من أين لكم هذا يا رؤسائنا…؟!
سالم أسماعيل
يملكون كل شيء الهواء والماء والثروة والعباد والبلاد وكلامهم فوق القانون ولا يجوز مسهم لا من قريب ولا من بعيد !،رؤسائنا أقدس من القديسين!نسير جميعا على ضوء توجيهاتهم السديدة وإن كانت تذهب بنا صوب الجحيم (حتى نارك جنة!) حولوا حياتنا إلى الجحيم وخلفونا عن العالم بجهلهم وتراكمت ويلاتنا والأبواق تصدح ممجدة الفشل والخيبة والهزائم (ويا محلى النصر بعون الله!)،هم وإن كانوا رؤساء وجمهوريون وديمقراطيون وملوك وأمراء إنما هم طغاة!ليسوا مثل ملوك العالم ولا رؤسائهم ،إنهم ملوك إلى قيام الساعة ورؤساء بجلباب الملوك يكنزون مال شعوبهم التي ترزح تحت خط الفقر لحساباتهم الخاصة ،هم ليسوا موظفين لدى شعوبهم مثل باقي خلق الله وإنما هم أسياد وشعوبهم عبيد في حساباتهم!وهذا حال شعوبهم فقر ومرض وبطالة وتخلف وتخبط وعشوائيات وهدر للأموال وسوء توزيع الثروة وفشل في كل شيء وانهيار في البنية التحتية وعمل بلا تخطيط، ورؤساء العالم موظفين يخرجون من وظيفتهم بلا جاه ولا يسرقون أموال شعوبهم بل أحيانا يتركون وظائفهم وهم في حيرة من عيشتهم . أورد مجموعة من القصص لرجال السياسة والحكم ،هم معروفين للكثير من القراء الأعزاء منهم من قدم الكثير وأخذ القليل ومنهم من خلف أمة بكاملها ونهب وبذر ثرواتها دون وجه حق،القصة الأولى : للرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي لم يستطع إكمال دراسته الابتدائية بسبب الفقر المدقع الذي كانت تعيشه أسرته ،توقف عن التحصيل الدراسي في مستوى الخامسة من التعليم الأساسي وأضطر إلى العمل (تلميع للأحذية ) لفترة ليست بالقصيرة بضواحي ساوبالو وبعدها صبيا بمحطة بنزين ليس مثل الكثير من عمال البنزين عندنا الذين لهم مبلغ من المال بعد كل( تفويلة) سيارة رضيت أم أبيت يسمى (خاوه)! . ثم خراطا و ميكانيكي سيارات وبائع خضار لينتهي به الحال كمتخصص في التعدين بعد التحاقه بالمعامل وحصوله على دورة لمدة ثلاث سنوات وفي سن أل 19 خسر لولا دا سيلفا أصبعه الصغير في يده اليسرى في حادث أثناء العمل في مصنع قطع غيار للسيارات. كانت أمه مدرسة تعلم منها أخلاق القرية فتسلح بهذه الأخلاق الحميدة ولذلك يقول عنها لولا دا سيلفا:(لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون.) لقد ناضل وأحتجز وسجن وترأس خطاب لنقابات العمال الصناعيين ورشح نفسه للرئاسة ،خسر في الثلاث محاولات الأولى وكان حزبه حزب العمل ينمو باستمرار إلى أن نجح في الانتخابات الرئاسة عام 2003 وتولى الرئاسة دورتين حتى سنة 2011 . نجح لولا دا سيلفا في تسديد الديون المتبقية بذمة البرازيل في سجلات صندوق النقد الدولي قبل عامين من الموعد المحدد للتسديد ورؤسائنا يكبلوننا بالديون الخارجية نتيجة لمغامراتهم غير محسوبة النتائج. حتى حرر برازيل تماما من ديونها كلها وفي ولايته الثانية أطلق برامج “تسريع النمو”وسعى إلى الموائمة بين القطاعين (العام والخاص)وأستطاع أن ينتشل أكثر من عشرين مليون برازيلي من مخالب البطالة وكان من ألد أعداء الفقر فخاض ضده أشرس معارك مكافحة الجوع حتى صار سيلفا رمزا عالميا لفقراء العالم. وهنا في كل يوم يزيدون في قوائم الفقراء والعاطلين عن العمل!