لو علِم الرئيسُ السيسي ماذا فعلَ بنا، نحن المصريين، ونحن نشاهدُه يُنصِتُ في إجلالٍ إلى إحدى وعشرين طلقةً أطلقتها المدفعية تحيةً للموكب الملكي العظيم، ثم ينهضُ من مقعده في “المتحف القومي للحضارة المصرية” بالفسطاط، ليقطعَ الردهةَ الملكية في خُطًى واثقةٍ، ثم يقفَ عند بوابة المتحف مُستقبِلاً نظراءَه من ملكات مصرَ وملوكها لحظةَ وصولهم من “المتحف المصري” بالتحرير في اثنتي وعشرين عربةً ملكية، محفورٌ على كلٍّ منها بحروف مُذهَّبة اسمُ الملكة أو الملك التي تحمل، لأدركَ أنه منحَنا الكثيرَ من زاد الفرح والفخار؛ ما يدفعُنا للعمل الجادّ من أجل سموّ هذا الوطن العريق. وقف رئيسُنا العظيمُ ملكًا أمامَ ملوك، في لحظة جلالٍ مَهيب، وكأنه يقول لهم: “أيها الأجدادُ العظام، ها نحن نحملُ مشاعلَكم المضيئةَ، لكي نُعيد أمجادَكم؛ ونبني مصرَنا الحديثة بما يليقُ بما صنعتم من خلود، حتى يفخرَ الأجدادُ بالأحفاد.”
ما كلُّ هذا الإبهار المدهش والفخامة واحترافية التنظيم والفن الرفيع الذي قدّمته مصرُ لنا وللعالم، لتُراكِمَ معجزاتِها الحديثةَ على معجزاتِ تاريخها الذي دوّخ العالمَ منذ آلاف السنين! نشكركَ أيها الرئيسُ المثقف/ عبدالفتاح السيسي، على تلك اللحظة التاريخية الفريدة في تاريخ مصر البهيّة. نشكركَ أنْ عزّزت فينا فخرَنا بهُويتنا المصرية العريقة، وكرّستَ داخلنا شعورًا “مخيفًا” بمسؤولية أن نكونَ أهلا لحمل هذا الإرث المجيد، فنعملُ ونُتقِن ونكدّ حتى نبني مستقبلاً يليقُ بماضينا الخالد. شكرًا للوزير المثقف د. “خالد العناني” الذي استعرضَ، في بضعة دقائق مكثفة، تاريخَ مصرَ البانورامي العريق: الفرعوني، اليوناني، الروماني، القبطي، الإسلامي، خلال استعراضه مفردات المتحف أمام الرئيس، ومندوبة اليونسكو، وعيون العالم التي كانت ترقبُنا من وراء الشاشات ونحن نصنعُ تلك اللحظة الخالدة في تاريخ مصر الحديث. شكرًا للمايسترو الجميل “نادر عباسي”، والأوركسترا المحترم الذي قدّم لنا وللعالم ذاك الإبهار الموسيقي المدهش بالغ التعقيد، والمحسوب بدقة فائقة لكي يتناغمَ ويتواكب ويُحايث موسيقيًّا وإيقاعيًّا، كلَّ لحظةٍ من لحظات هذا الحدث المهيب. شكرًا للجميلات: “ريهام عبد الحكيم، أميرة سليم، نسمة محجوب” ذوات الحناجر الذهبية اللواتي شدون بالفصحى والعامية وباللغة المصرية القديمة أغنياتٍ فائقةَ العذوبة والرقيّ. وشكرًا لحنجرة “محمد منير” الآسرة تشدو بلسان مصرَ وتحكي. شكرًا لطاقم العمل في اللجنة العليا لسيناريوهات المتاحف بوزارة الآثار على هذا التنسيق العبقري الذي أخرج الملحمة التاريخية كـ سيمفونية بالغة الإتقان والفرادة، من حيث التنظيم والتصوير ونقل الرقصات الفرعونية من كل أرجاء مصر: سفح الهرم، الأقصر، الدير البحري، ومختلف أماكن مصر الزاخرة بالأثر العظيم. شكرًا للمصور السينمائي المصري العالمي “أحمد المرسي” وفريقه المحترم الذين نقلوا لنا العرضَ الملكيَّ على هذا النحو الاحترافي المدهش. شكرًا لمصممة الأزياء “مي جلال”، والاستايلست “خالد عزام” على ملابس أبطال هذه الاحتفالية الخالدة.
على مدى عقود طوال، جفَّ مدادُ قلمي كتابةً ومناشدةً ومُناداة وحُلمًا بتدريس حضارتنا المصرية الخالدة لتلاميذ المدارس؛ حتى يشبّوا حاملين مسؤولية “الإتقان” العجيب الذي كان صُلبَ فلسفة السَّلف المصري الصالح. ولم يتحقق حُلمي العصيّ. بالأمس فقط، وخلال ساعتين، كان حفلُ موكب المومياوات الملكية بمثابة درسٍ مكثّف في علم ال Egyptology الذي تمنيتُ أن يُدرّس في مدارس مصر، فإذا به يُدرّس للعالم بأسره في كبسولة فاتنة خلال الحدث الجليل. كان يوم 3 أبريل، وسوف يظلُّ، عُرسًا مبهجًا لقلبي وقلب كلّ مصري شريف يعتزُّ بهويته المصرية وتاريخ سَلفه الخالد. السلف الذي علّمَ الدنيا: “قانون الأخلاق، والطبّ، والعمارة، والفلك، والزراعة، والسياسة، والهندسة وحساب المثلثات والرياضيات، والكتابة والتدوين، والموسيقى والرقص والغناء، والتشكيل والنحت، وفن صناعة الأزياء والمجوهرات، وبناء التقويم الزمني. في هذا العام 2021 ميلادية، 1443 هجرية، سوف نحتفل بالعام رقم 6263 على الروزنامة المصرية! تصوروا حجمَ القِدَم والعراقة وسباقة التقاويم، أن يفكّر سلفُنا المصريُّ النابهُ في حساب الزمن منذ ستة آلاف عام! وسبقت ذلك دون شك قرونٌ وقرون من “السَّعي الحضاري” الجادّ الذي كان المصريُّ القديم يُنصِتُ فيها إلى إيقاع العالم ويكتشفُ أسرارَه وخبيئاته ويُشيّد حضارتَه العصيةَ على الاستيعاب والإدراك. ذاك هو تاريخُنا العظيم الذي نعيدُ اكتشافَه اليومَ؛ بعد محاولاتٍ طمس دؤوب مارسَها أعداءُ الجمال خصوم الحضارة على مدى عقود طوال؛ لكي ننسى ماضينا فنفقدَ القدرةَ على صناعة مستقبلنا. وهنا وجب تقديم الشكر للدكتور “طارق شوقي” الذي أدخل منذ توليه وزارة التعليم فرائدَ مختارة من أدبيات الحضارة المصرية القديمة في مناهج تلاميذ الابتدائي حتى ينشأوا مرتبطين بإرثهم المصري الثري. وفي الأخير نشكرك يا مصر أنْ كنتِ لنا أمًّا لنحمل مجدَك العظيم فوق هاماتنا. “الدينُ لله، والوطن لمن يعتزُّ بهُوية الوطن.”
ملكاتُ وملوكُ السَّلف الجميل … يجوبون العالم!
اترك تعليقا