مملكة الحمقى…
بقلم: الدكتور زاحم محمد الشمري
تعرف مملكة الحمقى بانها أمة تأكل اكثر مما تنتج … وتحصد اقل مما تزرع … وتنام اكثر مما تسرح … الظلم فيها طاغ والإنسان فيها باغ … جعلها الحقد الأيديولوجي الاعمى منطقة جذب واستقطاب لكل الخصوم الى الحد الذي اصبح فيها الحمقى مشاهير … حيث يظهر بعض الحمقى في كل جيل، يقول بوريس باسترانك، يتحدثون عن الحقيقة كما يرونها ملائمة لحماقاتهم بمنعزل عن ما يفقهه اصحاب العقول الراجحة.
وفي هذه المملكة غالبا ما يقدم مستشاري الملك (الحاشية) مشورتهم الحمقاء المغلفة بالحيل والخداع، التي تمثل شيمة الحمقى الذين لا يملكون عقلاً كافياً ليكونوا صرحاء صادقين، والى درجة انهم يسمحون لأنفسهم التفوه بتلك الحماقات الحدباء امام الملك والشعب وكأن المتلقون لا يفقهون الحقيقة، أذا ما اخذنا بنظر الاعتبار أن الله تعالى لا يلهم احدا قط المشورة الحمقاء، لكنه في ذات الوقت يستخدم صلاح الصالحين وكذلك ايضا شر الطالحين بهدف تحقيق المقاصد الإلهية. وعليه فإن الله لم يدفع اخوة يوسف ليلقوه في البئر او يبيعوه الا كانت وراء ذلك حكمة إلهية حولت ذلك الشر الى خير عنوانه يوسف الخارج من بئر الموت نبيا عظيما يعتلي عرش الملك.
لذلك فان “الله سابق علمه ولم يلهم مستشاري الملك مشورتهم الحمقاء”، وليس معنى النبوءة بمعناها العقلاني ان الله يجبر الناس على تصرفات تؤدي بالنتيجة الى إتمام هذه النبوءة، لكنه يعلم سلفا ما ستؤول اليه الامور ، لذلك وضع النبوءة في أفواه الأنبياء والصديقين. لكننا رغم ذلك نحمل لله تبارك وتعالى مسؤولية اخطائنا وتصرفاتنا السيئة حينما نقول ان ما أصابنا، خيراً كان أم شراً، مقدر ومكتوب من الله تعالى، بالرغم من إننا قادرين على أن نفرق بين علم الله السابق بالحقيقة وبين التصرفات السيئة والمشينة التي نتحمل مسؤولياتها امام الله والناس، خاصة اذا كنا أحراراً في التصرف والإرادة.
لذا يمكن القول بأن دور الحاشية كان ولا يزال مؤثراً كثيراً في حياة الملوك والرؤساء في ادارة دفة حكم الدولة، حيث تعرف “الحاشية” على انها عبارة عن مجموعة من الاشخاص الذين يحيطون بالملك، تم اختيارهم على اسس اقرب الى الخصوص وابعد الى العموم، يعملون على تنظيم وإدارة اعماله ومواعيده حسبما يرونه مناسباً لهم، أو حسبما يراه الملك مناسباً له ذا كان يدعي الالوهية في التفكير والطرح، ويوصفون على انهم العيون التي يرى فيها الملك معاناة الناس وهمومهم وقضاياهم المختلفة. وعلى مر الايام والسنين يحضى هولاء بالثقة المطلقة للملك، وعادة ما تستغل هذه الثقة في ممارسة الظلم والاستبداد ضد الرعية بعلم او بدون علم الملك الذي ربط مصيره بمصير الحاشية المجهول.
فحين ننظر الى الىسير الذاتية للملوك نراها متشابهة في بعض الاحيان من حيث احتوائها على الجشع والقسوة والظلم، ناهيك عن محاولة الابتعاد عن حياة الشعوب وعدم الاكتراث لما يعانونه، فكل واحد منهم يعيش في واد ذات حياة تختلف تماما عما هي عليه في الوادي الاخر. والسؤال: هل هناك من اسباب حقيقة تدفع الملك الى التصرف بوحشية الى حد الظلم المبالغ فيه تجاه شعبه ورعيته؟ هل هو الكرسي ذو المقابض العاجية المطلية بماء الذهب والمرصعة بالياقوت والزمرد التي يضعف امامها ثلة من الانتهازيين، ام هي الرغبات والمطالب الكثيرة للشعوب التي لا يزال من الصعب تحقيقها؟
قديماً كانت الحاشية، او ما يسمى بالحاجب، المنفذ الوحيد للرعية الى الملك، والبوابة الوحيدة التي يطل الملك من خلالها على الشعب، ومن خلال الحاجب تصل طلبات الرعية واخبار المملكة الى الملك. فما بالكم لو كان الحاجب كاذباً؟ أو مخادعاً؟ أو مستقلاً لمنصبه وللثقة التي منحها اياه الملك؟ متناسباً ان عين الله تتابعه في كل مكان وزمان!! فما الذي سيفعله هذا الحاجب بحاجيات الناس وقضاياهم المصيرية، خاصة اذا ما خوله الملك بشكل مطلق في ادارة امور البلاد والعباد؟ فمن المؤكد ستكون النتيجية عكس ارادة الله ورغبة الناس.
وهنا يمكن القول ايضاً بأن “حاشية الملك هي اخطر من الملك على الشعب”، فالذي يتحمل مسؤولية المشورة الرديئة أو الحمقاء في المملكة هو الانسان وليس الله جل جلاله، فلو كان الانسان مسيراً في سلوكه لما آلت اليه الامور الى ما نحن عليه الان!!! ان نعمة العقل والوجدان التي انعم الله بها على الإنسان جعلته مخيرا في كثير من الامور في حياته الاجتماعية وله الحرية في طاعة او رفض وصايا الله التي انزلها في كتبه السماوية، حيث يُرفع عنه التكليف متى ما فقد عقله.
وعليه فان الله لم يلهم مستشاري الملوك مشورتهم الحمقاء، ولم يلهم الملوك بقبول تلك المشورة، لذلك سيكون هناك حساب وعقاب على المشورة الخاطئة والتصرف اللامسؤول الذي يجتث حقوق الآخرين دون وجه حق. لذا يجب ان يكون مستشاري الملك على مستوى عال من المسؤولية لان فيهم صلاح الأمة او خرابها وتحولها الى “مملكة الحمقى” المجانين بداء العظمة الهوائية العمياء. لذلك على من يتصدى لمسؤولية الملك عدم الرضوخ والانصياع التام الى ما يمليه عليه الحاجب الجديد مهما كانت صلة قرابته، وتجنب الايمان المطلق دائما بما يقوله، فذلك يعطي صورة مشوهة لصاحب الامر كون ما تتلقاه الرعية عن الحاجب سلباً كان ام ايجاباً يفهم في عيون الناس على انه اصدارات الملك.