منذ أكثر من عام وأنا أرى الرجل نفسه يتخبط داخل غرفتي كل مساء، يبعثر الأشياء من حولي، وينظر بازدراء شديد لكل شيء حولنا، هذه خزانتك إنها منحطة، هذه ثيابك وفساتينك إنها سوداء قاتمة لا حياة تفوح منها، وهذه افكارك لقد طلاها العفن!
يجلسُ على مقربة مني يقول:
لقد أبصر العالم القبح دائماً لتمكن من معرفة الجمال، لقد جسدوا صورة ما أرادوا أن يكونونه بما لا يستطيعوا أن يصبحوا عليه، ولدوا وترعرعوا داخل أسرة لم تورثهم سوى الجبن والأمراض النفسية بحيث يصبح التجرد منها ضربا من الخيال لا ينتهي إلا بانهدام تام لبناءه، ولا يعتمر قط سوى بإنجاب العديد من النسخ المشابهة لصورته! هذا العالم يرغبون بإنجاب العبيد لإنها وحدها العبودية تأتي مجاناً! أو هكذا يخيل إليهم. يريدون صورة مشوشة لكي لا يكلفوا أنفسهم عنان النظر إلى ما أبعد من الفكرة والأقرب إلى اليقين.
أحياناً أرجوه لأخباري بمن يكون وماذا يفعل في غرفتي ولماذا لا يهاب من فكرة أن يقبض أحدا عليه هنا، وفي لحظات حزنه عندما يكف عن الثرثرة أحاول أن أتقرب أن أمسد على ذراعه أو أمده بيدا يستطيع أن يدفن به رأسه يرفض ذلك إذ إنه لا يرتجي شفقتي، ولا هو بمنعزل أو وحيد! واننا معا فكرة مجسدة لواقعٍ يُعاش ببطء، أو إذ صح التعبير أننا معا صورة نمطية لظلال خائفة، ظلال تدفن بجذورها حتى لا تكاد تبصر بعد ذلك.
الليلة قد تأخر عن المجيء قليلاً وأنا بانتظاره.. قد أكون واقعة في حبه أو يكون ذلك بفعل الاعتياد ، ولكنه أصبح الشيء الوحيد الذي يمدني بالحياة لأعيش يوماً آخر دون أن أتعثر أو أسقط، الوحيد الذي أستطيع أن أكون أمامه كل شيء عدا أن أكون شخصا أخر لا يشبهني.