من سلسلة خبايا الناس.
مقايضة:
ما بين خبايا الغربة وحضنه البارد إختلط عليها الأمر، تعرّفت عليه في ظروف غير عادّية، فهي إبنة الثلاثين وهو يقارع الستين.
أحوال بلدها المرّة دفعتها لتحمّل مشقّة السفر وعناءه، ولم يكن صعباً عليها كسب ودّ من يعرفها، فكثيرة هي المزايا التي تحملها، كيف لا وهي شابّة جميلة لبقة ممتلئة حيوية وحسناً، وترشح حبّاً وعطفاً وإشراقةً.
عرفته أستاذها الذي شرّع لها أبواب بيته كما حياته، فأسكنها وهي غريبة عن بلدها، مدّ يد المساعدة لها، فظنّت أنّه يحنو عليها كوالد لم يلدها، وكفراشة زاهية ملوّنة ملأت حياته صخباً وروحه تجدّداً.
مرّت أيام مَلك وسنيها، ولم يتركها فراس لحظة لمصيرها بل غمرها وزوجته ريما بكل حنو وكانا لها سنداً وعونا. إنتظرت بلهفة لحظة تخرّجها، ولم تكد تفرح بشهادتها الجامعية حتى فاجأها، لم تصدّق ما سمعته فكاد يُغمى عليها، لا لشيء وإنّما تحت وطأة صدمتها.
إنفرد بها وأوقفها، حصرها بينه وبين الحائط حتى كاد يخنقها، وأفصح لها عن حبّه، عن إعجابه بها ورغبته في الزواج منها ” وقفت معك .. وساندتك .. بادليني شعوري تجاهك .. إقبلي الزواج منّي .. حققي حلم ريما بإنجاب طفل لها لتربيه هي وكوني أنت سلوتي ” …
إنهارت بين يديه لحظة، ولمّا استجمعت قوّتها دفعته صوب الداخل الذي لطالما احتضنها، وهرولت مسرعة إلى الباب الموصد بمفاتيحه مشرّعة أبوابه لرشدها إلى طريق تاهت معالمه لديها.
هرولت كاسرة الأصفاد التي قيّدها بها طوال سنوات صارخة في أعماقها ” سأحرّر نفسي من قيودك وسجنك وسياجك البرّاق الذي أسرتني فيه وأنت تخدعني، سأدوس على محاولاتك إغتصاب حقوقي ورغباتي ومصادرة قراري وسعيك لاستعطافي واستغلالي … سأرفض وأنتفض لأنّني لم أر فيك سوى أنانيتك التي لم تغادرك يوماً ” كلمات نطقتها ولم تكن تدري ماذا ينتظرها في آخر الطريق المسيّج الذي عبّده لها.
(ليلى شمس الدين)
من سلسلة خبايا الناس.
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا