والشاعر العماني المقيم في استراليا، سيف الرحبي، أدبياً ورؤيوياً وإنسانيا، لتجربته الإبداعية المغموسة في الكون الملتصق في سيرته الأدبية والذاتية وامتزاجهما بمن حولـه .
أننا غالباً ما نستطيع التعرف على تجربة الشاعر الحميمة من داخل لحظات الحياة..، لكن الشاعر سيف الرحبي، استطاع أن يرسم لنا جهازه التنفسي لنراقب مركبات إنائه، دون أن يهمل تحليله للصراعات الكامنة وراء كوارث البشرية … ولنستخلص بنيته المتجانسة بالعناصر الجغرافية للإنسان.. ، مما حقق آفاقاً واسعاً لمعرفة الشاعر، وعمق صوره الفنية المزودة بمفاتيح سيكولوجية، لأعمال تقوم على منهج الشاعر نفسه، وتصويره للشخصية من الخارج والداخل، وكل من دب في حياته الخاصة والعامة، وفي عيشه وترحاله وأصدقائه، ووضعه الاجتماعي، وعاداته، وكل من اقترب منه في الزمان والمكان، المسجل في نشاطه الثقافي، وفي سيرته المتكئة على السياق النفسي، وما يتصل بوراثة العالم في وظائفه البيولوجية والفيزيولوجية، التي أظهرت ملامح الشاعر، مع سيرة الغرب الذاتية والاجتماعية، والفنية في مختلف حقوله المعرفية “الشعرية والأدبية والفكرية والسياسية، والاجتماعية…. فضلاً عن سيرته الخالصة، لتظل قصائده تنبض بالدفء والمشاركة الوجدانية الصادقة، من أجل أن يبقى كشجرة الحياة خضراء ندية، من كلمه الذي جعل من تجربته الشعرية لغة خالد .
ليفسح المجال أمام القارئ مشاركة وفهم نصوصه… وإعطائه أبعادا أخرى وفق رؤيته وتجربته الواسعة .
لربما هذا التصور يسعفنا همم هذه الرؤية الكشف عن شخصية هذا الشاعر، ورؤيتنا لتجربته الأدبية الإنسانية في آن . أو ربما نتمكن الوصول إلى شخصيته الرهيفة، من خلال تصوره للنزعة المتحررة من التقاليد التي تعطي للمنطق العقلي دوره في توجيه نظرياته في براءة الأشياء، وملامسة ما يمنح تشكيلاته الهرمونية المتفوقة، في مخيلته النابضة من قضايا الإنسان، البارزة في جميع أعماله، ونبرة صوته الممزوجين بخيوط كلمه المحتفل بالصور المحركة لهرمونات نصوصه، المعجونة من أصول الأدوات الأولى لمؤسسة الأدب والثقافة، تجاه المواقف الأيديولوجية التي برزت في أعماله الإبداعية، ومضمون الواقع الذي حوله إلى طاقة من عناصره الحيوية، المتسمة بصناعة المعرفة في علم الثقافة واكتشاف الأفق الجديد، من اجل أن يساعد العالم على فهم المعنى الحضاري للمجتمعات .