،فصار برازيل على يده دولة ديمقراطية قوية بعد أن كانت دولة بوليسية ضعيفة وأصبح كرسي الرئاسة الآن متاحا لكل برازيلي يجد في نفسه القدرة والكفاءة ليتبوأ المنصب بجدارة واستحقاق عن طريق صناديق الاقتراع. بكى لولا دا سيلفا يوم خروجه من القصر الرئاسي ليس حبا بالكرسي كعادة رؤساء الدول الذين أطاحت بهم ثورات(الربيع العربي)أو الذين مازالوا في السلطة بشكل غير شرعي ،بل لمحبة البرازيليين وتمسكهم ببقائه وإن انتهت فترة حكمه ورفض تغير الدستور البرازيلي لاستمراره في الحكم كما أراد 80% من الشعب البرازيلي ،الشخص الذي قال عنه أوباما إنه أشهر سياسي على وجه الأرض وبعد أن عرفنا عنه أخلاصه للشعب البرازيلي ورغم كل منجزاته في فترة حكمه فهو وخلال دورتين في الحكم لم يستخدم السلطة إلا لخدمة الشعب والعجيب في الأمر مثل هذا الشخص استدان من أصدقائه مالا بعد انتهاء فترة رئاسته ليرمم كوخه الريفي ليسكن فيه. القصة الثانية: تقلد جاك شيراك مناصب مهمة في الجمهورية الفرنسية الخامسة ،كان الرئيس الخامس للجمهورية الخامسة والرئيس الاثنين وعشرين في تاريخ فرنسا ،أستلم الحكم 1995 -2007 وكان عمدة باريس 1977-1995 . كان مؤتمن على ملفات إدارة الدولة وأسرارها خلال ولايتين رئاسيتين واثنتي عشر عاما في الاليزيه وأودع بيد الذي أخلفه في الحكم “نيكولا ساركوزي” ملفات وخزائن الرئاسة ،عسكرية ،دبلوماسية،أمنية،وإستراتيجية،التي ينبض بين صفحاتها قلب الدولة الفرنسية وأثمن وأدق أسرارها. وهبط من مكتبه الخاص برفقة الرئيس الجديد يومها إلى وداع في باحة القصر وأصطف لوداعه العاملون فيه منذ سنين ليرحل إلى عنوانه الجديد المطل على نهر السين في شقة من طابقين بمساحة 180 مترا مربعا وضعها مؤقتا بتصرفه أيمن رفيق الحريري ريثما يعثر على شقة أخرى ،حسبما قال مقربون منه ،انتهى ولايته وقبل أن يمط رحاله لدى نجل صديق الرئيس الراحل رفيق الحريري ،مثيرا بعض الضيق حتى لدى المقربين منه. مثله مثل لولا دا سيلفا لم يسرق من مال الشعب خلال تواجده بالسلطة ولم يمنح راتبا ليتحول من خلاله إلى ملياردير مثلما حكام العرب يتحولون من مال شعوبهم هم وأبناءهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم . القصة الثالثة: أطلع الناس في العالم ممن تابع قضية شهادة الدكتوراه لوزير الدفاع الألماني السابق المستقيل من منصبه كارل ثيودور تسو غوتنبرغ الذي أعترف بارتكاب ما وصفه ب(أخطاء فادحة)في رسالته للحصول على الدكتوراه من جامعة بايرويث في أعقاب اتهامه باقتباسات كثيرة في الرسالة من دون الإشارة إلى مصادرها ، قرر الادعاء العام في ألمانيا فتح تحقيق قضائي رسمي ضده و أعلن البرلمان الاتحادي الألماني(البوند