من السبب ؟! .
من ساسون حسقيل إلى ضياع المالية ..
حين يصاب أحدٌ مِنَّا بمرض لا يستهان به لا سامح الله يبحثُ ذات اليمين وذات الشمال عن طبيب متمرس ذو قدرة عالية في مجال أختصاصه لا يَمُرُّ الفشل من بين يديه مشهود له بالإنجازات الباهرة صيته ينتقل مثل العطر بين الناس لا يَهُم نسبه ولا مذهبه ولا دينه ولا قوميته بقدر ما يكون السؤال محصوراً حول عِلْميتَه فقط وعند إذ يتوكل على الله ويضع صحته بين يديهِ ، بمعنى ( يُحسقل ! ) يَحسبُ الموضوع جيداً ويشدد من الجهات الست وكأنه أمام مكعب ويعصر كُلُّ المعلومات ويدرسها بشكل مستفيض قبل أن يقع اختياره على الطبيب الذي يرضخ لعلمه رُّبما لا يهم كم يكلف كشفيتَهُ طالما الأمر متعلق بصحته وتشخيصه دقيق وعلاجه يأتي أوكُلَهُ بعد حين وَيَتَعافى ، كُلُّ هذا لأنه حريص على صحتهُ وإذا ساعده دخله وأمكانياته المادية بحث عن العلاج خارج أسوار الوطن ويضرب عصفورين بحجر واحد ، سياحة وعلاج . أما الوطن وسلامته أكثر الناخبين وكأنهم كانوا غير معنيين بسلامته كما يبدوا من خلال التصرف بأصواتهم في الانتخابات إذ رَموها في صندوق الانتخابات وكأنهم رَموا الأوراق المهملة في سلة النفايات ، مع إن البحث والتقصي عن سلامة الوطن ووضعه في أيادي أمينة أهم بكثير من صحة الفرد الواحد لأننا نرهن مصير الشعب وقدراته بأيديهم .. نضع الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات والمالية والوطن وحدوده ، نضع حياتنا في راحة أو في شقاء .. فلم لا ( نُحَسقل ) أصواتنا جيداً قبل أن نودعها في صندوق الانتخابات فالصوت ثورة .. نٓحنُ حين نشيد دار سكن لنا نسأل كثيراً عن البناء الجيد واصحاب المهن المتعلقة بالبناء ونختار أحسنهم وعندما نبني الوطن لا نفكر كثيراً ولا نحسن التصرف مع أن السعادة الحقيقية أن تعيش في وطن سعيد .
أساءوا أكثر الناخبين في أختيار من يمثلهم لأسباب عديدة منها مستواهم الثقافي وعدم فهم متطلبات اللعبة الديمقراطية وفشل أكثر المثقفين من أداء أدوارهم في هداية الناخبين بالاتجاه الصحيح وهذه هي النتيجة ضياع ثروة الوطن وبالمليارات الدولارات من خلال تسلّق المناصب من قبل من هم غير جديرين بها والمأساة إننا لدغنا من ذات الجحر مرات ..
وكأننا وضعنا مصير الوطن بيد الفاشلين بالنتيجة إن لم تكن بالنوايا .
لاحظتم في سياق الموضوع بأني ذكرتُ كلمة ترددت علىألسنة الكثير من البغداديين القدماء ( نُحَسقل .. حَسقلها .. تريد تحسقلها عليّ!)…. بمعنى يتشدد في التدقيق والمحاسبة ورباط السالفة لتلك الكلمة هو الوزير المالي للعراق اليهودي العراقي ساسون حسقيل الذي عاش ١٨٦٠- ١٩٣٢ وهو الذي ضبط المالية العامة بصيغة أمينة بشكل منقطع النظير حتى شاع بين الناس في ذلك الوقت تلك العبارة الحسقلية نسبة لتفانيه في أداء مهامه بعلمية وبشدة ودراية لعمله كوزير للمالية في العهد الملكي شغل ساسون حسقيل منصب وزير المالية خمسة مرات في ذلك العهد، لنزاهته وأمانته حيث عين أول وزير مالية في حكومة السيد عبد الرحمن الكيلاني النقيب ١٨٤١- ١٩٢٧ (الحكومة المؤقتة ١٩١٨ – ١٩٢١)، كما وأنتخب لوزارة المالية في وزارة النقيب الثانية ١٩٢١، والثالثة، وعبد المحسن السعدون ١٨٧٩-١٩٢٩ووزارته الاولى وكذلك في وزارة ياسين الهاشمي ١٨٨٤-١٩٣٧.