يسير الشاعر سيف الرحبي، على وتيرة محمود العقاد في رسم صور نفسية لظروف العصر والبيئة، والسياسة،والثقافة، وكل ما يتصل بعوامل الموروثات الفطرية، بوصفها أدوات معرفية تدخل تجربة الشاعر في إطار ما يسمى بالفلسفة الأدبية والفهم ” السيكوبيو غرافي” وبما أن لا يمكن للعمل الأدبي وحده أن يفي بهذه المطالب والمواصفات إلا إذا استعان الشاعر بثقافة بعض الدول أثناء ترحاله ومكوسه واجتهاده الذي اعتمد على تأويل ما يمنحه مثل هذا الإبداع الثقافي الفني “السيموفوني” الذي يعمل على مختلف الحقول المعرفية … فضلاً عن سيرته الذاتية وربطها بمزاج الشاعر، وسلوكه، وحياته…، لنستخلص من تجربته وصوره الشعرية “السيسيوثقافية ” هذا المنحنى الذي سبق ومس العديد من الشعراء في حالاتهم وظواهرهم المصحوبة باضطراب منهجهم البيوغرافي، على غرار تجربة سيف الرحبي، الذي يشبه ” نبتة الكأس القلقة، المتميزة بأوراق منفصلة عن بعضها البعض، لكنها في نفس الوقت مشتركة في إنائها، لأنها تحمل أزهاراً ذات قاعدة قدحية متمركزة في رحم أغصانها “. لهذا فجميع كتابات شاعرنا الرحبي، تحمل دلالة سيكولوجيةً أعمق من الأخرى .
من هنا تحسسنا حواس الشاعر، المخاطب خياله الذي منحه خصوصية، وفرادة متماشية مع براهين اكتشافات مخيلته الروحانية، وحساسية ذائقته، ومدى معرفته، وقدرته على التعمق بالذات…، مستذكرين الأديب والشاعر الفرنسي جان دو لا فونتين، “الذي اشتهر بتراكيب اللغة، ومعايشته ثورة الثقافة الفكرية والسياسية المبنية على القصد الفني، وطريقة تحويل الذات إلى تغيرات يشهدها داخل الشاعر المهجري، في آليته المغامرة داخل وجدانية ثورات تأملاته الفكرية المخصبة من ثمار الأدب العالمي، برؤى تعيد النظر لمسألة الوجود الذي يوقظ الذات المرتبطة بوجود ظاهرة ثقافية مميزة، حتى إذ أمعنا في تجليات الشاعر الرحبي، في الأزرق الكوني المنشغل بكينونته، نسمع موسيقى صوته ذات الحس العالي .
ولربما كان الأديب والشاعر سيف الرحبي، من إحدى تلاميذ الشاعر الايطالي “كاردوتشي” الذي ميزت تجربته بالعواطف الصادقة، والإحساس العميق، مما أضاف لمضمون الشعر العماني العريق ياقوتاً من الحروف الرحبية، الممتدة من محيط عالمه حتى عالم الغرب .
لنواصل البحث عن تفاعل شاعرنا وصرخات كلماته المبحرة بين المهجر والوطن، الجامع العبء الإنساني في أعماله الندرة … لذا استطاع الرحبي، أن يصور بجلاء المجتمعات المليئة بالتناقضات والأسئلة، والأمثلة، في مواضيعه التصويرية الشديدة الإيحاء…. ، ألا انه يتعامل مع المتلقي كطبيب في مشرحة تخترق حدود معالم الإنسان ليتواجد مع مشاعره وخلايا تفكيره، أو للكشف عن وطأ الزمن الذي أثقل معاناته .
وهكذا تكمن بؤرته الإبداعية في مجمل شطحاته الذهنية المرصعة بإعماله النثرية والسردية ومعالجة المواقف الفردية، والاجتماعية في موضوعات كتاباته عامة، المترصدة للظواهر الإنسانية، المزينة بمسحات فلسفية متقاربة من أفكار الشاعر البرتغالي ” فرناندو بيسوا” الذي اخرج ثقافة البرتغال من الظل إلى وهج أوربا، المتمثلة بتجربة الرحبي، المشعة على عتمة الأدب الخارج من أعماقه المناشدة كينونته المهجرية، والمفتوحة على العالم إلى ما لا نهاية …
لتبقى قيمة الرحبي الأدبية أساس اجتياز انضمامه إلى جوقة أشهر كتاب العالم العربي والعالمي، في أسلوبه الخاص، والمنفرد بإيقاع كلمه الموسيقي المورد للمتلقي من حيث صرح في قصيدة ” أحلام القدماء ” .
يتبع