ستاغ)بأن الوزير تخلى عن مقعده البرلماني تمهيدا لنزع الحصانة البرلمانية عنه وبالتالي تمكن القضاء من التحقيق معه وكان الوزير المستقيل يمثل الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري ،وهو الحزب “الشقيق”في ولاية بافاريا “جنوب شرقي ألمانيا”للحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجلا ميركل ،كان هذا الشخص يعتبر ثاني شخصية سياسية بعد أنجيلا ميركل وعندنا شهادات بالكامل تسرق وينجو السارق مثل شعرة من عجين دون أن يناله عقوبات رادعة كي لا تتكرر السرقات . وزير الدفاع الألماني سالف الذكر أنتزع منه الشهادة واستقال من منصبه كوزير للدفاع مع إني مقتنع بأن الرجل أكاديمي ناجح ولكن شاءت أخطائه البسيطة والجسيمة عندهم أن ترمي به الرمية القاسية ولو كان أرتكب تلك الأخطاء هنا لمر علينا مرور الكرام ولبقية في منصبه ولأحتفظ بشهادته معززا مكرما ،كما لصوص الشعب العراقي في مأمن من العقاب وكما يقال من أمن العقاب أساء الأدب. القصة الرابعة:جاء في الأخبار إن ثروة الرؤساء العرب المخلوعين الثلاثة نتيجة ل(الربيع العربي) ،حسني مبارك ،معمر القذاقي ،زين العابدين بن علي بلغت 205 مليار دولار ،فالملياردير الأول بينهم هو معمر القذافي حيث كنز من ثروة الشعب الليبي 130 مليار دولار (وتشير تقارير أمريكية إن ثروة معمر القذافي تقارب 6 أضعاف ميزانية ليبيا لعام 2011 التي بلغت 22.4 مليار دولار)والثاني هو حسني مبارك الذي كنز من ثروة الشعب المصري 70 مليار دولار (ويقبع 40% من الشعب المصري تحت خط الفقر ويعيش بأقل من دولارين في اليوم)ويأتي في المرحلة الثالثة الملياردير زين العابدين بن علي برصيد 5 مليار دولار (مسكين بن علي يملك مبلغ قليل بالمقارنة مع أقرانه الرؤساء المخلوعين وإن كان شعبه يعاني من الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار!) . والقصة الأخيرة متعلق ب عبدالكريم قاسم (الزعيم الأوحد)الذي كما يقال والعهدة على القائل ،بأنه تبرع بقطة أرض في الصويرة ورثها شرعيا من أبيه للدولة لبناء مرفق حكومي عليها لأهالي تلك المدينة ،ويقال بأنه تبرع براتبه للشعب كرئيس حكومة وأحتفظ براتبه العسكري ويقال بأن زوجة السفير البريطاني في العراق (في ذلك العهد) قالت: لو خسر الشعب العراقي عبد الكريم قاسم ستكون خسارة كبيرة لنزاهة الرجل والقصة الشهيرة معروفة يوم زار مخبزا رأى فيه صورة كبيرة له قائلا لصاحب المخبز صغر الصورة وكبر (كرصة الخبز للناس). لو جاء اليوم الذي فيه نستطيع أن نسال رجال الحكم والسياسيين والموظفين الكبار ما بعد 2003 ،ماذا كنت تملك في هذا التاريخ وماذا تملك بعده لاستطعنا أن نصنفهم تصنيفا عادلا ولكن سؤال من أين لك هذا ؟ممنوع في هذا البلد! . شتان بين رؤسائنا ورؤسائهم وشتان بين حالنا وحالهم وأفندينا حين يتكلم يمن علينا بانجازاته التي لا وجود لها في الواقع ،ذلك الواقع الذي يقص قصة معاناتنا وألف ليلة من ليالي مصائبنا .