كان رجلاً علمياً حاصلاً على عدَّة شهادات منها القانون والمحاماة وأحترامه الصارم للدستور وأسس الميزانية العامة ومن عائلة مشهورة بالتجارة ساهمَ بشكل ممتاز في وضع الأسس الصحيحة لقيام الاقتصاد العراقي وبناء ماليته على وفق نظام دقيق كان يعترض بشدة على تدخل الإخرين في مهام عمله من السياسيين والعسكريين وكان يردهم ويذكرهم بأختصاصاتهم وعدم التدخل فيما لا يعنيهم كأختصاص وإذا أقرت الميزانية لا يسمح بالتلاعب بها وبهذا الخصوص ردَّ طلباً للملك فيصل الأول حين طلب مبلغ ٢٠ دينار لبناء مدرسة في الديوانية كون الميزانية أقرت من قبل البرلمان .. وأظهر حنكة تفاوضية وأخلاص للبلد في المفاوضات مع الإنكليز في عام ١٩٢٥ بخصوص عائدات النفط حيث أصر على أن يذكر أربع شلنات من الذهب للنفط المباع ولم يقبل بالعملة الورقية ومع أعتراض الوفد العراقي المصاحب له إلا إنه أصر على موقفه وتبين فيما بعد بأنه حقق مكاسب للأقتصاد العراقي جراء تصلبه على موقفه الثابت بأن يكون الدفع بالشلن الذهب سعرآ للنفط المباع، مما أفاد الميزانية العراقية فيما بعد. وبفضله أخذ العراق يسترجع واردات النفط بالباون الذهبي، بدلاً من العملة الورقية، بعد إصراره على هذه المعاملة في المفاوضات عام 1925 م، مع الجانب البريطاني، رغم أعتراض أعضاء الوفد العراقي على ذلك. وقد قدر العراقيون، في ما بعد، أهمية هذا الموقف .. . حاول ساسون قبل وفاته ان يختم حياته بمنجز من منجزاته الكثيرة وحاول وضع خطة دقيقة من أجل إصدار عملة عراقية وطنية، وسعى جاهدا من أجل تحقيق ذلك بمساعدة يهودي آخر هو إبراهيم الكبير مدير عام المحاسبة المالية آنذاك، وبالفعل فقد تم ذلك عام 1932 م وأصبحت النقود العراقية هي المتداولة بدلا من الروبية الهندية والليرة التركية) .
كان ساسون حسقيل نتيجة لدراساته وتجواله في عدَّة دول يجيد أكثر من لغة ، ترك خلفه مكتبة عامرة ومتعددة باللغة الانكليزية والفرنسية والإسبانية والتركية .
لم نجد بعد ٢٠٠٣ ربع كفائة ونزاهة حسقيل ولم نجد العلمية والدقة في إدارة المال العام بل سمعنا من مسؤولين يتصدون للعملية السياسية عن فساد مالي وإداري رهيب وبأن هناك مافيات الفساد وحيتان الفساد .. منهم سمعنا قصص الفشل والمشاريع الوهمية والمتلكئة وأخيراً بدأنا نسمع منهم مصطلح أفلاس الدولة وعدم قدرتها على سداد رواتب .. حيث أكثر الموظفين يستلمون رواتب مقابل لا شيء ، الصناعة والزراعة دمرت وأخفاقات في تقديم الخدمات وجل المسؤولين بعيدين عن القدرة على التطوير سوى تطوير لغة الطائفية واللعب على حبالها ، إنهم يعيشون ويعتاشون عليها ليس بينهم من يُحسقل الأمور على طريق ساسون حسقيل والسبب الأكبر هو الناخب الذي لم يحترم صوته .
إن أكثر الذين وصلوا الى السلطة أساءوا للأقتصاد ودمره وبذلك دمروا السياسة وحال الوطن في أسوء حال ، كنت أنت أيها الناخب وانا وانتم سبب ما حَلَّ بالوطن ولم نكن نبحث عن ( حسقيل ) جديد و( نوري سعيد ) جديد بالمناسبة في أحدى الأيام كان نوري سعيد سعيداً وكان يدندن مع نفسهِ وهو يمشي فسأله أحد المحيطين به عن سبب سروره ؟! فقال : لقد وفرت لخزينة الدولة ١٦ دينار وأكثر مسؤولي اليوم فرحين لأنهم أهدروا مليارات الدولارات وهم يدندنون على خيبة أملهم ونحن معهم ندندن مع الأسف والنقص يجر النقص مثلما الهزيمة يجر الهزيمة .
————
وكلام مفيد :
النجاح يجر النجاح ، كما يجر المال المال .” نيكولا شامفور“
من السبب ؟! .
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا